خطب وأم المصلين في المسجد النبوي فضيلة الشيخ الدكتور عبدالباري بن عواض الثبيتي إمام وخطيب المسجد النبوي الشريف وقال وبعد أن حمد الله تعالى بدأ خطبته بقوله: أيها المؤمنون: قال تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ)، وصف بليغ، ومرتبة سنية، لقلوب عبّر عنها القرآن ووسمها بأنها قلوب وجلة، ملأ الإيمان حناياها وذلل الخضوع لربها أركانها، فسمت جلالاً وارتقت ذكراً وزكاها الرب ثناء ومآلاً.
ولا يخلو مؤمن من حالات وجل استشعرها إثر سماع موعظة وآيات من كتاب الله أشرق معها قلبه واقشعر جلده وحلقت روحه في الملكوت الأعلى، هذه القلوب الوجلة هي التي تتذوق حلاوة الإيمان وتتلذذ بالطاعة وتصد مسارب الفتن والشك وتسلم من العلل القلبية، وأولو الأحلام والنهى يتطلعون إلى بلوغ المراتب العلا.
وأضاف فضيلته: ووجل القلب الذي هو الخوف مع التعظيم من أخص صفات المؤمنين، ومن أجل أسباب وجل القلوب لهج اللسان بذكر الله، فبه تطيب القلوب وتصلح الأبدان وتزكو النفوس وتحلو المناجاة، قال تعالى (وبشر المخبتين، الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم..)، وجلت قلوبهم لأنهم إذا ذُكروا تذكروا، وإن وعظوا اتعظوا، وإذ خوفوا خافوا.
ومن أعظم الذكر تلاوة كتاب الله والتغني بآياته، فمن أقبل على كتاب الله وشرح له صدره وعاش في رحابه لان قلبه، ووجل فؤاده، وأورثه خشية وحياء من الله.
وأكمل فضيلته: ومن أسباب وجل القلوب تعظيم شعائر الله، وتعظيمها من تعظيم أمر الله سبحانه، فكل ما عظّمه الله ورسوله فهو عظيم، وتعظيمه علامة صلاح القلوب، ومن أسباب وجل القلب جعله وعاءً من أوعية العلم الموصل إلى الله، المقتضي معرفة الله بأسمائه الحسنى وصفاته العليا، وعدم الغفلة عن التوبة وتعاهد الاستغفار وسرعة الأوبة، إذ لا يتأتى وجل القلب إلا من هذه الأمور المطهرة له، فأنى لقلب مريض أن يوجل! وأنى لقلب غافل أن يخشع!
وقال فضيلته: بذل المعروف وتعود العطاء وتنوع الإحسان مما يلين له القلب ويكسبه الوجل والخشية والرقة؛ شكى رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قسوة قلبه فقال له: {إن أردت أن يلين قلبك فأطعم المسكين وامسح رأس اليتيم}.
و ذكر فضيلته: وأولو الأبصار يتعاهدون قلوبهم؛ فالقلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء سبحانه، وفي الحديث: {إنما سمي القلب لتقلبه إنما مثل القلب كمثل ريشة معلقة في أصل شجيرة تقلبها الريح ظهراً لبطن}.
وبالقدر الذي يقوم في القلب من الوجل والخشية من الله يكون الأمان من الفتن والشهوات، ويحبب الله إليه الإيمان ويزينه في قلبه، كما أن صاحب هذا القلب ليس من شأنه أن يسلك سبيل المفسدين، بل هو مأمون الجانب ويسهم في أمن المجتمع فالمسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده.