خطب وأم المصلين في المسجد النبوي فضيلة الشيخ الدكتور علي بن عبدالرحمن الحذيفي إمام وخطيب المسجد النبوي الشريف.
وبعد أن حمد الله تعالى بدأ خطبته بقوله: عباد الله: اتقوا الله تعالى بمعرفة حقوقه والقيام بها، وزكوا أنفسكم بالأوامر امتثالًا، وبالمنهيات بعدًا وبغضًا لها وهجرًا، فالتقوى ضمان لرضوان الله عز وجل وللجنات، وأمان من غضب الله، ومن الفساد والعقوبات.
وأضاف: أيها الناس هلموا إلى النجاة، أقبلوا إلى الفلاح، اسلكوا الصراط المستقيم الذي ينظم مصالح الحياة الدنيا ويرفع سالكه في الآخرة جنات النعيم، تعالوا أيها الناس إلى سعادتكم الأبدية أجيبوا ربكم إلى ما خلقتم له، افتحوا قلوبكم لنداء الله سبحانه: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَندَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ)؛ ، ففي هذه الآية العظيمة في أول سورة بعد الفاتحة يأمر الله تعالى بعبادته إحسانًا من ربنا وكرمًا ورحمة، وإعدادًا للإنسان وإمدادًا له ليرقى في درجات الكمال البشري في الدنيا بإصلاحها بسنن الله المرضية التي أرشد إليها عباده الصالحين، وليترقى الإنسان في درجات العباد ليبلغ ما قدر له من الكمال بهذه العبادة، وليصلح الإنسان نفسه بعبادة ربه التي اشتملت على جميع الأعمال الصالحات، وحفظت العبد من الخبائث والشرور والمهلكات، وضمنت له نعيم الآخرة في الجنات، فقد تكفل الله لمن قام بعبادته بالنجاة في الآخرة من العذاب الأليم ذي الدركات.
وأكمل فضيلته: وعبادة الله هي الغاية والحكمة من الخلق، قال الله تعالى: (وَمَا خَلَقۡنَا ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ وَمَا بَيۡنَهُمَا لَٰعِبِينَ* مَا خَلَقۡنَٰهُمَآ إِلَّا بِٱلۡحَقِّ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَهُمۡ لَا يَعۡلَمُونَ)، وقال تعالى: (وَمَا خلقتُ الجنَّ والإنس إلا لِيعبُدُون)؛ والرسل عليهم الصلاة والسلام أولهم وآخرهم أول دعوتهم إلى عبادة الله وحده ونبذ الشرك قال الله تعالى: (ولقد أرسلنا نوحًا إلى قومه فَقَالَ يَقومِ اعبدُوا اللهَ ما لكم من إله غيرُه).
وأضاف: وما فرض الله علينا من العبادات، وما نهانا عنه من المحرمات هو بعض حقوق الله علينا، لأن حق الله على العباد أن يذكر فلا ينسى، وأن يطاع فلا يعصى، وأن يشكر فلا يكفر وأن يحب أعظم من حب النفس والمال والأهل والولد وأن يقدم حبه على حب كل شيء، فالرب هو المستحق للعبادات لذاته لما اتصف به من صفات الجلال والكمال والعظمة والكبرياء والرحمة والقدرة على كل شيء ولما أسبغ على الخلق من النعم الظاهرة والباطنة ولم اتصف به من الأسماء الحسنى، والصفات العلى.
وأكمل فضيلته: والعبادات لله سبحانه هي عبادات القلوب، وعبادات الجوارح والأعضاء، فعبادات القلوب أفضل وأجل وهي الدعاء والإخلاص والإيمان واليقين والتقوى والإحسان والتوكل والإنابة والمحبة والرغبة والرهبة والخوف والرجاء والحب في الله والبغض في الله والزهد والورع إلى غير ذلك من أعمال القلوب، والصحابة رضي الله عنهم فاقوا الأمة باعتنائهم وتحقيقهم عمل القلوب فهي أساس عمل الجوارح، وعمل الجوارح هو أركان الإسلام الخمسة وما بعدها تبع لها.
وبيّن: والناس في القيام بعبادات الله تعالى درجات بعضها فوق بعض، فأعلى الناس درجة في عبادة الله من إذا قام بعمل صالح أراد به رضوان الله وثوابه فهو يجمع بين الأمرين وهذه الدرجة للمهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان، فاحرص على أن تريد بالعمل رضوان الله أولاً مع رجاء ثوابه، لتكون ممن اتبعهم بإحسان، والدرجة التي دون الأولى القيام بالعمل الصالح يريد به صاحبه الثواب من
الله ويفعل أحياناً أن يستحضر إرادة رضى الله، فهو على خير وعمله مجزى عليه الجزاء الأوفى، والدرجة الثالثة هي أن يقصر في بعض الواجبات ويغشى بعض المحرمات تقصيرًا لا يبطل أعماله ولا يحبطها فإن مات على ذلك فهو تحت رحمة الله إن شاء رحمه وإن شاء عذبه بقدر ذنوبه، وأقل الدرجات وأخطرها الدرجة الرابعة وهو أن يدخل في العبادة ويخرج منها ويدخل فيها ويخرج، فهو على ما مات عليه إن مات خارجا من العبادة فهو في النار وإن مات وهو داخل في العبادة حاسبه الله على ظلمه لنفسه أو لغيره، فهو تحت فضل الله وعدله.
واختتم فضيلته الخطبة بقوله: فاتقوا الله تعالى بالقيام بالواجبات، ومجانبة المحرمات، فمن اتقى الله يسر الله له الأمور ووقاه المهلكات والشرور، عباد الله اعملوا الصالحات وأحسنوا الظن بالله فالفائز من عبد الله وأحسن العمل وظن بربه خيرًا، قال الله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَٰئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ ۚ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ).