خطب وأم المصلين في المسجد النبوي فضيلة الشيخ الدكتور احمد بن طالب بن حميد إمام وخطيب المسجد النبوي الشريف.
وبعد أن حمد الله تعالى بدأ خطبته بقوله أيها المؤمنون: قال تعالى: (وَكَذَٰلِكَ جَعَلۡنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّٗا شَيَٰطِينَ ٱلۡإِنسِ وَٱلۡجِنِّ يُوحِي بَعۡضُهُمۡ إِلَىٰ بَعۡضٖ زُخۡرُفَ ٱلۡقَوۡلِ غُرُورٗاۚ وَلَوۡ شَآءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُۖ فَذَرۡهُمۡ وَمَا يَفۡتَرُونَ (112) وَلِتَصۡغَىٰٓ إِلَيۡهِ أَفۡـِٔدَةُ ٱلَّذِينَ لَا يُؤۡمِنُونَ بِٱلۡأٓخِرَةِ وَلِيَرۡضَوۡهُ وَلِيَقۡتَرِفُواْ مَا هُم مُّقۡتَرِفُونَ (113) أَفَغَيۡرَ ٱللَّهِ أَبۡتَغِي حَكَمٗا وَهُوَ ٱلَّذِيٓ أَنزَلَ إِلَيۡكُمُ ٱلۡكِتَٰبَ مُفَصَّلٗاۚ وَٱلَّذِينَ ءَاتَيۡنَٰهُمُ ٱلۡكِتَٰبَ يَعۡلَمُونَ أَنَّهُۥ مُنَزَّلٞ مِّن رَّبِّكَ بِٱلۡحَقِّۖ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ ٱلۡمُمۡتَرِينَ (114) وَتَمَّتۡ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدۡقٗا وَعَدۡلٗاۚ لَّا مُبَدِّلَ لِكَلِمَٰتِهِۦۚ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلۡعَلِيمُ (115) وَإِن تُطِعۡ أَكۡثَرَ مَن فِي ٱلۡأَرۡضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِۚ إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا ٱلظَّنَّ وَإِنۡ هُمۡ إِلَّا يَخۡرُصُونَ (116) إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعۡلَمُ مَن يَضِلُّ عَن سَبِيلِهِۦۖ وَهُوَ أَعۡلَمُ بِٱلۡمُهۡتَدِينَ)؛ وكذلك الحال في أتباع الأنبياء وأعدائهم.

وأكمل: والله إذا أخبر فخبره الصدق، وإذا حكم فحكمه العدل، لا يُبدل القول لديه، والكل منه وبه وإليه؛ وفي إخباره سبحانه عدل أحكامه، وفي أحكامه صدق أخباره (وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِن كِتَابِ رَبِّكَ ۖ لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَلَن تَجِدَ مِن دُونِهِ مُلْتَحَدًا)؛ وتمت كلمة ربكم صدقاً في صفة الأمة المحمدية وخصالها السنية، ونعوت خصومها الردية، فقال: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ*لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذًى وَإِنْ يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يُنْصَرُونَ*ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ).

وأضاف فضيلته: بيّن لكم سبحانه أن ذلة العدد لا تضر مع عزة المدد، فقال عز وجل: (وَلَقَدۡ نَصَرَكُمُ ٱللَّهُ بِبَدۡرٖ وَأَنتُمۡ أَذِلَّةٞۖ فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ (123) إِذۡ تَقُولُ لِلۡمُؤۡمِنِينَ أَلَن يَكۡفِيَكُمۡ أَن يُمِدَّكُمۡ رَبُّكُم بِثَلَٰثَةِ ءَالَٰفٖ مِّنَ ٱلۡمَلَٰٓئِكَةِ مُنزَلِينَ (124) بَلَىٰٓۚ إِن تَصۡبِرُواْ وَتَتَّقُواْ وَيَأۡتُوكُم مِّن فَوۡرِهِمۡ هَٰذَا يُمۡدِدۡكُمۡ رَبُّكُم بِخَمۡسَةِ ءَالَٰفٖ مِّنَ ٱلۡمَلَٰٓئِكَةِ مُسَوِّمِينَ (125) وَمَا جَعَلَهُ ٱللَّهُ إِلَّا بُشۡرَىٰ لَكُمۡ وَلِتَطۡمَئِنَّ قُلُوبُكُم بِهِۦۗ وَمَا ٱلنَّصۡرُ إِلَّا مِنۡ عِندِ ٱللَّهِ ٱلۡعَزِيزِ ٱلۡحَكِيمِ (126) لِيَقۡطَعَ طَرَفٗا مِّنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوٓاْ أَوۡ يَكۡبِتَهُمۡ فَيَنقَلِبُواْ خَآئِبِينَ (127) لَيۡسَ لَكَ مِنَ ٱلۡأَمۡرِ شَيۡءٌ أَوۡ يَتُوبَ عَلَيۡهِمۡ أَوۡ يُعَذِّبَهُمۡ فَإِنَّهُمۡ ظَٰلِمُونَ (128) وَلِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِۚ يَغۡفِرُ لِمَن يَشَآءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَآءُۚ وَٱللَّهُ غَفُورٞ رَّحِيمٞ).

وتابع فضيلته: وما الإمداد إلى مع الاستعداد، فأما استعداد الأرواح القائمة بالعزيز الوهاب، فقد تمت كلمة ربكم عدلاً، فشرع أسباب الفلاح والنصر في الدنيا والآخرة حالاً ومقالاً وفعلاً، قال سبحانه: (وَسَارِعُوٓاْ إِلَىٰ مَغۡفِرَةٖ مِّن رَّبِّكُمۡ وَجَنَّةٍ عَرۡضُهَا ٱلسَّمَٰوَٰتُ وَٱلۡأَرۡضُ أُعِدَّتۡ لِلۡمُتَّقِينَ (133) ٱلَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي ٱلسَّرَّآءِ وَٱلضَّرَّآءِ وَٱلۡكَٰظِمِينَ ٱلۡغَيۡظَ وَٱلۡعَافِينَ عَنِ ٱلنَّاسِۗ وَٱللَّهُ يُحِبُّ ٱلۡمُحۡسِنِينَ (134) وَٱلَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَٰحِشَةً أَوۡ ظَلَمُوٓاْ أَنفُسَهُمۡ ذَكَرُواْ ٱللَّهَ فَٱسۡتَغۡفَرُواْ لِذُنُوبِهِمۡ وَمَن يَغۡفِرُ ٱلذُّنُوبَ إِلَّا ٱللَّهُ وَلَمۡ يُصِرُّواْ عَلَىٰ مَا فَعَلُواْ وَهُمۡ يَعۡلَمُونَ (135) أُوْلَٰٓئِكَ جَزَآؤُهُم مَّغۡفِرَةٞ مِّن رَّبِّهِمۡ وَجَنَّٰتٞ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَاۚ وَنِعۡمَ أَجۡرُ ٱلۡعَٰمِلِينَ (136) قَدۡ خَلَتۡ مِن قَبۡلِكُمۡ سُنَنٞ فَسِيرُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ فَٱنظُرُواْ كَيۡفَ كَانَ عَٰقِبَةُ ٱلۡمُكَذِّبِينَ (137) هَٰذَا بَيَانٞ لِّلنَّاسِ وَهُدٗى وَمَوۡعِظَةٞ لِّلۡمُتَّقِينَ (138) وَلَا تَهِنُواْ وَلَا تَحۡزَنُواْ وَأَنتُمُ ٱلۡأَعۡلَوۡنَ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِينَ).

وأوضح: وأما استعداد الأجساد القائمة في الأسباب فحكم سبحانه بقوله: (وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا ٱسۡتَطَعۡتُم مِّن قُوَّةٖ وَمِن رِّبَاطِ ٱلۡخَيۡلِ تُرۡهِبُونَ بِهِۦ عَدُوَّ ٱللَّهِ وَعَدُوَّكُمۡ وَءَاخَرِينَ مِن دُونِهِمۡ لَا تَعۡلَمُونَهُمُ ٱللَّهُ يَعۡلَمُهُمۡۚ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيۡءٖ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ يُوَفَّ إِلَيۡكُمۡ وَأَنتُمۡ لَا تُظۡلَمُونَ).

وأضاف فضيلته: وتمت كلمة ربكم صدقاً فقال عز ذكره وجلت حكمته: (إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ ۚ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاءَ ۗ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ)؛ وأخبرنا الله خبر صدق عن كثير ممن مضى من الأنبياء والأمم، فقال سبحانه: (وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا ۗ وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ* وَمَا كَانَ قَوۡلَهُمۡ إِلَّآ أَن قَالُواْ رَبَّنَا ٱغۡفِرۡ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسۡرَافَنَا فِيٓ أَمۡرِنَا وَثَبِّتۡ أَقۡدَامَنَا وَٱنصُرۡنَا عَلَى ٱلۡقَوۡمِ ٱلۡكَٰفِرِينَ*فَـَٔاتَىٰهُمُ ٱللَّهُ ثَوَابَ ٱلدُّنۡيَا وَحُسۡنَ ثَوَابِ ٱلۡأٓخِرَةِۗ وَٱللَّهُ يُحِبُّ ٱلۡمُحۡسِنِينَ).

وأكمل: ثم حكم سبحانه عدلاً وأخبر سبحانه صدقاً أن الخسار في طاعة الكفار، وأن النصر في ولاية العزيز القهار، وأن الفشل مع التنازع والمعصية وإرادة الدنيا، ونهى الله أهل الإيمان عن تخذيل إخوانهم وتحسيرهم، وأمرهم فيما بينهم باللين والاستغفار والمشاورة، والتوكل َعلى الله والاستنصار به، وتنكب أسباب الخذلان بالغلول ومعصيةالرسول، ومن ظن أن القتلى من الفريقين سواء، فليقرأ قوله تعالى: (أَفَمَنِ ٱتَّبَعَ رِضۡوَٰنَ ٱللَّهِ كَمَنۢ بَآءَ بِسَخَطٖ مِّنَ ٱللَّهِ وَمَأۡوَىٰهُ جَهَنَّمُۖ وَبِئۡسَ ٱلۡمَصِيرُ (162) هُمۡ دَرَجَٰتٌ عِندَ ٱللَّهِۗ وَٱللَّهُ بَصِيرُۢ بِمَا يَعۡمَلُونَ).

وأضاف: وتمت كلمة ربكم صدقاً وعدلاً بالمنة على المؤمنين بسيد المرسلين، وإنقاذهم به من الضلال المبين، وأن المصيبة تحل علينا من أنفسنا، بمخالفة أمره، وترك هديه.

واختتم فضيلته الخطبة بقوله: وتمت كلمة ربك ربكم صدقاً يورث اليقين، وعدلاً يحكم بالثبات على الحق إلى يوم الدين، قال سبحانه: (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ).
أمّ المسلمين اليوم لصلاة الجمعة في المسجد الحرام فضيلة الشيخ الدكتور أسامة خياط إمام وخطيب المسجد الحرام، واستهل خطبته الأولى قائلاً: إنه إذا كان الأدب: عبارة عن معرفة ما يُحترز به عن جميع أنواع الخطأ، وحيث أن الخطأ يعظم في حق كل عظيم من العظماء، ولا ريب أن الله تعالى هو أعظم العظماء كافة، بل هو العظيم وحده على الحقيقة، كما جاء في الحديث الذي أخرجه الإمام أحمد في مسنده وأبو داود في سننه واللفظ لهما، وابن ماجة في سننه بإسناد صحيح عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم– قال: "قال الله عز وجل: الكِبرياءُ رِدائي، والعَظَمةُ إزاري، مَن نازَعَني واحِدًا منهما، قذَفتُه في النَّار".

وأردف فضيلته: فإن الأدب معه -تعالى ذكره- متعين على كل الخلائق، وهو مقدم على كل أدب، فالأدَبُ مَعَ اللهِ حُسْنُ الصُّحْبَةِ مَعَهُ، وبِإيقاعِ الحَرَكاتِ الظّاهِرَةِ والباطِنَةِ عَلى مُقْتَضى التَّعْظِيمِ والإجْلالِ والحَياءِ. وإنَّ أولى ما تجب العناية به، وتوجيه الأنظار إليه، معرفة السبل التي يصل بها سالكها إلى منزلة الأدب مع الله تعالى.

وأشار فضيلته: فحين يقف العبد على أعظم منازل الأدب مع الله شأنًا، وأشرفها مقامًا، يجد أنه أداء حقِّه -سبحانه -، بتحقيق التوحيد الخالص، الذي هو أعظمُ أوامر الدين، وأساسُ الأعمال، وروحُ التعبُّد، وعِمادُ التقرُّب، وقاعدةُ الازدِلاف إليه - عز وجل -، والغايةُ من خلق الإنسِ والجنِّ، كما قال تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾، فيكون هذا أجل سبل الأدب مع الله تعالى؛ لأنه ليس من الأدب في شيء، الشرك بالله واتخاذ الأنداد له عز وجل، ولا يستقيم لأحد قطّ: الأدب معه سبحانه، إلاّ بتوحيده وإخلاص العبادة له وحده دون سواه، ومعرفته بأسمائه وصفاته، ومعرفته بدينه وشرعه، وما يحبّ وما يكره.

وأبان خياط: وحين ينظر المرء إلى منن الله العظمى عليه، ونعمه التي لا تعد ولا تحصى، من لحظة بدء تخلقه في رحم أمه، إلى لحظة لقاء ربه، فإنه لا محالة واجد نفسه يلهج بالشكر للمنعم المتفضل بهذه العطايا، شكرًا باللسان: حمدًا وثناءً عليه بما هو أهله، وشكرًا بالقلب: محبةً وإنابةً وخضوعًا وإخباتًا، وشكرًا بالجوارح: بصرف أعمالها كافةً إلى طاعته سبحانه، والسعي إلى مرضاته، فيكون هذا أحد سبل الأدب معه عز اسمه؛ لأنه ليس من الأدب معه في شيء، جحود النعم، وعدم الإقرار بالمنن، ورفض الاعتراف بالعطايا والمنح.

وأطنب فضيلته: وحين يتفكر اللبيب الأريب في سعة علمه سبحانه، وإحاطته بكل شيء في الأرض وفي السماء، ومن ذلك إحاطته بكافة أمور الإنسان، واطلاعه على جميع حركاته وسكناته، وأقواله وأفعاله، فإن هذا التفكر يُحدِث له مهابة له سبحانه، يستشعرها في قلبه وقارًا وتعظيمًا، يورثه حياءً من التلوث بمعصيته، والجرأة على مخالفة أمره ونهيه، فيكون بهذا قد سلك سبيلًا آخر من سبل الأدب مع ربه تبارك وتعالى؛ لأنه ليس من الأدب في شيء، الإقدام على الذنوب والمعاصي، والتورط في المجاهرة بها، وبكل ما يقبح مقابلته سبحانه، وهو مستيقن أنه شاهد عليه، ناظر إليه.

وأهاب خياط: عباد الله: وحين يوقن السائر إلى ربه أن الله تعالى قادر عليه، محيط به وبعمله، فلا مهرب له منه، ولا ملجأ ولا منجى منه إلا إليه، ولا يجد سبيلًا أبدًا غير الفرار إليه، والعودة له، والاستعصام بحبله، والاستمساك بشرعه، كما قال تعالى: ﴿فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ﴾، فيكون بهذا قد نهج نهجًا يحقق به الأدب مع ربه؛ إذ لا يرتاب عاقل أنه ليس من الأدب في شيء، أن يفر المرء ممن لا مفرَّ منه، ولا عاصم من أمره، ولا راد ولا معقب لحكمه.

ونوّه فضيلته: وحين ينظر الإنسان إلى جميل لطف الله تعالى به في كل شؤونه، وحين يرى آثار رحمة ربه به وبكافة عباده، كما قال عز من قائل: ﴿قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ﴾، فإن هذا يحمله على طلب المزيد من عظيم رحمته، وجميل ألطافه، بالضراعة والتوسل إليه بالكلم الطيب والعمل الصالح، وبذا يكون أيضًا قد سلك سبيلًا آخر من السبل المحققة للأدب مع الله تعالى؛ لأن مما يستيقن أولو الألباب، أنه ليس من الأدب في شيء، أن يصاب المسلم باليأس من رحمة الله، فيركن إلى القنوط المحبط، الذي تُظلم به الدنيا، وتغشو به الأبصار، وتعمى به البصائر، كيف وقد نهى ربنا تعالى ذكره عن هذا اليأس بقوله: ﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾، وقال عز اسمه على لسان يعقوب عليه السلام: ﴿يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْئَسُوا مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْئَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ﴾.

كما بين فضيلته: ألا فاتقوا الله عباد الله، واعلموا أن القيام بحق الله تعالى بتوحيده، وسلوك سبيل الأدب معه جل وعلا، والاستمساك بذلك، والعض عليه بالنواجذ، يورث رفعة المقام، وعلو الدرجة، وسمو المنزلة، وحسن المآب.
واستطرد فضيلته في الخطبة الثانية: حين يمعن ابن آدم النظر فيما جاء عن الله تعالى من بيان واضح وافٍ لشدة بطشه، وأليم عقابه، وعظيم انتقامه، كما في قوله جل ثناؤه: ﴿إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ﴾، وكما في قوله عز وجل: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ﴾، وفي كونه سبحانه أيضًا سريع الحساب، فإن هذا الإمعان، يبعثه على اتقاء ربه، بالعمل بما يرضيه، والحذر مما يسخطه، فيكون بهذا قد سلك سبيلًا من سبل الأدب مع الله تعالى؛ لأنه ليس ثمة ريب لدى العقلاء، أنه ليس
من الأدب في شيء، أن يبارز العبد العاجز الضعيف، ربه القوي القادر، المنتقم الجبار القاهر، بالعصيان لأمره، وعدم الاستجابة لزجره.

وأضاف: وحين يحسن المسلم الظن بربه، فيعلم أنه مؤتيه سؤله، ومحقق أربه، ومفيض عليه نعمه، ومجزل له ثوابه، مادام له مطيعًا، إليه مخبتًا، عليه متوكلًا، له راجيًا، منه خائفًا، وبذا يكون المسلم قد سلك مسكًا من مسالك الأدب مع مولاه جلَّ في علاه؛ لأن أولي النهى مجمعون على أنه ليس من الأدب في شيء، إساءة العبد الظن بربه، بالوقوع في الحرام، وكسب الآثام، والتعرض لنقمته وعقوبته، ظانًا متوهمًا أنه غير مطلع عليه، وغير منزل بأسه وأليم عقابه به، فهذا هو الظن السيء الذي ذكره تبارك وتعالى في قوله:﴿ وَذَٰلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنتُم بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُم مِّنَ الْخَاسِرِينَ﴾.

واختتم فضيلته خطبته: فاتقوا الله عباد الله، وأحسنوا الأدب مع الله، بتوحيده وطاعته، وشكره وحسن عبادته، والحذر من مخالفة أمره ومعصيته، تحظوا برضاه ونزول الجنة دار كرامته.
AB9I5373AB9I5108AB9I5246AB9I4430AB9I5676AB9I5691

احتفى معهد الحرم المكي اليوم الخميس بالطلاب الفائزين في مسابقة "حفاظ الحرمين"، وجرت الفعالية في مكتبة الحرم المكي ببطحاء قريش، بحضور عدد من أعضاء هيئة التدريس، ومسؤولي تعليم الحرمين، والطلاب.

وتهدف المسابقة إلى تشجيع الطلاب على حفظ كتاب الله -عز وجل- وسنة المصطفى صلى الله عليه وسلم، والمتون العلمية، وهي موجهة لطلاب معهد وكلية الحرم المكي والمسجد النبوي.

DSC09992DSC00097DSC00051DSC09927DSC00192DSC00336DSC00233DSC00135



يقوم مختبر المسجد الحرام على التحقق من النتائج والبيانات التحليلية للحفاظ على صحة ضيف الرحمن، وتستخدم في المختبر عدة أنواع من التحاليل وهي تحاليل مايكروبيولوجية، وتحاليل كيميائية، وتحاليل فيزيائية.

ويعمل منسوبو المختبر على تحقيق معايير الجودة والتأكد من سلامة المياه وخلوها من الشوائب والميكروبات ومراقبة العناصر الكيميائية، ومراقبة جودة التمور التي يتم توزيعها في المسجد الحرام، وجودة التعقيم للأسطح.


عينات مصادر تقديم المياه

(مشربيات - نقاط تعبئة - خزانات - محطات تبريد)، ويتم فحصها عن طريق تعقيم مكان أخذ العينات بالكحول قبل أخذ العينة، كما يتم أخذ العينة بطريقة مختصة للحفاظ عليها من التلوثات الخارجية، وأخيراً يتم وضع العينة في الحافظة المخصصة لها حتى وصلوها للمختبر.


عينات وجبات الإفطار والتمور

يتم التأكد من التاريخ واسم صاحب التصريح، وفحص الوجبات للتأكد من تاريخها وعدم تأثرها بالعوامل الخارجية، وأخذ عينات من جميع سفر الصائمين المتواجدة في المسجد الحرام، ومن ثم وضعها في حافظة مخصصة، وفحص التمور يكون فيزيائيًا حسب (الشكل - اللون - القوام) في المختبر، كما يتم فحصها ميكروبيولوجيا للتأكد من جودتها.


عينات الأسطح

يتم أخذ عينات من جميع الأسطح (السجاد والمشربيات والسلالم وغيرها)، ويجري عليها الفحص الميكروبي باستخدام جهاز قياس نسبة التلوث بالمسح الفوري، ويتم أخذ مسحة من الأسطح باستخدام "السواب" المعقم داخل أنبوب، بحيث يُحفظ لنقله للمختبر في حافظه مخصصة لتحليله ميكروبيولوجيا.

ويصل عدد العينات التي يتم فحصها يومياً إلى 50 عينة من المياه، و20 عينة من التمور، ومسحات الأسطح من 5 إلى 10.


الأجهزة والمواد المستخدمة فالمختبر

أجهزة قسم الكيمياء:

- جهاز الاسبكتروفوتوميتر
- جهاز قياس الأملاح
- جهاز قياس PH
- جهاز قياس التوصيل الكهربائي في الماء


أجهزة قسم الميكروبيولوجي:

- الحضانة
- كبينة السلامة
- الحمام المائي
- جهاز التقطير
- جهاز التعقيم
- جهاز الميكروسكوب
- جهاز قياس نسبة التلوث للأسطح
- الميزان الحساس 
الأربعاء, 11 تشرين1/أكتوير 2023 07:00

خمس مراحل لغسل سجاد المسجد الحرام

 
يمر سجاد المسجد الحرام بعدة مراحل للعناية به بشكل دوري قبيل استخدامه، وتعمل مغسلة السجاد التابعة للهيئة العامة لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي على تنظيفه وتعقيمه وتعطيره يوميًا، عبر فريق من المختصين، باستخدام أجهزة ومعدات مخصصة.

 
المرحلة الأولى

يتم نقل (1200) سجادة أسبوعيًا من المسجد الحرام إلى المغسلة ليبدأ العاملون بأولى مراحل غسل السجاد وهي إزالة الأتربة والغبار والنمش عن طريق إدخاله إلى جهاز آلي.

photo1696835375photo1696835374
المرحلة الثانية

ينتقل فيها السجاد إلى مرحلة الغسيل والتعقيم وذلك عبر إدخاله في آلة غسل كبيرة، تحتوي على مطهرات ومنظفات خاصة، تقوم بغسل السجاد آليّا؛ حتى لا يتلف النسيج، ثم تضخ المياه لإزالة الصابون، ثم يتم شطفها ووضعها على جسر متحرك ينقلها إلى المرحلة الثالثة.

photo1696835375 1
المرحلة الثالثة

يدخل فيها السجاد عبر أنابيب خاصة لتجفيفه من الماء باستخدام آلة تجفف السجاد في غضون دقيقة ونصف إلى دقيقتين كحد أقصى.

photo1696835374 4
المرحلة الرابعة

يتم رفع السجاد على مناشر في فناء خارجي تحت أشعة الشمس والهواء النقي ويترك ليبقى يومًا كاملًا وفي فصل الشتاء يظل يومين.

photo1696835375 3
المرحلة الخامسة

بعد إنزال السجاد يتم كنسه بمكانس حديثة خاصة، ثم تعقّم وتعطّر برذاذ ماء الورد الطبيعي، وبعد ذلك تخزّن في مستودعات المغسلة حتى تعود إلى المسجد الحرام، وبهذا تنتهي عملية غسل وتعقيم وتطهير السجاد في المسجد الحرام.

الجدير بالذكر أنّ المغسلة تحتوي على معمل مجهّز بأحدث الآلات لصيانة وحماية السجاد من التلف، ليتم إعادة تأهيل السجاد وإعادته لما كان عليه، كما يوجد داخل المسجد الحرام ماكينات حديثه تعمل بشكل مباشر على كنسه وتنظيفه وتعقيمه.

photo1696835375 6photo1696835375 5


تقوم الهيئة العامة للعناية بشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي برفع أكثر من (800) طن من النفايات والمخلفات شهريًا من المسجد الحرام؛ وذلك من أجل الحفاظ على بيئة صحية وآمنة.

ويتم توزيع سلال النفايات والتي يبلغ عددها (2500) سلة في محيط المسجد الحرام وساحاته، حيث تُتابع على مدار الساعة ليتم تفريغها وتنظيفها وتعقيمها بشكل مستمر.

وتتم عملية نقل المخلفات من السلال عن طريق العربات الكهربائية المخصصة داخل أروقة المسجد الحرام، وذلك حرصًا على عدم تعطيل حركة سير زوار بيت الله الحرام.

وفي المرحلة الأخيرة يتم فرز النفايات قبل نقلها للمحافظة على البيئة العامة، وتنقل إلى مركبات النقل "الضواغط" والتي تقدر سعة الواحدة منها (3) أطنان، حيث أن هناك ضواغط ذات سعة أكبر تستخدم لموسمي رمضان والحج.

أمّ المسلمين اليوم لصلاة الجمعة في المسجد الحرام فضيلة الشيخ الدكتور ماهر المعيقلي إمام وخطيب المسجد الحرام، واستهل خطبته الأولى قائلاً: معاشر المؤمنين، اتقوا الله ما استطعتم، واستمسكوا بسنة نبيكم، وأصلحوا ذات بينكم، وحافظوا على اجتماع كلمتكم، تفوزوا برضا ربكم، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾.

 أمَّة الإسلام: الحديث عن الحب والمحبة، حديث يستهوي القلوب، وله شعور فطري محبوب، فالحبُّ يُضفِي على الحياة بهجة وفرحا، وجمالا ورضا، ويكسُو الروحَ بهاءً وسرورا، والمحبة صفة ثابتة لله جل وعلا، فهو سبحانه يحب عباده المحسنين، ويحب التوابين ويحب المتطهرين، ويحب المتقين ويحب الصابرين، وجعل سبحانه الإيمان والعمل الصالح، سببا لحصول محبته فقال: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا﴾، والوُدُّ: هو خالصُ الحب، وما يزال العبد يتقرب إلى ربه بنوافل العبادات، حتى يحبه، فإذا أحبه، دعا جبريل فقال: إني أحب فلانا فأحبه، فيحبه جبريل، ثم ينادي في السماء، فيقول: إن الله يحب فلانا فأحبوه، فيحبه أهل السماء، ثم يوضع له القبول في الأرض.

إخوة الإيمان: والحب فطرة في بني آدم، منذ أن خُلِقَ آدم عليه السلام، وستبقى المحبة على وجه الأرض ما بقي الإنسان، وهي تتفاوت بحسب الداعي إليها، من حب المرء لربه، ودينه ونبيه، وحبه لنفسه ووالديه، وزوجته وأبنائه، وإخوانه وأصحابه، وحبه لوطنه وممتلكاته، وما حوله من مخلوقات ربه، وذكر ابن القيم رحمه الله، أن من منازل إياك نعبد وإياك نستعين، منزلة المحبة، فقال عنها: "هي روح الإيمان والأعمال، والمقامات والأحوال، التي متى خلت منها، فهي كالجسد الذي لا روح فيه"، ولما كانت المحبة بتلك المنزلة، جاء الإسلام بتهذيبها، ووصلها بخالقها، فأعظم منازل المحبة وأعلاها، محبة الله وما والاها، فالمحبة في الله، من أسمى أنواع الحب وأجلها، وأعظمها صلة وأوثقها، وأصدقها محبة وأدومها، فما كان لله دام واتصل، وما كان لغيره انقطع وانفصل، فيحب المرء أخاه، لما يتَّصِف به المحبوب، من تقوى الله وحُسْن الخلق، وإن تفرَّقت أبدانهم، وتباعدت دُورهم، فالمحبة في الله، هي الصداقة الصافية، والأخوّة الحقة، التي لا تتأثر بالمصالح الدنيوية، كفى بأصحابها سرورا وحبورا، وفخراً وعزا، أن الله جل وعلا، يقربهم يوم القيامة، ويجلسهم على منابر من نور، يغبطهم عليها الأنبياء والشهداء، ففي سنن أبي داود: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إِنَّ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ لَأُنَاسًا مَا هُمْ بِأَنْبِيَاءَ وَلَا شُهَدَاءَ، يَغْبِطُهُمُ الْأَنْبِيَاءُ وَالشُّهَدَاءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، بِمَكَانِهِمْ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى))، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، تُخْبِرُنَا مَنْ هُمْ، قَالَ: ((هُمْ قَوْمٌ تَحَابُّوا بِرُوحِ اللَّهِ - أي بكتاب الله -، عَلَى غَيْرِ أَرْحَامٍ بَيْنَهُمْ، وَلَا أَمْوَالٍ يَتَعَاطَوْنَهَا، فَوَاللَّهِ إِنَّ وُجُوهَهُمْ لَنُورٌ، وَإِنَّهُمْ عَلَى نُورٍ، لَا يَخَافُونَ إِذَا خَافَ النَّاسُ، وَلَا يَحْزَنُونَ إِذَا حَزِنَ النَّاسُ))، وَقَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ ﴿أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾.

معاشر الأحبة: المحبة في الله، من أوثق عُرَى الإيمان، ودليل الصدق وأمارة الإحسان،  وبها يجد المرء طعم الإيمان، وهي من أحب الأعمال إلى الله، ومن أسباب محبَّته ورضاه، وكما أن المحبة في الله تنفع صاحبها في الدنيا، بالتعاون على الطاعة والبر، والتواصي على الحق والصبر، فإنها في الآخرة، ترفع المحب لمن هو أعلى منه منزلة وإيماناً، وأكثر اجتهادا وعملاً، فالمرء يحشر يوم القيامة، مع مَنْ أحبَّه في الدنيا، فمن أحب النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وأحب من اتبع سنته، واقتفى بآثارهم، حشره الله يوم القيامة في زمرتهم، ففي الصحيحين: عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ السَّاعَةِ، فَقَالَ: مَتَى السَّاعَةُ؟ قَالَ: ((وَمَاذَا أَعْدَدْتَ لَهَا)). قَالَ: لاَ شَيْءَ، إِلَّا أَنِّي أُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: ((أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ))، قَالَ أَنَسٌ: فَمَا فَرِحْنَا بِشَيْءٍ، فَرَحَنَا بِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ))، قَالَ أَنَسٌ: فَأَنَا أُحِبُّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ، وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ مَعَهُمْ بِحُبِّي إِيَّاهُمْ، وَإِنْ لَمْ أَعْمَلْ بِمِثْلِ أَعْمَالِهِمْ))، وفي عرصات القيامة، حين يشتد الزحام، ويطول بالناس القيام، والشمس بمقدار ميل من رؤوسهم، ويبلغ العرق منهم بقدر أعمالهم، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، هناك ينادي الله المتحابين بجلاله، وعظمته وخشيته، فيقول: أين المتحابون بجلالي؟ اليوم أظلهم في ظلي، يوم لا ظل إلا ظلي، وفي حديث السبعة الذين يظلهم الله في ظله، يوم لا ظل إلا ظله، ذكر النبي صلى الله عليه وسلم منهم: ((وَرَجُلاَنِ تَحَابَّا فِي اللَّهِ، اجْتَمَعَا عَلَيْهِ، وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ))، رواه البخاري ومسلم، فكل منهما محب ومحبوب، اجتمعت قلوبهما على حب علام الغيوب، وقد تكون هذه المحبة الخالصة، بين الرجل وإحدى محارمه، أو بين الرجل وزوجته، أو بين المرأة وأختها.

معاشر الأحبة: الدعاء والإحسان للمحبوب في ظهر الغيب، دليل على سلامة القلب، وهو من ثمرات المحبة والحب، فالداعي يُحسن لأخيه في حياته وبعد مماته، ومن دعا لأخيه فقد دعا لنفسه، ونفع أخاه ونفع نفسه، وأكثر الأصحاب ثوابا عند الله؛ أكثرهم دعاء وإحسانًا لصاحبه، وكان النبي صلى الله عليه وسلم، يكثر من ذكر حبه خديجة رضي الله عنها، ويدعو ويستغفر لها بعد موتها، وكان يذبح الشاة ثم يقطعها أعضاء، ثم يبعثها في صدائق خديجة، وأكرم صلى الله عليه وسلم عجوزا دخلت عليه في المدينة، فقيل له في ذلك، فذكر بإنها كانت تأتيهم أيام خديجة، وقال: ((إِنَّ حُسْنَ الْعَهْدِ مِنَ الْإِيمَانِ))، أخرجه الحاكم في المستدرك، وفي صحيح مسلم: عَنْ صَفْوَانَ ابْنِ عَبْدِ اللهِ قَالَ: قَدِمْتُ الشَّامَ، فَأَتَيْتُ أَبَا الدَّرْدَاءِ فِي مَنْزِلِهِ، فَلَمْ أَجِدْهُ وَوَجَدْتُ أُمَّ الدَّرْدَاءِ، فَقَالَتْ: أَتُرِيدُ الْحَجَّ الْعَامَ، فَقُلْتُ: نَعَمْ، قَالَتْ: فَادْعُ اللهَ لَنَا بِخَيْرٍ، فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ: ((دَعْوَةُ الْمَرْءِ الْمُسْلِمِ لِأَخِيهِ بِظَهْرِ الْغَيْبِ مُسْتَجَابَةٌ، عِنْدَ رَأْسِهِ مَلَكٌ مُوَكَّلٌ، كُلَّمَا دَعَا لِأَخِيهِ بِخَيْرٍ، قَالَ الْمَلَكُ الْمُوَكَّلُ بِهِ: آمِينَ وَلَكَ بِمِثْلٍ))، وكم نُقل عن الأئمة الأعلام، بأنهم كانوا يدعون لإخوانهم في صلواتهم، ففي سير أعلام النبلاء: قال أبو الدرداء رضي الله عنه: إني لأستغفر لسبعين من إخواني في سجودي، أسميهم بأسماء آبائهم، وقال الإمام أحمد لابن الإمام الشافعي: "أبوك من الستة الذين أدعو لهم في صلاتي".

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَٰئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾.

بارك الله لي ولكم في القرآن والسنة، ونفعني وإياكم بما فيهما من الآيات والحكمة، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب وخطيئة، فاستغفروه إنه كان غفورا رحيما.

الخطبة الثانية: الحمد لله على جزيل النعماء، والشكر له على ترادف الآلاء، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، إمام المتقين وسيد الأولياء، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه الأصفياء، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد معاشر المؤمنين: لقد حثت شريعتنا المباركة، على الحب في الله والمحبة، والتوادّ والألفة، والعاقل يتحبب إلى الناس بحسن الخلق، والتعامل معهم باللين والرفق، فما أجمل أن يحيا المرء بين قوم يحبهم ويحبونه، ويألفهم ويألفونه، فالمؤمن يألف ويؤلف، ويُحِبُ ويُحَب، وكم في سيرة نبينا صلى الله عليه وسلم مع أصحابه، من صور مشرقة، وصفحات مضيئة، من التهنئةِ بالمسرَّات، والبشارة بالمحبوبات، مما يغرس المحبَّة في النفوس، وينشر الألفة بين الناس، ففي صحيح مسلم: عَنْ أَبِي ذَرٍّ  رضي الله عنه قَالَ: قَالَ لِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((لَا تَحْقِرَنَّ مِنَ الْمَعْرُوفِ شَيْئًا، وَلَوْ أَنْ تَلْقَى أَخَاكَ بِوَجْهٍ طَلْقٍ))، أي: سهل منبسط، وفي سنن الترمذي: قال عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الحَارِثِ رضي الله عنه: ((مَا رَأَيْتُ أَحَدًا أَكْثَرَ تَبَسُّمًا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ))، وكان من هدي نبينا، إخبار أصحابه بمحبته، ووصيته لهم بالتعبير عن الحب وعدم كتمانه، فإنه أبقى في الأُلْفة، وأثبت في المودَّة، ففي سنن أبي داود: عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه، أَنَّ رَجُلًا كَانَ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَمَرَّ بِهِ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي لَأُحِبُّ هَذَا، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((أَعْلَمْتَهُ؟)) قَالَ: لَا، قَالَ: ((أَعْلِمْهُ))، قَالَ: فَلَحِقَهُ، فَقَالَ: إِنِّي أُحِبُّكَ فِي اللَّهِ، فَقَالَ: أَحَبَّكَ الَّذِي أَحْبَبْتَنِي لَهُ، وأخذ النبي صلى الله عليه وسلم، بيد معاذ بن جبل رضي الله عنه وَقَالَ: ((يَا مُعَاذُ، وَاللَّهِ إِنِّي لَأُحِبُّكَ، وَاللَّهِ إِنِّي لَأُحِبُّكَ))، فَقَالَ مُعَاذ: وَأَنَا وَاللهِ أُحِبُّكَ يَا رَسُولَ اللهِ، فقال: ((أُوصِيكَ يَا مُعَاذُ، لَا تَدَعَنَّ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ تَقُولُ: اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ)).

معاشر الأحبة: إن مما يزيد المحبة بين المؤمنين: زيارة مريضهم، وتشييع جنائزهم، وتنفيسُ الكروب عنهم، والتيسيرُ على مُعسِرهم، وستر عيوبهم، وإلقاء السلام عليهم، وإن التغافل عن هفوات الأحباب، وتجنب كثرة عتابهم، وقبول معاذيرهم، وحُسْنَ الظن بهم، من أسباب دوام المحبة، كما أن التزاور والتواصل، حق من حقوق الصحبة، وهو يوجب من الله المحبة، ففي صحيح مسلم: عَنْ ‌أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((أَنَّ رَجُلًا زَارَ أَخًا لَهُ فِي قَرْيَةٍ أُخْرَى، فَأَرْصَدَ اللهُ لَهُ، عَلَى مَدْرَجَتِهِ، مَلَكًا فَلَمَّا أَتَى عَلَيْهِ، قَالَ: أَيْنَ تُرِيدُ؟ قَالَ: أُرِيدُ أَخًا لِي فِي هَذِهِ الْقَرْيَةِ، قَالَ: هَلْ لَكَ عَلَيْهِ مِنْ نِعْمَةٍ تَرُبُّهَا؟ قَالَ: لَا، غَيْرَ أَنِّي أَحْبَبْتُهُ فِي اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، قَالَ: فَإِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكَ، بِأَنَّ اللهَ قَدْ أَحَبَّكَ كَمَا أَحْبَبْتَهُ فِيهِ))، والمحب الصادق، مرآة أخيه، إن استشاره نصح له، وإن أخطأ، أخذ بيده وذكره، ولا يكون عونا للشيطان عليه، ففي صحيح البخاري: أُتِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسَكْرَانَ، فَأَمَرَ بِضَرْبِهِ، فَلَمَّا انْصَرَفَ، قَالَ رَجُلٌ من القوم: مَا لَهُ أَخْزَاهُ اللَّهُ، وفي رواية قال: اللَّهُمَّ العَنْهُ، مَا أَكْثَرَ مَا يُؤْتَى بِهِ؟، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((لاَ تَلْعَنُوهُ، لاَ تَكُونُوا عَوْنَ الشَّيْطَانِ عَلَى أَخِيكُمْ)).

معاشر الأحبة: حري بنا أن نسعى لكسب أخ صالح، يعيننا إذا ذكرنا، ويذكرنا إذا نسينا، وينصحنا إذا غفلنا، ويدعوا لنا إذا متنا، فهذه هي المحبة الباقية، يوم تتهاوى الصداقات، وتنقلب يوم القيامة إلى عداوات: ﴿الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ﴾، فكم من خليل سيتبرأ من خليله يوم القيامة، وسيندم على صحبته وخلته:  ﴿وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا (27) يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا (28) لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا﴾، وأهل النار - أجارنا الله وإياكم -، يتمنون الصديق الحميم، عندما يرون المتحابين بجلال ربهم، يشفعون لبعضهم، قال عَلي رَضِيَ اللهُ عَنهُ: "عليكم بالإخوان، فإنَّهم عدَّةٌ في الدُّنيا والآخرةِ، أَلا تَسمعونَ إلى قَولِ أَهلِ النَّارِ: ﴿فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ * وَلَا صَدِيقٍ حَمِيمٍ﴾.

photo 5834896299672059699 yphoto 5834896299672059696 yphoto 5834896299672059703 yphoto 5834896299672059706 y

خطب وأم المصلين فضيلة الشيخ الدكتور علي بن عبدالرحمن الحذيفي إمام وخطيب المسجد النبوي الشريف.

وبعد أن حمد الله تعالى بدأ خطبته بقوله: أيها المسلمون: لقد ناداكم الله تبارك وتعالى باسم الإيمان أعظم صفة للإنسان، بأن تتوسلوا إليه بصالح الأعمال، وتحفظوها من المبطلات والاضمحلال، فقال سبحانه: ( يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَٱبْتَغُوٓاْ إِلَيْهِ ٱلْوَسِيلَةَ وَجَٰهِدُواْ فِى سَبِيلِهِۦ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)؛ والوسيلة جميع الطاعات فعلًا للأوامر وتركاً للنواهي، والوسيلة تعم وسائل الطاعات كلها وتشملها جميعاً، والباب الجامع للخيرات والمنجى من العقوبات والأشمل لطرق الصالحات، والحصن من الموبقات هو: ذكر الله تبارك وتعالى، وهو يكمل الفرائض والواجبات، ويجبر النقص في العبادات، ويعظم معه ثواب الحسنات، وتمحى به السيئات، وكفى بثوابه وفضله وعظيم منزلته شرفاً ونوراً وخيراً أن فرضه الله عز وجل في الصلاة والحج وفي كثير من الطاعات وحث عليه الشرع في جميع الأحوال، وركن الدين الأول هو ذكر الله تعالى بقول: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله، وكل تشريع للإسلام تفسير لهذا الذكر وتفريع لهذه الشهادة فشهادة أن لا إله إلا الله توحيد للمعبود سبحانه، وشهادة أن محمداً رسول الله توحيد للمتبوع صلى الله عليه وسلم.

وأكمل: ولم يأمر الله تبارك وتعالى بالإكثار من طاعة من الطاعات مثل ما أمر الله به من الإكثار من الذكر، ، إلا ما جاء في الإكثار من الصلاة والسلام على سيد البشر محمد صلى الله عليه وسلم، مثل قوله عليه الصلاة والسلام: (أكثروا من الصلاة علي يوم الجمعة فإن صلاتكم معروضة علي)؛ وكقوله عليه الصلاة والسلام: من صلى علي واحدة صلى الله عليه عشر صلوات وحطت عنه عشر خطيئات ورفعت له عشر درجات.

وأضاف فضيلته: عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل: أي العباد أفضل درجة عند الله يوم القيامة قال: (الذاكرون الله كثيرا).

وذكر الله سبحانه له ثلاثة مقامات: المقام الأول: ذكر الله بالقلب ويثيب الله عز وجل عليه بجوده وكرمه، والمقام الثاني: المقام الوسط وهو أن يذكر المسلم ربه بلسانه ويغفل أحياناً عن استحضار معاني الذكر بقلبه، فهو على خير عظيم، وثواب هذا المقام لا يحصيه إلا الله، وهو أعظم أجراً من المقام الأول؛ لزيادة النطق باللسان، والمقام الثالث من مقامات الذكر: أن ينطق اللسان بالذكر، ويوافقه القلب بمعرفة معاني الذكر، واستحضار عظمة الله عز وجل مع الذكر، فهذا المقام أعلى مقامات الذكر، وصاحبه هو السابق إلى الخيرات الأرفع درجات.

وبيّن: ومعنى ذكر الله سبحانه، هو الثناء على الرب جل وعلا بالتهليل، والتكبير، والتحميد، والتسبيح، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وكثرة الاستغفار، وكثرة الدعاء، والصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم من الذكر، وتنزيه ربنا تعالى عن كل نقص وتقديسه عن كل ما لا يليق بجلاله وعظمته وعزته وكبريائه وكماله وجماله ونفي مشابهته لأحد من خلقه تعالى وتقدس؛ وأعظم الثناء والحمد لرب العالمين، هو الثناء عليه بأسمائه الحسنى وصفاته العلى وأفعاله الحكيمة، كما في آية الكرسي، وآخر سورة الحشر، وتعظيم ربنا أيضاً بذكر نعمه على الخلق؛ والذكر خفيف على اللسان ثقيل في الميزان، ولا يعطى ثماره ولا تذكو به القلوب وتصلح به الأعمال والحياة، إلا بمحبة الله تعالى، ومحبة رسوله صلى الله عليه وسلم، وأفضل الذكر تلاوة القرآن، فهو المتضمن لجميع المحامد لرب العالمين، وذكر النعيم، وتفصيل التشريع، والحث على كل خير والتحذير من الشر.

وأضاف فضيلته: هذا هو الذكر في خيراته وبركاته ومنافعه ونوره، وأما ثوابه فعليه من الثواب ما لا عين رأت ولا خطر على قلب بشر، فمن ثواب الذكر، ما جاء عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من قال لا إله إلا الله وحدة لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، في أول يومه كانت له عدل عتق عشر رقاب وكتبت له مائة حسنة ومحيت عنه مائة سيئة وكانت له حرزاً من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي، ولم يأتي أحد بأفضل مما جاء به إلا أحد عمل أكثر من ذلك.

وأوضح: ومن ثواب الذكر أنه يحفظ صاحبه من الشيطان، وأعظم ثواب الذكر الفوز بالجنة والنجاة من النار، ورضوان الله أكبر، ومن ثواب الذكر أن الله تعالى ينجي صاحبه من الكربات والشدائد والمهلكات، ومن ثواب الذكر البراءة من النفاق وهو أعظم مصيبة في الدين، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يتخير جوامع الكلم في الدعاء والذكر.

واختتم فضيلته الخطبة بقوله: عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر الله على كل أحيانه، وقال زيد بن أسلم، قال موسى عليه السلام: يا رب قد أنعمت علي كثيراً فدلني على أن أشكرك كثيراً، قال: اذكرني كثيرا، فإذا ذكرتني كثيراً فقد شكرتني وإذا نسيتني فقد كفرتني.
تهدف كلية ومعهد الحرم المكي الشريف إلى عمارة المسجد الحرام بحلق العلم في مختلف العلوم الشرعية واللغوية، وتخريج طلبة علم متخصصين مؤهلين للدعوة إلى الإسلام والمساهمة في نشر المنهج الوسطي، وغرس الأخلاق الإسلامية والآداب الشرعية وتنميتها في الأبناء، وتنمية ملكة البحث العلمي لدى الطلاب والطالبات.

1445 03 17 19.21.46
شروط القبول في الكلية والمسارات الدراسية المتاحة

تشتمل الكلية على قسم الشريعة، وقسم القرآن وعلومه، وقسم السنة وعلومها، وقسم العقيدة، وقسم اللغة العربية، وفيما يتعلق بالمناهج الدراسية فهناك مقررات متوافقة مع مقررات الجامعات السعودية، كما تمتاز بإضافة مقرر الأمن الفكري، ومقرر تاريخ الحرمين الشريفين، ويبلغ عدد أعضاء هيئة التدريس 175 عضواً، و55 موظفاً، و2000 طالب وطالبة.

وتشترط للقبول بها:
1- أن يكون المتقدم حاصلًا على شهادة الثانوية العامة أو ما يعادلها من داخل المملكة أو من خارجها مع مصادقتها من الجهة المعنية.
2- أن يجتاز المتقدم الاختبارات والمقابلات الشخصية المخصصة للقبول.
3- أن لا يكون المتقدم مطوياً قيده من كلية الحرم أو أي جامعة أخرى أكاديمياً أو تأديبياً.
4- أن يكون حسن السيرة والسلوك.
5- أن يكون المتقدم حاصلاً على نسبة 85٪ فما فوق.
6- أن يحصل على موافقة من مرجعه للدراسة إذا كان يعمل في جهة حكومية أو خاصة.
7- أن يكون لائقاً طبياً.
8- أن تكون البيانات المدخلة إلكترونياً مطابقة للأصول.
9- الدراسة حضورياً فقط.


1445 03 17 19.18.46
دور القسم النسائي في مسيرة التعليم 

القسم النسائي في الكلية أنشأ عام 1443هـ بقسم واحد وهو قسم الشريعة، وبلغ عدد الطالبات الملتحقات به في تلك السنة 150 طالبة، وفي السنة التالية 1444هـ تم قبول 255 طالبة في قسم الشريعة وأصبح مجموع الطالبات في القسم 405 طالبة في مستويين دراسيين.

وفي هذا العام 1445هـ تم قبول 286 طالبة بجنسيات مختلفة من (45) دولة؛ ليصبح العدد الكلي لطالبات الكلية حالياً 663 طالبة.

ويسعى القسم النسائي بالكلية إلى تحقيق عدة أهداف من أهمها عمارة المسجد الحرام بحلق العلم، وتخريج طالبات علم مؤصلات في العلوم الشرعية، ومؤهلات بالمهارات اللازمة، ودعم مسيرة تعليم المرأة في المملكة العربية السعودية بما يحقق الرؤية الطموحة 2030.

1445 03 17 19.19.281445 03 17 19.21.29photo 5830063138614132439 yIMG 2458
نظام التعليم في الحرمين الشريفين

يتبع التعليم في الحرمين الشريفين أنظمة التعليم في المملكة العربية السعودية من خلال التزامه بما ورد في اللائحة التنظيمية ولائحة تقويم الطالب المعتمدة وذلك في قسمي المعهد (المتوسط والثانوي)، وبما ورد في لائحة الجامعات المعتمدة وذلك في قسمه العالي (الكلية)، ويمثل طلاب وطالبات المعهد أكثر من (50) دولة، وهذا التنوع يتيح الفرصة لمساهمة طلاب وطالبات المعهد في نقل الخطب والدروس بالحرمين الشريفين لأكثر من عشرين لغة يستفيد منها المسلمون في أنحاء الأرض.

ويلتزم المعهد بالخطة الدراسية المعتمدة المتعلقة ببداية ونهاية العام الدراسي والإجازات، وتدار العملية التعليمية من خلال مجالس ذات مهام وصلاحيات محددة، تعمل على رفع الفاعلية المؤسسية والكفاءة التشغيلية، يماثل المجالس العلمية في الجامعات، ثم مجلس الوكالة، ثم مجلس المعهد ومجلس القسم العالي، حيث يتمكن خريجو القسم العالي (الكلية) من مواصلة دراساتهم العليا في الجامعات السعودية وغيرها، وحصولهم على الماجستير والدكتوراه، وقد بلغ عدد الطلاب والطالبات 2347، وعدد الفصول الدراسية 53.

 آلية التسجيل: 
1. التسجيل عبر رابط إلكتروني.
2. مراجعة طلبات التسجيل. 
3. اختبارات القبول (التحريرية والشفوية)
4. الفرز والمفاضلة وتدقيق الملفات. 
5. إعلان أسماء المقبولين.

1445-03-17_19.20.03.jpg

البرامج العلمية بالمسجد الحرام

تتواجد حلقات البرنامج الدائم (رجال) في بدروم الملك فهد (مكتب الإدارة العامة للحلقات والمقرأة الالكترونية بجوار مكتب الإدارة العامة للمصاحف والكتب) باب (٧٥، ٨٢).

أما حلقات البرنامج الدائم (نساء) ففي توسعة الملك فهد بالدور الأول مصلى النساء باب (سلم ٧٤) الفترة الصباحية، توسعة الملك عبدالله مصلى النساء باب (١١٤) الفترة المسائية.

وحلقات تصحيح التلاوة (للزوار) في توسعة الملك فهد بالدور الأول خلف القباب، ومصليات سلالم باب رقم (٩١، ٩٢)، مصليات سلالم الشبيكة (رقم ٦٥).
 
شروط التسجيل في البرنامج الدائم للحلقات القرآنية:
١- الإقامة في مكة المكرمة. 
٢- أن يكون عمر الطالب 12 سنة فأكثر.
٣- اجتياز الفرز الأولي. 
٤- الالتزام بالآداب العامة للمسجد الحرام. 
٥- التأدب بأخلاق أهل القرآن مع المعلمين والزملاء من الطلاب. 
٦- الالتزام بالمسار المحدد بعد الفرز وفق الخطة التعليمية المحددة. 

يتم التدرج للطالب وفق المسار المحدد له: 
  • التلاوة 
  • الحفظ 
  • التمهيد للتمهير 
  • التمهير
  • عدد حلقات العلم بالمسجد الحرام (6)
  • عدد الدروس في المسجد الحرام من بداية العام إلى الآن (212) درس.
  • عدد المشاركين من أصحاب الفضيلة والعلماء من بداية العام إلى الآن في الدروس والدورات العلمية والبرنامج العلمي الدائم (19).
  • عدد المستفيدين من طلاب العلم والزوار من بداية العام إلى الآن قرابة (30) الف مستفيد.
  • عدد الدورات العلمية (5) دورات متخصصة في العلوم الشرعية (العقيدة، علوم القرآن، علوم اللغة العربية، الأخلاق والآداب، علم الفقه).
1445-03-17_19.18.11.jpg

1300 طالب وطالبة يتطوعون لخدمة بيت الله الحرام 

يسهم طلاب وطالبات المعهد في العمل التطوعي في موسمي رمضان والحج من خلال خدمة زوار بيت الله الحرام، حيث يشارك ما يقارب 1300 طالب وطالبة في خدمة قاصدي الحرمين الشريفين، كما أن لهم دور في صناعة الوعي المجتمعي البنَّاء، فقد تخرج في المعهد منذ تأسيسه إلى اليوم أكثر من 9575 طالبًا وطالبة من جنسيات متعددة، وأصبح هؤلاء بعد أن نهلوا من معين العلم يؤدون مهامهم الدينية والمجتمعية ضمن مجالات متعددة.
يشتهر التعليم في الحرمين الشريفين بطابع خاص ارتبط في الأذهان، فمنذ لحظات الصباح الأولى ترى توافد طلبة العلم لتلقي الدروس العلمية فتتشكل الفصول الدراسية في التوسعات الداخلية، ويتوسط المعلم هذه الحلق ليحيط به مجموعة من طالبي العلم في مشهد فريد يستمر حتى موعد صلاة الظهر من كل يوم، فرمزية الحلق وارتباطها بالحرمين الشريفين ودروسه كانت ولا زالت تضفي رونقًا فريدًا ميزت تعليم المسجد الحرام والمسجد النبوي عن غيره.

ومع الحفاظ على الهوية؛ فقد حظي العلم وأهله في الحرمين الشريفين بدعم غير محدود من قيادة المملكة العربية السعودية حتى أثمر ذلك بتطور ملحوظ عبر استخدام التقنيات الحديثة من وسائل الاتصال وصولاً إلى المواقع الإلكترونية التي نتج عنها منصتا منارة ومقرأة الحرمين، فكان لهما أثر في اتساع نطاق التعليم وعدم انحصاره بموقع معين.

وبالعودة إلى الحلق يشهد الحرمين الشريفين تخصيص حلقات توجيهية وإرشادية في أيام مختلفة من الأسبوع حيث يجتمع قاصدوه حول العلماء لتلقى تعاليم القرآن الكريم وتدرسيه، ودروس التفسير التي تبين أحكام العبادات المختلفة بهدف التوعية الدينية والإرشادية؛ حيث بإمكان المستفيد متابعتها عن طريق منصة منارة الحرمين الشريفين.

كما أقيم في المسجد الحرام العديد من الندوات العلمية الكبرى التي استضافت أعضاء من هيئة كبار العلماء، والمعنيين بالعلوم الشرعية والدينية والتوجيهية والإرشادية، ومنها ندوة "الفتوى في الحرمين الشريفين وأثرها في التيسير على قاصديهما".