القى معالي الريس العام لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي الشيخ الدكتور عبدالرحمن بن عبدالعزيز السديس درساً علمياً ضمن الدورة العلمية التي أقامتها وكالة الشؤون التوجيهية والإرشادية بعنوان: أحكام الصيام وآدابه.
وتحدث معاليه في مستهل درسه في تفسير آيات الصيام تفسير قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ * وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ * أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ}{ البقرة: 183
كما بين معاليه هدايات الآيات:
1. فرضية الصيام وهو شهر رمضان.
2. الصيام يربي ملكة التقوى في المؤمن.
3. الصيام يكفِّر الذنوب لحديث: "من صام رمضان إيماناً واحتساباً غُفِر له ما تقدَّم من ذنبه".
4. رخصة الإفطار للمريض والمسافر.
5. المرأة الحامل أو المرضع دلَّ قوله: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ} أنه يجوز لهما الإفطار مع القضاء، وكذا الشيخ الكبير فإنه يُفطر ولا يقضي، والمريضُ مرضاً لا يُرجَى برؤه كذلك. إلا أنَّ عليهما أن يُطعمَا عن كل يوم مسكيناً بإعطائه حفنَتَي طعام كما أنَّ المرأة الحامل والمرضع إذا خافتْ على حملها أو طفلها أو على نفسها أنَّ عليها أن تُطعِم مسكيناً مع كل صوم تصومه قضاءً.
6. في الصيام فوائد دينية واجتماعية عظيمة أشير إليها بلفظ: {إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ}، منها: تربية الصائم على الخشية من الله تعالى في السر والعلن. وكسر حدَِّة الشهوة، ولذا أرشَد النبي –صلى الله عليه وسلم- العازبَ إلى الصوم. ومنها أيضاً أن الصوم يربي الشفقة والرحمة في النفس. وفيه المساواة بين الأغنياء والفقراء والأشراف والأوضاع. وفيه تعويد الأمَّة على النظام والوحدة والوئام. وفيه أنه يُذهب الموادَ المترسِّبة في البدن، وبذلك تتحسَّن صحة الصائم.
7. فضلُ شهر رمضان وفضلُ القرآن.
8. وجوبُ صيام رمضان على المكلفين، والمكلف هو: المسلم البالغ العاقل.
9. الرخصة للمريض الذي يخاف تأخر برئه أو زيادة مرضه، وللمسافر مسافة قصر.
10. وجوب القضاء على من أَفطر لعذر.
11. يُسرُ الشريعة الإسلامية وخلوُّها من العُسر والحرج.
12. مشروعية التكبير ليلة العيد ويومه، شكراً لله على نعمة الهداية إلى الإسلام.
13. قرب الله تعالى من عباده ؛ إذْ العوالم كلها في قبضته وتحت سلطانه، ولا يبعد عن الله شيءٌ من خلقه؛ إذ ما من كائن إلا والله يراه ويسمعه ويقدر عليه.
14. وجوب الاستجابة لله تعالى بالإيمان وصالح الأعمال.
15. الرشد في طاعة الله، والغيُّ والسفهُ في معصيته تعالى.
16. إباحةُ الأكل والشرب والجماع في ليال الصيام من غروب الشمس إلى طلوع الفجر.
17. بيان ظرف الصيام وهو من طلوع الفجر الصادق إلى غروب الشمس.
18. بيان ما يُمسِك عنه الصائم وهو الأكل الشرب والجماع.
19. مشروعيةُ الاعتكاف وخاصةً في رمضان، وأنَّ المعتكف لا يحلُّ له مباشرةُ امرأتِه ولا جماعها وهو معتكفٌ حتى تنتهي مدة اعتكافه.
20. استعمالُ الكناية بدل التصريح فيما يُستحيَى من ذكره، حيث كنَّى بالمباشرة عن الوطء.
21. حرمةُ انتهاك حرمات الشرع وتعدي حدوده.
22. بيان الغاية من إنزال الشرائع ووضع الحدود وهي تقوى الله عز وجل.
23. ثبت بالسنة النبوية:
سُنَّة السحور واستحبابُ تأخيره ما لم يخش طلوع الفجر، واستحبابُ تعجيل الفطر.
بعد ذلك بين معاليه هدي المصطفى –صلى الله عليه وسلم - في الصيام قائلاً: كان من هديه صلى الله عليه وسلم في شهر رمضان الإكثار من أنواع العبادات، وكان يكثر فيه من الصدقة، والإحسان، وتلاوة القرآن، والصلاة، والذكر، والاعتكاف.
وكان جبريل يدارسه القرآن في رمضان، وكان إذا لقيه جبريل أجود بالخير من الريح المرسلة: «وكان أجود النَّاس، وأجود ما يكون في رمضان». [أخرجه البخاري ومسلم].
وكان يخصه من العبادات بما لا يخص به غيره، حتى أنَّه لَيُوَاصِلُ فيه أحيانا لِيُوَفِّرَ ساعات ليله ونهاره على العبادة.
وكان ينهى أصحابه عن الوصال، فيقولون له: إنك تواصل؟ فيقول: «لست كهيئتكم إني أبيت عند ربي يطعمني ويسقيني» [أخرجه البخاري ومسلم]، نهى عنه رحمة للأمة.
وأن من هديه نبينا محمد –صلى الله عليه وسلم- أن لا يدخل في صوم رمضان إلا برؤية محققة، أو بشهادة شاهد واحد، كما صام بشهادة ابن عمر، وصام مرة بشهادة أعرابي، واعتمد على خبرهما، ولم يكلفهما لفظ الشهادة.
فإن كان ذلك إخبارا، فقد اكتفى في رمضان بخبر الواحد، وإن كان شهادة، فلم يكلف الشاهد لفظ الشهادة، فإن لم تكن رؤية ولا شهادة أكمل عدة شعبان ثلاثين.
وكان صلى الله عليه وسلم يعجل الفطر ويفطر قبل أن يصلي، وكان فطره على رطبات إن وجدها، فإن لم يجدها فعلى تَمَرَاتٍ، فإن لم يجد فعلى حسوات من ماء.
وروي عنه أنه «كان يقول إذا أفطر: "ذهب الظمأ، وابتلت العروق، وثبت الأجر إن شاء الله تعالى» [رواه أبو داود].
ويذكر عنه صلى الله عليه وسلم: «إن للصائم عند فطره دعوة ما ترد» [رواه ابن ماجه].
ويذكر عنه صلى الله عليه وسلم أنه «كان يقول عند فطره: اللهم لك صمت، وعلى رزقك أفطرت، فتقبل منا، إنك أنت السميع العليم» . ولا يثبت.
كان من هديه صلى الله عليه وسلم إسقاط القضاء عمن أكل وشرب ناسيا، وأن الله سبحانه هو الذي أطعمه وسقاه، فليس هذا الأكل والشرب يضاف إليه فيفطر به، فإنما يفطر بما فَعَلَه، وهذا بمنزلة أكله وشربه في نومه، إذ لا تكليف بفعل النائم، ولا بفعل الناسي.
كما صح عنه صلى الله عليه وسلم أن الذي يفطر به الصائم: الأكل والشرب، والحجامة، والقيء، والقرآن دال على أن الجماع مفطر كالأكل والشرب، لايعرف فيه خلاف، وصح عنه أنه كان يستاك وهو صائم، ولا صح عنه أنه نهى الصائم عن السواك أول النهار ولا آخره، وكان يتمضمض ويستنشق وهو صائم، ومنع الصائم من المبالغة في الاستنشاق. ولا يصح عنه أنه احتجم وهو صائم، ولا يصح عنه في الكحل شيء، فقد روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه اكتحل وهو صائم.