ألقى إمام وخطيب الجمعة بالمسجد الحرام فضيلة الشيخ الدكتور عبد الله بن عواد الجهني خطبة يوم الجمعة بدأها قائلاً: نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.

قال تعالى: ﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ ولا تَمُوتُنَّ إلّا وأنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ ﴿يا أيُّها النّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِن نَفْسٍ واحِدَةٍ وخَلَقَ مِنها زَوْجَها وبَثَّ مِنهُما رِجالًا كَثِيرًا ونِساءً واتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَساءَلُونَ بِهِ والأرْحامَ إنَّ اللَّهَ كانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾.

واستكمل فضيلته إن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد ﷺ، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار, واعلموا عباد الله أن تقوى الله تبارك وتعالى نعم الزاد ونعم المتاع، وتأملوا واقع الدنيا فكم من عامر متقن يخرب بعد عماره، وكم من إنسان أعطيها فهو مغبط وعما قريب ترحل عنه أو يرحل عنها، فإذا علم العاقل ذلك سارع إلى مرضاة ربه وأحسن وزاد في إحسانه قال الله عز وجل (سارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين) وقال تبارك وتعالى (سابقوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها كعرض السماء والأرض أعدّت للذين آمنوا بالله ورسله ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم).

وإنما تكون المسارعة بسعيكم في صالح الأعمال وإن رأيتموها يسيرا، وإحجامكم عن المعاصي وإن كانت في نفوسكم حقيرة، حتى لا يتكاسل الإنسان عن فعل كل ما به أمر من امتثال الأوامر واجتناب النواهي، وعرفان ما عرف وإنكار ما أنكر، فلا تهملوا شيئا من الطاعات فلرب طاعة كانت سببا إلى النعيم السرمدي، ولا تتهاونوا بشيء من المخالفات فرب مخالفة صارت سببا إلى الشقاء الأبدي، فاستبقوا الخيرات لتنالوا جنته ورضوانه.


وأوضح الجهني: نحمد الله المنان الذي فضل ماشاء من الزمان والمكان فكما فضل بعض الساعات وبعض الأيام، واختصها بأنواع من الهبات والبركات فقد اختار من الشهور المفضلة شهر شعبان مقدمة لشهر عظيم تمحى فيه الذنوب ويتجلى فيه علام الغيوب، نزل فيه من الأحكام آيات بينات، وحصل فيه لنبينا صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليما كثيرا معجزات باهرات، هو شهر تشعبت فيه الخيرات وترتبت فيه أعمال صالحات، وقد حاز بذلك تفضيلاً، في الصحيحين أنه عليه الصلاة والسلام كان يصوم شعبان كله، وفي رواية إلا قليلاً، وإنَّما كان يُكثِرُ مِن الصِّيامِ في شَهرِ شَعبانَ خُصوصًا؛ لأنَّه شَهرٌ تُرفَعُ فيه الأعمالُ لربِّ العالَمِين، وكان صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يُحِبُّ أنْ يُرفَعَ عملُه وهو صائمٌ، كما أنَّه شَهرٌ يَغفُلُ عنه كَثيرٌ مِن النَّاسِ بيْن رجَبَ ورَمَضانَ، فعلى كل مسلم أن يعمل فيه ما استطاع من طاعة وإحسان ولو أن يصوم فيه ما تيسر راجياً من الله القبول والغفران من الكريم المنان.

وقد روي عن أنس رضي الله عنه أنه قال: كان المسلمون إذا دخل شعبان انكبوا على المصاحف فقرأوها وأخرجوا زكاة أموالهم تقوية للضعيف والمسكين على صيام رمضان، جاء في بعض الآثار تسمية شعبان بشهر القرآن، ومعلوم أنّ قراءة القرآن مطلوبة في كلّ زمان، ولكنّها تتأكّد في الأزمنة المباركة والأمكنة المشرفة.

وختم فضيلته بالحمد لله ذي الفضل والإحسان، أنعم علينا بمواسم الخيرات لكي نظل على طاعته في كل الأوقات، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله أتقى الناس وأعبد المخلوقات صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ذو المكرمات ومن تبعهم بإحسان وسلم تسليما كثيراً إلى يوم يبعث المخلوقات، فاتقوا الله أيها المسلمون حق التقوى وراقبوه في السر والنجوى وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان، الجئوا إليه وحده في قضاء حوائجكم واطلبوا منه المدد والنصر لا من غيره، فمن اعتمد على الله وحده كفاه، ومن اعتمد على غير الله وكل إليه، ومن وكل إلى غير الله ضاع، والزموا كتاب الله -عز وجل- يهدكم للتي هي أقوم، وتمسكوا بسنة نبيكم صلى الله عليه وعلى آله وسلم فيما لكم وعليكم تفلحوا وتسعدوا، واطيعوا ذا أمركم بالمعروف توفقوا وتسددوا وتنصروا، وما قل وكفى خير مما كثر وألهى، وإن ما توعدون لآت وما أنتم بمعجزين.

msg 1001468035115 51656msg 1001468035115 51657msg 1001468035115 51658msg 1001468035115 51659msg 1001468035115 51660msg 1001468035115 51662msg 1001468035115 51661
خطب وأم المصلين في المسجد النبوي فضيلة الشيخ الدكتور صلاح بن محمد البدير إمام وخطيب المسجد النبوي الشريف، واستهل خطبته قائلًا: مجالس العلم هي الرياض اليانعة الأنيقة، والحدائق المتهدّلة الوريقة من واظب عليها حاز أعلى المراتب وأشرف المناقب عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي ﷺ قال: «منْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سهّل اللهُ لهُ بِهِ طرِيقًا إِلى الْجنّةِ».
وسلوك الطريق لالتماس العلم: يشمل المشي إلى مجالس العلم وحفظه ودراسته ومطالعته ومذاكرته والتفهم له والتفكر فيه ومجالسة أهله؛ فَجَالِسِ العُلًماءِ المُقْتَدَى بِهِمُ، تَسْتَجْلِبِ النَفْعَ أَوْ تَأمَنْ مِنَ الضَّرَرِ، هُمْ سَادَةُ النَّاسِ حَقًا وَالجُلُوسُ لَهُمْ، زِيَادَةٌ هَكَذَا قَدْ جَاءَ فِي الخَبَرِ.
وأضاف: قال صلى الله عليه وسلم: (لا يقعد قومٌ في مجلس يذكرون اللهَ فيه إلاّ حفَّتهم الملائكة، وغَشِيتهمُ الرَّحمة، ونزلت عليهم السّكينة، وذكرهم اللهُ فيمن عنده)؛ ومن فضائلها وبركاتها ما رواه أَنَسُ بْن مَالِكٍ رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللهِ ﷺ قَالَ: «مَا مِنْ قَوْمٍ اجْتَمَعُوا يَذْكُرُونَ اللهَ، لَا يُرِيدُونَ بِذَلِكَ إِلَّا وَجْهَهُ، إِلَّا نَادَاهُمْ مُنَادٍ مِنَ السَّمَاءِ: أَنْ قُومُوا مَغْفُورًا لَكُمْ، قَدْ بُدِّلَتْ سَيِّئَاتُكُمْ حَسَنَاتٍ» أخرجه أحمد والبزار؛ الله أكبر، أي تكريم وأي تفضيل وأي إحسان وأي إنعام، قوموا مغفوراً لكم قد بدلت سيئاتكم حسنات؛ وقال الله عز وجل: (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ۖ)؛ فيا بشرى من أقبل على مجالس الذكر والعلم وجالس أهل الفضل والفقه والفهم.
واختتم فضيلته الخطبة بقوله: تنزهوا عن مجالس الغفلة والمجانة والمخازي وتباعدوا عن مراتع أهل الفسق والفجور والمعاصي فما آب واردها إلا بالجد المنعوس والحظ المنحوس والرأس المنكوس متلففاً في العاجلة بالصَّغَار متعرضاً في الآجلة للخسار؛ قال صلى الله عليه وسلم: «مَا جَلَسَ قَوْمٌ مَجْلِسًا لَمْ يَذْكُرُوا الله تَعَالَى فِيهِ، وَلَمْ يُصَلُّوا عَلَى نَبِيِّهِمْ فِيهِ، إِلاَّ كَانَ عَلَيْهِمْ تِرَةٌ؛ فَإنْ شَاءَ عَذَّبَهُمْ، وَإنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُمْ».
أمّ المسلمين اليوم لصلاة الجمعة في المسجد الحرام معالي الشيخ الدكتور صالح بن عبدالله بن حميد إمام وخطيب المسجد الحرام واستهل خطبته قائلًا: أيها المسلمون: التعليم هو مفتاح التقدم ، وطريق النهضة ، وهو السبيل لاستشراف المستقبل ، بالتعليم تبنى العقول ، ويكون الإبداع .
بالتعليم تغرس العقيدة الصحيحة ، والتوحيد النقي ، بالتعليم الصحيح يفهم المتعلم الإسلام فهما صحيحاً ، متكاملاً ، وسطا ، التعليم هو الذي يزود بالقيم، والمثل العليا ، ويكسب المعارف والمهارات ، وينمي الاتجاهات ، والسلوك البناء ، بالتعليم يكون استقرار المجتمع وتطوره ، ويكون به الفرد عضواً نافعاً في أمته، والتعليم هو الذي يحدد الهوية ، ويشكل الأخلاق ، ويضبط الثقافة ، ويحقق الاندماج في المجتمع ، وهو الذي يحقق أهداف الخطط : دينية ، وسياسية ، واقتصادية ، واجتماعية ، وثقافية ، وغيرها .
معاشر الإخوة : التعليم ينجح حين يُحْكِم العلاقة بين المعلِّم والمتعلم، والتعليم ينجح حين يؤدي المعلم وظيفته ، بل رسالته بإتقان ، والتعليم ينجح حين يقتنع المعلم بدوره العظيم ، ومسؤوليته الكبرى في بناء الإنسان ، ويكون مؤمنا بالثروة البشرية التي تخرج من تحت يده .
معاشر المسلمين : المعلم هو ركن نجاح التعليم ، المعلم - بإذن الله - هو عماد الأوطان ، وكلما رسخت القيمة العالية للمعلم كانت النهضة والحضارة .
المعلم هو ذو الخبرة الذي يؤخذ منه العلم والتربية ، ولولاه لما كانت المهن ولا المهارات ، ولا الاختصاصات ، وهو الذي يمدها بالعناصر البشرية المؤهلة علميا وأخلاقيا واجتماعيا .
المعلم - بتوفيق الله - هو صانع العقول يخرج من تحت يده : العالم ، والداعية ، والقاضي ، والمهندس ، والطبيب ، والمخترع ، والمكتشف ، والعسكري ، والتاجر ، والفلاح ، والصانع ، وغيرُهم من أرباب الوظائف ، والمهن ، والحرف ، وأصحاب الفكر والقلم ، والرأي ، كل هؤلاء من صنع يده ، ومن خط قلمه، بل عظماء التاريخ ، وكبار العلماء ، ورجال السياسة ، وصناع القرار ، كل هؤلاء مروا من تحت المعلم في نظام تعليمي وتربوي طويل ومتين .
إن موطن القوة في بناء الأوطان هو المعلم ، والدول حين تخطط لبناء المصانع لإنتاج المعدات والمراكب ، والأدوات والأجهزة ، تضع في مقدمة ذلك خطتها لصانع العقول الذي من تحت يده يكون إنتاج هذا كلِّه .
معاشر الإخوة : إن إعداد المعلم صناعةٌ مستقلة بذاتها ، قائمة بأركانها، والمعلمون العظماء هم القادرون - بإذن الله - على تغيير الحياة نحو الأفضل، وهم القدوة الذين يحدثون الأثر عظيم في حياة طلابهم .
أيها المسلمون : ومن أجل هذا فإن المعلم الكفء هو المعلم المخلص ، المتمسك بدينه ، المستقيم في سلوكه ، المنضبط في تصرفاته ، الحازم ، القوي ، يقدر الظروف ، ويتفهم الدوافع ، واسع الأفق ، يهتم بالثقافة العالية ، متمكن من مادته وتخصصه ، حليم ، واسع الصدر ، مرن ، صبور ، قادر على التكيف .
المعلم الكفء هو المتميز في تخصصه ، الجاد في عمله وأدائه ، القدوة الحسنة في حسن خلقه ، المعتدل الوسط في تعامله، المعلم طاقة فياضة ، يتألق في أدائه ، يقدم العلم في أفضل صورة ، يحفز المجتهد ليزداد ، ويساعد الضعيف ليرتقي ، يحبب الطلاب في المادة ، ويشوقهم بالأسلوب ، ويجذبهم بالطريقة ، يسمعون منه كلمة الشكر والتقدير، ويتلقون منه التحفيز والتشجيع، المعلم قائد لطلابه ، فعلاقته بهم علاقة مشاركة ، وتعليم ، وتربية ، وتدريب .
وليعلم المعلم الكريم أن عيون الطلاب معقودة بعينه ، فالحسن عندهم ما يستحسنه ، والقبيح عندهم ما يكرهه ، كما يقول علماؤنا، أيها المعلم الكريم : بين يديك أثمن ما تملكه الأمة ، بين يديك ثروة تتضاءل أمامها كنوز الأرض جميعُها ، إنها الثروة البشرية .
أنت حامل رسالة العلم ، ومنشئ الأجيال - بإذن الله - ، ومربي الرجال ، ومعلم الناس الخير، أنت بإذن الله بحسن تعليمك ، وصدق توجيهك تجعل الناشئة قرة أعين لوالديهم ، وذخيرة لأوطانهم ، وبناة لحضارتهم، أنت القدوة الصالحة إذا صَلَحْتَ ، واحذر التناقض بين القولِ والعملِ ، والظاهرِ والباطنِ ، فازدواجية التوجيه مَهْلَكة، أنت تؤثر على طلابك بأقوالك وأفعالك ، ومظهرك ، وفي كل تصرفاتك وأحوالك، مهمتك هي تعليم العلم ، وتهذيب النفوس ، وتوجيه السلوك ، وبناء الحياة الصالحة .
أيها المعلمون : أنتم الوارثون والمورثون : من علَّم منكم علماً فله أجر من عمل به لا ينقص ذلك من أجر العامل شيئا ، بهذا جاء الحديث عن الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم، وأنتم الوارثون وأنتم المورثون : (العلماء ورثة الأنبياء ، والأنبياء لم يورثوا درهما ولا دينارا ، وإنما ورثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظ وافر) .
أنتم الوارثون وأنتم المورثون : (إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث : صدقةٍ جارية ، أو علمٍ ينتفع به بعده ، أو ولدٍ صالح يدعو له)، أنتم لكم حظ وافر من هذا الحديث الشريف بأنواعه الثلاثة ، فالمرشد إلى الصدقة ودليلها هو المعلم ، فأنتم شركاء، فما يبذل من صدقات وما ينشأ من وصايا وأوقاف أنتم فيه شركاء ، وأنتم فيه وارثون موروثون، وأما الولد الصالح فإنما هو ثمرة العلم ، والتربية والتزكية ، فما أعظم ما يخلف العالم والمعلم من أجر وما أكبر ما يحدث من أثر .
أيها المسلمون : ومع العالم المعاصر ومتغيراته ومستجداته لا بد في بناء المعلم وتكوينه أن يواكب هذه المتغيرات المتلاحقة المتسارعة فيما يحقق المصالح ، ويحافظ على الأهداف، المعلم فرد في المجتمع يؤثر فيه ويتأثر به ، وهموم المجتمع هي همومه ، فلا ينبغي أن يحصل انفصام بين مهمته السامية التعليمية وعضويته الفعالة في المجتمع ، المعلم في العالم المعاصر المتغير يدرك أثر المصادر المتجددة في المعلومات بين وسائل التواصل وغيرها ، فيتعامل معها بما يحفظ على الطلاب استقرارهم ، وحسن سلوكهم ، واستفادتهم من هذه التقنيات .
أيها الإخوة : وإن للإعلام دورا عظيما في ترسيخ مكانة المعلم ، ونشر هيبته ، وحفظ منزلته ، وبخاصة من خلال الروايات ، والقصص ، والمسلسلات ، وأدوات التواصل ، والحذر كل الحذر من أن تتضمن أيُّ مادة إعلامية الحطَّ من مكانته ، أو التقليلَ من وظيفته ، أو التنقصَ رسالته، وبعد حفظكم الله : فكل جهد كريم وعمل مبارك يبذل في سبيل تحسين التعليم منطلقه هو إعداد المعلم الجيد والأستاذ الكفء لأنه من أهم مقومات بلوغ أهداف التربية والتعليم .
إنه بصلاح المعلم تصلح الأجيال ، وباحترام المعلم ترتقي الأمة ، وبضعفه تضعف، وإذا كان وراء كل أمة عظيمة تربيةٌ عظيمة فإن وراء كل تربية عظيمة معلما عظيماً ، ولا يصلح التعليم إلا إذا صلح المعلم إعداداً وديناً ، وخلقاً وثقافة .
واستهل معاليه خطبته الثانية قائلاً: معاشر المسلمين : احترام المعلم ، ومعرفة حقه هو توفيق من الله وهداية ، ومن أهمل ذلك ، أو قصر فيه فهو من دلائل العقوق ، والخذلان ، والخسران .
أيها الطالب الموفق : من علمك حرفا فأخلص له وداً ، اكتسب من المعلم أخلاقه قبل علمه ، وأدبه قبل درسه ، اجعله قدوة فيما صلح من أمره ، ولا تتبع ما أخطأ فيه من فعله ، واحفظ له من العين ما رأت ، ومن الأذن ما سمعت ، ذب عن عرضه ، واحفظه في غيبته، وانتم أيها الآباء أيها الأمهات : قفوا مع المعلم ، وعلموا أولادكم احترامه ، وحفظ مكانته ، لا تسمحوا لهم بالتطاول عليه ، أو الحط من قدره ، علموهم أدب التعليم ، وأدب الحوار ، وأدب السؤال ، حتى يُحَصِّلوا علما ، ويحملوا أدباً ، حق المعلم أن تُظْهر مناقبه ، وتستر معايبه ، ويُعظَّم قدره ، ومن أهان المعلم يجب أن يلقى ما يردعه.


تتيح الهيئة العامة للعناية بشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي خدمات الإرشاد المكاني فـي المسجد الحرام عبر (22) موقعًا، تشمل أيضًا تقديم خدمات إثرائية وثقافية على مدار 24 ساعة، بأكثر من (50) لغة عالمية؛ ولغير الناطقين باللغة العربية يمكن الاستفادة من خدمات الترجمة والبث المباشر للدروس والخطب بلغاتٍ عدة.

كما يمكن لقاصدي المسجد الحرام الاستفادة من خدمة إرشـاد السائلين وتوجيههم إلى أماكن الاستدلال داخل المسجد الحرام وساحاته الخارجية، والإرشاد الزماني الذي يُمكنهم من معرفة أوقات الصلوات والدروس والمحاضرات ومواعيد زيارة المتاحف والمعارض، والإرشاد الثقافي لإثراء تجربتهم بالمعلومات الثقافية والتاريخية، والأرقام المتعلقة بالمسجد الحرام، ومراكز الاستعلامات الخارجية للاستدلال الشامل عن كافة الخدمات وأماكن تقديمها.

ويضاف إلى ذلك البطاقة الإرشادية باللغات وهي بطاقة تحتوي على مجموعة من الروابط (باركودات)؛ تُسهل عملية الوصول إلى الخدمات الإلكترونية المقدمة للغات والترجمة، ومنها تطبيق منصة منارة الحرمين الشريفين، إضافة إلى خرائط تفاعلية تدل على المواقع في المسجد الحرام.

وتدعم خدمة الإرشاد المكاني في رحاب المسجد الحرام مقدمي الخدمات الأخرى بالترجمة اللفظية بواسطة (74) مترجما؛ لتمكينهم من تقديم خدماتهم بعدة لغات، ومقاطع مرئية توضح الخدمات المقدمة للزوار والمعتمرين.

‏200 "QR" إرشادية موزعة في المسجد الحرام

يُمكن للقاصد تجربة الخدمات الرقمية للإرشاد المكاني باستخدام نظام الملاحة (GPS)، للوصول إلى خدمة الخريطة التفاعلية الرقمية باستخدام 200 "QR" رقمي موزعة في كافة أنحاء المسجد الحرام.

وتهدف الخريطة التفاعلية الرقمية إلى تسهيل الوصول والتنقل على قاصدي البيت العتيق، وتحديد مواقع الشعائر الدينية، ومعالم الجذب الرئيسية، بما فيها صحن المطاف و مبنى المسعى، وكيفية الوصول إليه عبر مسارات حركة مباشرة، والتي يتمكن من خلالها ضيف الرحمن من تحديد موقعه الفعلي، وتحديد وجهته المطلوبة باستخدام الهاتف المحمول بنظامي IOS و Android.

وتتيح الخريطة التفاعلية الرقمية كافة المرافق التي تقدمها الهيئة العامة للعناية بشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي ومنها الأبواب والمكتبة ودورات المياه ومكاتب الإرشاد، وخدمة تقديم العربات اليدوية والكهربائية، والسلالم الكهربائية، والمصاعد، والمشافي الميدانية والجسور، ومناطق الصيانة والعمل، كما تراعي الخريطة التنوع الثقافي الذي يحتضنه المسجد الحرام من خلال إضافة (6) لغات وهي اللغة العربية، والإنجليزية، والفرنسية، والأردو، والإندونيسية، والتركية.

ويقدم لضيف الرحمن دليل الإرشاد "الورقي" بـ4 لغات؛ كما يعزز (نظام مكاني) دور المنظومة الإرشادية من خلال تحديد موقع المستخدم، وإمكانية تحديد مساره الخاص الذي يرغب بالتوجه إليه.

وتتوزع في أرجاء المسجد الحرام لوحات إرشادية داخلية وخارجية تدل على المواقع والخدمات، وتساهم في تنظيم حركة الحشود، وتقليل الازدحام والتدافع، مما يوفر تجربة أفضل للجميع.

msg 1001468035115 50560msg 1001468035115 50561msg 1001468035115 50562msg 1001468035115 50564msg 1001468035115 50563msg 1001468035115 50566msg 1001468035115 50567msg 1001468035115 50568msg 1001468035115 50569msg 1001468035115 50570msg 1001468035115 50571msg 1001468035115 50573msg 1001468035115 50575msg 1001468035115 50576msg 1001468035115 50578msg 1001468035115 50579

أقامت الهيئة العامة للعناية بشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي حفل المتقاعدين للسنة الهجرية ١٤٤٥هـ، بحضور سعادة المشرف العام على الأعمال في المسجد الحرام الدكتور سعد المحيميد، و عدد من قيادات الهيئة وذلك في مقر الهيئة العامة بمكة ، وابتدأ الحفل بأيات من الذكر الحكيم ، تلا ذلك الإشادة بخدمتهم والاحتفال بجهودهم المبذولة في خدمة الحرمين الشريفين وقاصديهم على مر العقود .

وقال المتقاعد عادل عيد جميل: أنه لشرف عظيم خدمة المسجد الحرام و المصلين والمعتمرين والحجاج وأن خدمة البيت العتيق وسام فخر لكافة المتقاعدين ، وختم برفع أسمى آيات الشكر والتقدير للقيادة الرشيدة وقيادات الهيئة و منسوبيها كافة .

ورحب سعادة المشرف العام خلال الحفل بالحضور وأكد أن الاحتفال بالزملاء المتقاعدين ، الذين قدموا الجهود الكبيرة في ميادين العز والشرف في رحاب البيت العتيق ، مؤكداً بإمكانية مشاركتهم بخبراتهم الطويلة في مجالات التطوع المتنوعة ، شاكراً لهم تفانيهم على مر السنوات الماضية .

وفي ختام الحفل جرى تقديم الهدايا التذكارية بهذه المناسبة .

msg 1001468035115 51540msg 1001468035115 51541msg 1001468035115 51542msg 1001468035115 51543msg 1001468035115 51544msg 1001468035115 51545msg 1001468035115 51546msg 1001468035115 51547msg 1001468035115 51548msg 1001468035115 51549msg 1001468035115 51560msg 1001468035115 51561msg 1001468035115 51563msg 1001468035115 51564
أمّ المصلين في المسجد النبوي فضيلة الشيخ الدكتور عبدالمحسن القاسم إمام وخطيب المسجد النبوي الشريف. وبعد أن حمد الله تعالى بدأ خطبته بقوله: أيها المسلمون: أوجد اللَّه الخَلْقَ وفاضل بينهم، وخيرُ النَّاس وأحبُّهم إلى اللَّه أنبياؤه، ثمَّ صحابة نبيِّنا مُحمَّد صلى الله عليه وسلم، وخير النِّساء وأكرمُهنَّ على اللَّه أزواجُه صلى الله عليه وسلم، وأحبُّ أزواجه إليه أمُّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها. وسنَّة اللَّه القائمة أنَّ مَنْ أحبَّه اللَّه ابتلاه، وفي السَّنة السَّادسة من الهجرة، ابتُلي المسلمون ببلاء عظيم جعله اللَّه امتحاناً للأمَّة كلِّها إلى يوم القيامة؛ وذلك أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم بعد مَرْجِعه من غزوة بني المصطلِق كانت معه عائشة رضي الله عنها، ولمَّا دَنَوْا من المدينة، آذَنَ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ليلةً بالرَّحيل، فقامت لقضاء شأنها، فمَشَتْ حتى جاوزت الجيش، ثم أقْبَلَتْ إلى الرَّحْلِ ففَقَدَتْ عِقْداً لها، فرَجَعَتْ تلتمسه في الموضع الذي فَقَدَتْه فيه، فرفعوا هَوْدَجَها وارتحلوا، ولم يشعروا بخُلُوِّ الهودج منها؛ لخِفَّة وزنها - والهودج: مركب يُجعَل فوق البعير للمرأة -، قالت عائشة رضي الله عنها: «وَكُنْتُ جَارِيَةً حَدِيثَةَ السِّنِّ»، قال الذَّهبيُّ رحمه الله: «وَعُمُرُهَا يَوْمَئِذٍ اثْنَتَا عَشْرَةَ سَنَةً»، ثم وجدت العقد بعدما استمرَّ الجيش، فمَكَثَتْ مكانَها؛ ظنّاً منها أنَّهم سيفقدونها فيرجعون إليها، فغلبتها عينُها فنامت.

وأضاف فضيلته: كان الصَّحابي صفوانُ بن المعطَّل رضي الله عنه كثيرَ النَّوم فتخلَّف عن الجيش، فلمَّا أصبح لحق بالجيش، فرأى سَوَادَ إنسانٍ نائمٍ، فأتاه، فإذا هي عائشة رضي الله عنها، وكان رآها قبل نزول الحجاب، فأعرض بوَجْهِه عنها، فاستيقظت باسترجاعه - أي يقول: إنَّا للَّه وإنَّا إليه راجعون -، قالت: «فَخَمَّرْتُ وَجْهِي بِجِلْبَابِي، وَوَاللَّهِ مَا يُكَلِّمُنِي كَلِمَةً، وَلَا سَمِعْتُ مِنْهُ كَلِمَةً غَيْرَ اسْتِرْجَاعِهِ»، قال ابن الأثير رحمه الله: «وَكَانَ صَفْوَانُ شُجَاعاً خَيِّراً فَاضِلاً»، فأناخ بَعِيرَه حتَّى رَكِبَتْه، ثمَّ انطلق يقود بها الرَّاحلة حتَّى أدركوا الجيش في الظَّهيرة، قال شيخ الإسلام رحمه الله: «وَكَانَ سَفَرُهَا مَعَهُ خَيْراً مِنْ أَنْ تَبْقَى ضَائِعَةً».؛ ولمَّا رأى رأسُ النِّفاق عبدُ اللَّه بن أُبَيِّ ابن سلول تَأخُّرَ عائشة رضي الله عنها عن الجيش طَعَنَ في بيت النُّبوَّة الطَّاهر، ثم قَدِمَ المدينة وجَعَل يَشِيعُ الإفكَ في عِرْضِ الشَّريفة العفيفة رضي الله عنها ويَذِيعُه، ويَجمَعُه ويُفَرِّقُه؛ وكانت مقالة عامَّة المؤمنين: {سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ}؛ لأنَّ ما حَدَث لم يكن رِيبةً، وإنَّما امرأةٌ حديثةُ السِّنِّ فَقَدَتْ رُفْقَتَها، فأحسن إليها صحابيٌّ، وأعادها إليهم.

وأكمل فضيلته: وأمَّا عائشة رضي الله عنها فإنَّها لمَّا قَدِمَت المدينة اشتكت من مرض ألَمَّ بها، فمَكَثَتْ في بيتها قريباً من الشَّهر، وهي لا تعلم شيئاً عمَّا يُقال عنها، غير أنَّها فَقَدَتْ لُطْفَ النَّبيِّ بها إذا مَرِضَتْ، قالت: «وَيَرِيبُنِي فِي وَجَعِي، أَنِّي لَا أَرَى مِنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم اللُّطْفَ الَّذِي كُنْتُ أَرَى مِنْهُ حِينَ أَمْرَضُ، إِنَّمَا يَدْخُلُ فَيُسَلِّمُ، ثُمَّ يَقُولُ - أي: لمَنْ عندها -: كَيْفَ تِيكُمْ؟ - أي: كيف هذه -».، وبعد أن أفاقت من مَرَضِها، أَخْبَرَتْها أمُّ مِسْطَحٍ رضي الله عنها بقول أَهْلِ الإِفْكِ، قالت رضي الله عنها: «فَازْدَدْتُ مَرَضاً إِلَى مَرَضِي»، فلمَّا دَخَلَ عليها رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم قالت له: «أَتَأْذَنُ لِي أَنْ آتِيَ أَبَوَيَّ؟ - قَالَتْ: وَأَنَا حِينَئِذٍ أُرِيدُ أَنْ أَتَيَقَّنَ الخَبَرَ مِنْ قِبَلِهِمَا -، فَأَذِنَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَجِئْتُ أَبَوَيَّ فَقُلْتُ لِأُمِّي: يَا أُمَّتَاهْ مَا يَتَحَدَّثُ النَّاسُ؟ فأَخْبَرَتْها بحديث النَّاس، فاشتدَّ البلاءُ على عائشة بطَعْنِها في عفافها؛ إذ أنفَسُ ما تملكه المرأة بعد دينِها عِرْضُها، فهو شَرَفُها وجمالُها، قالت: «فَبَكَيْتُ لَيْلَتَيْنِ وَيَوْماً، حَتَّى أَصْبَحْتُ لَا يَرْقَأُ – أي: لا ينقطع - لِي دَمْعٌ، وَلَا أَكْتَحِلُ بِنَوْمٍ، وَأَبَوَايَ يَظُنَّانِ أَنَّ البُكَاءَ فَالِقٌ كَبِدِي – أي: شاقُّها -».

وأشار فضيلته: ومن عظيم هذا الافتراء والبُهتان بَكَتْ نساءٌ مؤمنات، قالت عائشة رضي الله عنها: «وبينما هُمَا - أي: أبواها- جَالِسَانِ عِنْدِي وَأَنَا أَبْكِي، اسْتَأْذَنَتْ عَلَيَّ امْرَأَةٌ مِنَ الأَنْصَارِ، فَأَذِنْتُ لَهَا فَجَلَسَتْ تَبْكِي». وأمَّا نبيُّنا محمَّد صلى الله عليه وسلم فمهموم ساكتٌ لم يُكلِّم أحداً في شأن الإِفْكِ، واشتدَّ الكربُ عليه بحَبْسِ الوَحْي عَنْه شَهْراً، لَا يُوحَى إِلَيْهِ فِي ذَلِكَ شَيْءٌ، فدَعَا عَلِيَّ بن أبي طالبٍ وأسامةَ بن زيدٍ رضي الله عنهما - وهما من أعرف النَّاس بأهل بيته -، يَسْتَشِيرُهُما في فراقِ أهله، وسأل جاريةً عند عائشة رضي الله عنها فقال: «يَا بَرِيرَةُ، هَلْ رَأَيْتِ فِيهَا شَيْئاً يَرِيبُكِ؟»، وسَأَلَ أمَّ المؤمنين زينب بنت جحشٍ رضي الله عنها: «مَاذَا عَلِمْتِ، أَوْ رَأَيْتِ؟» فما عابها أحدٌ منهم بشيء.، ثم دَخَلَ على عائشة وعندها والداها، فَسَلَّمَ، ثُمَّ جَلَسَ، وظَنَّتْ أنَّه سيُبَشِّرُها بكَذَبِ أهل الإِفْكِ، قَالَتْ: «فَتَشَهَّدَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حينَ جَلَسَ، ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ يَا عَائِشَةُ، فَإِنَّهُ قَدْ بَلَغَنِي عَنْكِ كَذَا وَكَذَا، فَإِنْ كُنْتِ بَرِيئَةً فَسَيُبَرِّئُكِ اللَّهُ، وَإِنْ كُنْتِ أَلْمَمْتِ بِذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرِي اللَّهَ وَتُوبِي إِلَيْهِ، فَإِنَّ العَبْدَ إِذَا اعْتَرَفَ بِذَنْبٍ، ثُمَّ تَابَ؛ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ، قَالَتْ: فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَقَالَتَهُ قَلَصَ - أي: ارتفع - دَمْعِي حَتَّى مَا أُحِسُّ مِنْهُ قَطْرَةً».

وبيّن فضيلته: فلمَّا رَأَت الأمر كذلك، لَجَأَتْ لِأَبِيها ليَنْصُرَها، فقالت له: «أَجِبْ عَنِّي رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: وَاللَّهِ مَا أَدْرِي مَا أَقُولُ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم».، ثم طَلَبَتْ حنانَ أمِّها، فقالت لها: «أَجِيبِي عَنِّي رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فيمَا قَالَ، قَالَتْ: وَاللَّهِ مَا أَدْرِي مَا أَقُولُ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم».، فلَجَأَتْ إلى مَنْ في السَّماء، وفَوَضَّتْ أمرَها إليه، وقالت لهم: «إِنِّي وَاللَّهِ لَقَدْ عَرَفْتُ أَنَّكُمْ قَدْ سَمِعْتُمْ بِهَذَا حَتَّى اسْتَقَرَّ فِي نُفُوسِكُمْ وَصَدَّقْتُمْ بِهِ، فَإِنْ قُلْتُ لَكُمْ: إِنِّي بَرِيئَةٌ - وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَنِّي بَرِيئَةٌ - لَا تُصَدِّقُونِي بِذَلِكَ، وَلَئِنِ اعْتَرَفْتُ لَكُمْ بِأَمْرٍ - وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَنِّي بَرِيئَةٌ – لَتُصَدِّقُونَنِي، وَإِنِّي وَاللَّهِ مَا أَجِدُ لِي وَلَكُمْ مَثَلاً إِلَّا كَمَا قَالَ أَبُو يُوسُفَ: {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ المُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ}، ثُمَّ تَحَوَّلْتُ فَاضْطَجَعْتُ عَلَى فِرَاشِي».

ونوّه فضيلته: ولمَّا كانت حافظةً لدينِها، حارسةً لعفافِها، أيقنت بمدافعة اللَّه عنها، وأحسنت ظنَّها به، قَالَتْ: «وَأَنَا وَاللَّهِ حِينَئِذٍ أَعْلَمُ أَنِّي بَرِيئَةٌ، وَأَنَّ اللَّهَ مُبَرِّئِي بِبَرَاءَتِي»، فكان اللَّه عند ظنِّها، قَالَتْ: «فَوَاللهِ مَا رَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَجْلِسَهُ، وَلَا خَرَجَ مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ أَحَدٌ حَتَّى أَنْزَلَ اللهُ عز وجل عَلَى نَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم، فَلَمَّا سُرِّيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وهو يَضْحَكُ، فَكَانَ أَوَّلَ كَلِمَةٍ تَكَلَّمَ بِهَا أَنْ قَالَ: أَبْشِرِي يَا عَائِشَةُ، أَمَّا اللَّهُ فَقَدْ بَرَّأَكِ».، ولطاعتها للَّه، حَفِظَها ونَصَرَها، وخَلَّد ذِكْرَ عفافِها، قالت عائشة رضي الله عنها: «وَاللَّهِ مَا كُنْتُ أَظُنُّ أَنْ يُنْزَلَ فِي شَأْنِي وَحْيٌ يُتْلَى، وَلَشَأْنِي كَانَ أَحْقَرَ فِي نَفْسِي مِنْ أَنْ يَتَكَلَّمَ اللَّهُ عز وجل فِيَّ بِأَمْرٍ يُتْلَى»، فأظهر اللَّهُ منزلةَ رسوله وأهلِ بيته عنده، وكرامتَهم عليه، وتَوَلَّى هو بنفسه الدِّفاعَ والذَّبَّ عنهم، وظهر لأمَّته احتفاءُ ربِّهم بهم، واعتناؤه بشأنهم، وأمَّا رأس النِّفاق الذي أشاع الإِفْكَ وأذاعه فتوعَّده اللَّه بالعذاب العظيم.

واختتم فضيلته: أيَّها المسلمون: عظيمٌ عند اللَّه أن يقال في زوجةِ رسولِه ما قيل، قال تعالى: {وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ}، والشِّدَّة يعقبها فرجٌ، والمؤمن ينال الخير بالبلاء، قال تعالى: {لَا تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ}، وكذا كانت عاقبة عائشة رضي الله عنها، أنزل اللَّه فيها آيات تُتْلَى إلى يوم القيامة، وسَمَتْ على النِّساءِ بِفَضَائِلِها؛ قال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: «وَإِنَّ فَضْلَ عَائِشَةَ عَلَى النِّسَاءِ كَفَضْلِ الثَّرِيدِ عَلَى سَائِرِ الطَّعَامِ» ومنَحَها اللَّهُ ذَكَاءً مُتَدَفِّقاً وحِفْظاً ثَاقِباً، وعِلْماً واسعاً، والأحاديث التي روتها عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أكثر ممَّا روي عن الخلفاء الرَّاشدين مجتمعين؛ لانشغالهم وتقدُّم وفاتهم، لا قلَّة سماعهم، بل نَقَلَتْ لهذه الأمَّة رُبع أحاديث الشَّريعة، قال ابنُ كثيرٍ رحمه الله: «لَمْ يَكُنْ فِي الأُمَمِ مِثْلُ عَائِشَةَ فِي حِفْظِهَا وعِلْمِهَا، وَفَصَاحَتِهَا وَعَقْلِهَا، فَاقَتْ نِسَاءَ جِنْسِهَا فِي العِلْمِ وَالحِكْمَةِ، رُزِقَتْ فِي الفِقْهِ فَهْماً، وَفِي الشِّعْرِ حِفْظاً، وَكَانَتْ لِعُلُومِ الشَّرِيعَةِ وِعَاءً».، وأوجب اللَّه مَحَبَّتها على كلِّ أحد، قال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم لفاطمة رضي الله عنها: «أَيْ بُنَيَّةُ، أَلَسْتِ تُحِبِّينَ مَا أُحِبُّ؟ فَقَالَتْ: بَلَى، قَالَ فَأَحِبِّي هَذِهِ» - يعني: عائشة – (متَّفق عليه)، وقد تُوفِّي النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم بين سَحْرِها ونَحْرِها، وفي يومها، وفي بيتها، وهي زوجته صلى الله عليه وسلم في الدُّنيا والآخرة، فهل فوق ذلك مَفْخَرٌ.

GFU8Q8dXIAAFVF7GFU8Q8aXgAAmm4ZGFU8Q8eWUAA0t0W

أمّ المسلمين اليوم لصلاة الجمعة في المسجد الحرام فضيلة الشيخ الدكتور أسامة بن عبدالله خياط إمام وخطيب المسجد الحرام، واستهل خطبته الأولى قائلاً: سعادة المتقين، وفوز الفائزين، وحظوة المهتدين برضوان رب العالمين، والظفر بإكرامه وحسن مثوبته، وجميل بره وألطافه، مبتنى على القيام بالتكاليف التي أمر الله بها، وأوجبها على عباده، وفرضها على عموم خلقه، وهي التي جاءت الإشارة إليها في قوله عز اسمه: ﴿إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ  إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا﴾، ظلومًا لنفسه عندما عصى ربه ومولاه، ولم يقم بما افترض عليه، جهولًا بعاقبة تفريطه وما يلحقه من عقاب، بسبب إخلاله بما التزمه وائتمن عليه، من أوامر أُمر بها، ومناهي نُهي عنها.

وأضاف فضيلته: ألا وإن من الأمانات التي أُمر العبد بأدائها، والقيام بمقتضاها: الجوارح التي خلقها الله تعالى فيه، وجعلها طيعة له، تأتمر بأمره، وتحقق له مراده، وتوصله إلى غايته، فيجب عليه أن لا يستعملها إلا في ما يرضي به ربه، بإطاعة أمره، وباجتناب نهيه، والحذر من أسباب سخطه وموجبات عقوبته؛ فإن استعمل هذه الجوارح المسخرة له في معصية الله عز وجل، وجعل منها أداة ووسيلة إلى ركوب الخطايا واجتراح الآثام، وسببًا لاستجلاب غضبه سبحانه واستنزال سخطه واستحقاق عقابه، فقد خان  -بذلك- الأمانة، وجنى الحسرة والندامة، يوم تشهد عليه جوارحه بما قدمت يداه: ﴿يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ، يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ﴾.

وأشار فضيلته أنّه إذا كان من الأمانة: حفظ الودائع التي يستودعها بعض الناس عند بعض، وأداؤها وردها إلى أصحابها كاملة غير منقوصة، امتثالًا لأمر الله تعالى برد الأمانات وأداء الودائع إلى أصحابها، في قوله تعالى ذكره: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَىٰ أَهْلِهَا﴾ ، ولما جاء في الحديث الذي أخرجه الإمام البخاري في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "مَن أخَذَ أمْوالَ النَّاسِ يُرِيدُ أداءَها أدَّى اللَّهُ عنْه، ومَن أخَذَ يُرِيدُ إتْلافَها أتْلَفَهُ اللّه".

وبيّن فضيلته: إلا أن الأمانة – يا عباد الله- أعم من ذلك، وأجمع لمعان وأبواب كثيرة، فمنها أمانة الإنسان على نفسه، بكمال حرصه على القيام بما أسند إليه من واجبات، وما أوكل إليه من مهمات، وهو يستلزم الإخلاص في عمله، بإجادة واتقان، تستلزمان المواظبة والمتابعة والتطوير للقدرات، وحسن الاستثمار للمواهب، والتوظيف المناسب والمسؤول للموارد، والحذر من تبديدها في غير ما جعلت له، أو إضاعتها فيما لم تسخر له أو توجه إليه، وقد أثنى الله على القائمين على أماناتهم، بالرعاية والعناية والاهتمام، وكمال الإخلاص في الأداء، ووعدهم بنزول الجنة دار كرامته، فقال: ﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ، وَالَّذِينَ هُم بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُونَ، وَالَّذِينَ هُمْ عَلَىٰ صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ، أُولَٰئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُّكْرَمُونَ﴾.

ووضّح فضيلته: منها يا عباد الله أن لا يستغل المرء منصبه لجر مغنم شخصي له، أو لمن يلوذ به من أقارب أو معارف أو أصدقاء بغير استحقاق، كمن يستغل منصبه في تضخيم ثروته بالطرق غير المشروعة، والوسائل المحرمة، كالرشوة وغيرها من وسائل استغلال النفوذ، فكل ذلك من خيانة الأمانة التي ائتمن عليها، وأمر بحفظها، وأوكل إليه أمر صيانتها ورعايتها، وهو من "الغلول" المحرم، المتوعد عليه بالوعيد الزاجر الوارد في الحديث الذي أخرجه أبو داود في سننه وابن خزيمة في صحيحه بإسناد صحيح عن بريدة بن الحصيب الأسلمي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "مَنِ استعملناهُ على عملٍ فَرزقناهُ رزقًا، فمَا أخذ بعدَ ذلكَ فَهوَ غلولٌ"، وقد قال الله تعالى: ﴿وَمَن يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ﴾.

وتابع فضيلته: وفي الصحيحين عن أبي حميد الساعدي رضي الله عنه، اسْتَعْمَلَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ رَجُلًا مِنَ الأزد، يُقَالُ له: ابنُ اللُّتْبِيَّةِ، علَى الصَّدَقَةِ، فَلَمَّا قَدِمَ قالَ: هذا لَكُمْ، وَهذا لِي، أُهْدِيَ لِي، قالَ: فَقَامَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ علَى المِنْبَرِ، فَحَمِدَ اللَّهَ، وَأَثْنَى عليه، وَقالَ: "ما بَالُ عَامِلٍ أَبْعَثُهُ، فيَقولُ: هذا لَكُمْ، وَهذا أُهْدِيَ لِي، أَفلا قَعَدَ في بَيْتِ أَبِيهِ، أَوْ في بَيْتِ أُمِّهِ، حتَّى يَنْظُرَ أَيُهْدَى إلَيْهِ أَمْ لَا؟" الحديث.

ونوّه فضيلته: ومن الأمانة التي يجب حفظها: ما يجري في المجالس من أحاديث تتضمن أسرارًا وأخبارًا وغيرها، فلا يصح إفشاء سر منها، بإخراجه من دائرة المجلس المحدودة الضيقة، إلى دائرة العلن، فيشيع بين الناس، وربما ترتب عليه ضرر بالغ وفساد كبير. ومن ذلك أيضًا: إفشاء سر من ائتمنك على سره، وفي مقدمة ذلك ما يكون بين المرء وزوجه، مما يفضي به أحدهما إلى الآخر، فإن التحدث به وإفشاؤه خيانة للأمانة، لما يترتب عليه من شرور ومفاسد عظيمة، ولذا كان من أعظم الأمانة عند الله، كما جاء في صحيح الإمام مسلم رحمه الله، عن أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إنَّ مِن أَعْظَمِ الأمَانَةِ عِنْدَ اللهِ يَومَ القِيَامَةِ، الرَّجُلَ يُفْضِي إلى امْرَأَتِهِ، وَتُفْضِي إِلَيْهِ، ثُمَّ يَنْشُرُ سِرَّهَا".

وشددّ فضيلته: فاتقوا الله عباد الله، واعملوا على الحفاظ على الأمانات، وأدائها بمختلف أنواعها، سواءً منها ما كان لله تعالى مما فرضه وأوجبه، أو كان حقًا للعباد كالودائع والعقود وسائر المعاملات، فإن الحفاظ عليها وأداءها: آية إيمان العبد، ودليل صدقه، وبرهان تقواه. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾. 

واستطرد فضيلته: جاء في الحديث الذي أخرجه الإمام أحمد في مسنده، بإسناد صحيح من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال: ما خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا قال: "لا إيمانَ لِمَن لا أمانةَ له، ولا دِينَ لِمن لا عهدَ له"، وإنه يا عباد الله لمصير مرعب، ومآل قبيح، وعاقبة سيئة، لمن اتصف بصفة الخيانة للأمانة، لا يصح إغماض الأجفان عنه، أو الاستهانة به، أو الإقامة عليه.

وأضاف فضيلته: ألا وإن الأمانة في الإسلام واسعة الدلالة، وتشمل جوانب حياتنا كلها، وتلازمنا في علاقاتنا بخالقنا، وعلاقاتنا بأُسرِنا، وبمجتمعنا الذي نعيش فيه، والواجب تجاهها: شعور المرء بتبعته في كل أمر يوكل إليه، وإدراكه بأنه مسؤول عنه أمام ربه، كما جاء في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كُلُّكُمْ راعٍ ومَسْئُولٌ عن رَعِيَّتِهِ، فالإِمامُ راعٍ ومَسْئُولٌ عن رَعِيَّتِهِ، والرَّجُلُ في أهْلِهِ راعٍ وهو مَسْئُولٌ عن رَعِيَّتِهِ، والمَرْأَةُ في بَيْتِ زَوْجِها راعِيَةٌ وهي مَسْئُولَةٌ عن رَعِيَّتِها، والخادِمُ في مالِ سَيِّدِهِ راعٍ وهو مَسْئُولٌ عن رَعِيَّتِهِ". أخرجه الإمام البخاري في صحيحه.

واختتم فضيلته خطبته بقوله: وإن كل ما وهبنا الله من نعم، وما أفاض علينا من منن، أمانة بأيدينا، لا ينبغي أن نفرط فيها، فحواسنا التي أنعم الله بها علينا أمانة، وما حُبينا به من أزواج وأموال وأولاد أمانة، فيجب أن نستخدم كل ذلك في قربات الله ومرضاته، وأن لا ننحرف بواحد منها عن طريقة الصحيح الذي أراده الله، وأمر به وحث عليه. فاتقوا الله عباد الله، واحرصوا على الحفاظ على أماناتكم وأدائها على الوجه الذي تحمد عاقبته، وتؤمن مغبته، وتنال به رضى الرب سبحانه ومحبته.

photo1706869960 2photo1706869960 1photo1706869960 3photo1706869960 4photo1706869961photo1706869961 1

أمّ المسلمين اليوم الخميس الموافق 20 من شهر رجب معالي الشيخ الدكتور عبدالرحمن بن عبدالعزيز السديس لصلاة الاستسقاء بحضور نائب أمير منطقة مكة المكرمة الأمير سعود بن مشعل بن عبدالعزيز.

IMG 4248IMG 4253IMG 4269

الصفحة 2 من 2