أمّ المسلمين اليوم لصلاة الجمعة في المسجد الحرام فضيلة الشيخ الدكتور أسامة خياط إمام وخطيب المسجد الحرام، واستهل خطبته الأولى قائلاً: أيها المسلمون: تيسيرُ العسير، وتذليلُ الصعب، وتسهيلُ الأمور: أملٌ تهفُو إليه النفوس، وتطمحُ إلى بلوغ الغايةِ فيه، والحَظوةِ بأوفى نصيبٍ منه، وإدراكِ أكملِ حظٍّ ترجُو به طِيبَ العيشِ الذي تمتلكُ به أزِمَّةَ الأمور، وتتوجَّهُ به إلى خيراتٍ تستبِقُ إليها، وتنجُو من شُرورٍ تحذَرُ سوءَ العاقبة فيها.

ولذا فإن من الناسِ من إذا أصابَه العُسر في بعض أمره، رأى أن شرًّا عظيمًا نزلَ بساحته، وأن الأبوابَ قد أُوصِدَت دونه، والسُّبُلَ سُدَّت أمامه، فتضيقَ عليه نفسُه، وتضيقَ عليه الأرضُ بما رحُبَت، ويسوء من ظنِّه ما كان قبلُ حسنًا، ويضطربَ من أحواله ما كان سديدًا ثابتًا مُستقِرًّا، وربما انتهى به الأمرُ إلى ما لا يحِلُّ له، ولا يليقُ به، من القولِ والعمل.

عباد الله: إن المتقين الذين هم أسعدُ الناس وأعقلُهم، لهم في هذا المقام شأنٌ آخر، وموقفٌ مُغايِر، بما جاءَهم من البيِّناتِ والهُدى من ربِّهم، وبما أرشدَهم إلى الجادَّة فيه، نبيُّهم -صلوات الله وسلامه عليه-.
إنهم يذكُرون أن ربَّهم قد وعدَهم وعدَ الصدقِ الذي لا يتخلَّف، وبشَّرَهم أن العُسرَ يعقبُه يُسرٌ، وأن الضيقَ تردُفُه سَعَة، وأن الكربَ يخلُفُه فرَجٌ؛ فقال سبحانه: ﴿فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا﴾، وقال -عزَّ اسمه-: ﴿سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا﴾.

وهو موعودٌ مُقترِنٌ بشرط الإتيان بأسبابٍ عِمادُها وأساسُها، وفي الطليعةِ منها: التقوى التي هي خيرُ زاد السالكين، وأفضلُ عُدَّة السائرين إلى ربِّهم، ووصيةُ الله تعالى للأولين والآخرين: ﴿وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ﴾.

والتقوى تبعثُ المُتَّقي على أن يجعل بينه وبين ما نهى الله عنه حاجزًا يحجُزُه، وساترًا يقِيه، وزاجِرًا يزجُرُه، وواعِظًا في قلبه يعِظُه ويُحذِّرُه.
فلا عجبَ أن تكون التقوى من أظهرِ ما يبتغي به العبدُ الوسيلةَ إلى تيسير كلِّ شُؤونه، وتذليلِ كل عقبةٍ تعترِضُ سبيلَه، أو تحُولُ بينَه وبين بلوغِ آماله: ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا﴾.

ومع التقوى يأتي الإحسانُ في كل دروبِه؛ سواءٌ منه ما كان إحسانًا إلى النفس بالإقبال على الله تعالى والقيام بحقِّه سبحانه في توحيده وعبادته بصرفِ جميعِ أنواعِها له وحده سبحانه محبَّةً وخوفًا ورجاءً وتوكُّلاً وخضوعًا وخشوعًا وإخباتًا وصلاةً ونُسُكًا وزكاةً وصيامًا وذِكرًا وصدقةً؛ إذ هو مُقتضى شهادة أن لا إله إلا الله التي تعني: أنه لا معبودَ بحقٍّ إلا الله، وتلك هي حقيقةُ التصديقِ بالحُسنى: ﴿فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى﴾.

ومما يبسُطُ مدلولَ هذا ويُوضِّحُه: أن يعلمَ المرءُ أن الله تعالى قد اتَّصَفَ بصفاتِ الكمال، وأنه -كما قال الإمامُ ابنُ القيِّم رحمه الله-: "يُجازِي عبدَه بحسبِ هذه الصفات؛ فهو رحيمٌ يحبُّ الرُّحَماء، وإنما يرحمُ من عباده الرُّحَماء، وهو ستِّيرٌ يحبُّ من عباده السّتر، وعفوٌّ يحبُّ من عباده من يعفُو عنهم، وغفورٌ يحبُّ من يغفِرُ لهم، ولطيفٌ يحبُّ اللُّطفَ من عباده، ويُبغِضُ الفظَّ الغليظَ القاسِي، رفيقٌ يحبُّ الرِّفقَ، حليمٌ يحبُّ الحلمَ، برٌّ يحبُّ البِرَّ وأهلَه، وعدلٌ يحبُّ العدلَ، قابِلُ المعاذِير يحبُّ مَن يقبَلُ معاذيرَ عباده، ولذا فهو يُجازي عبدَه بحسبِ هذه الصفاتِ وجودًا وعدمًا؛ فمن عفا عفا عنه، ومن غفرَ غفرَ له، ومن رفقَ بعباده رفقَ به، ومن رحِمَ خلقَه رحِمَه، ومَن أحسنَ إليهم أحسنَ إليه".

ومن هذا الإحسانِ -يا عباد الله-: التيسيرُ على المُعسِر إما بإنظاره إلى ميسرةٍ، وإما بالحطِّ عنه، كما جاء في الحديثِ: "ومن يسَّرَ على مُعسِرٍ يسَّرَ الله عليه في الدنيا والآخرة". أخرجه مسلم في صحيحه.
وعلى العبد أن يجمع إلى ذلك: التضرُّع إلى خالقه ودعاءه بما كان يدعُوهُ به الصفوةُ من خلقه؛ كدُعاء موسى -عليه وعلى نبيِّنا أفضل الصلاة والسلام-: ﴿رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي﴾ ، وكذلك دعاءُ نبيِّه -صلى الله عليه وسلم- الذي كان يدعُو به عند تعسُّر الأمور، وذلك قولُه: "اللهم لا سهلَ إلا ما جعلتَه سهلاً، وأنت تجعلُ الحَزْنَ إذا شئتَ سهلاً"، مُلتزِمًا في ذلك آدابَ الدعاءِ وسُننَه، من إخلاصٍ لله، ومُتابعةٍ لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وابتداءٍ بحمده سبحانه والثناءِ عليه، والصلاة والسلام على نبيِّه -صلى الله عليه وسلم-، واستِقبالٍ للقبلة، وإلحاحٍ في الدعاءِ، وعدمِ الاستِعجالِ فيه بأن يقول: دعوتُ فلم يُستجَب لي، ومع سُؤال الله وحده دون سِواه، واعترافٍ بالذنبِ، وإقرارٍ بالنِّعمة، وتوسُّلٍ إليه بأسمائه الحُسنى وصفاتِهِ العُلَى، أو بعملٍ صالحٍ سلَفَ له، أو بدعاءِ رجلٍ صالحٍ حيٍّ حاضرٍ، ورفعِ اليدين، والوضوءِ إن تيسَّرَ، وإطابةِ مطعمه بأكل الحلال الطيِّب واجتِنابِ الحرام الخبيثِ، واجتِنابِ الاعتِداءِ في الدعاءِ بأن لا يدعُوَ بإثمٍ، ولا بقطيعةِ رحِمٍ، وبأن لا يدعُوَ على نفسه ولا على أهله أو ماله أو ولده، وبعدم رفعِ الصوت فوق المُعتاد وفوق الحاجة.
هنالك تُرجَى الإجابة، وتُستمطَرُ الرحمةُ الربانية، ويُرتَقَبُ اليُسرُ، ويُفرَحُ بفضل الله وبرحمته، ﴿قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ﴾.


واستهل فضيلته خطبته الثانية قائلاً : فيا عباد الله: إن في قولِ الله تعالى: ﴿فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا﴾ قولُ بعضِ أهل العلم بأن "هذه إشارةٌ عظيمةٌ، أنه كلما وُجِدَ عُسرٌ وصعوبةٌ؛ فإن اليُسرَ يُقارِنُه ويُصاحِبُه، حتى لو دخلَ العُسر جُحرَ ضبٍّ لدخلَ عليه اليُسرُ فأخرجَه، كما قال تعالى: ﴿سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا﴾، وفي تعريفِه بالألف واللام الدالةِ على الاستغراقِ والعموم دليلٌ على أن كل عُسرٍ -وإن بلغَ من الصعوبةِ ما بلغَ- ففي آخره التيسيرُ مُلازِمٌ له".
وإنها لَبشارةٌ عظيمةٌ لمن أصابَه العُسرُ، ونزلَ به الضُّرُّ، وأحاطَ به البلاءُ، واشتدَّ عليه الكربُ ، باقترابِ النصرِ، وتنفيسِ الكربِ، وتفريجِ الشدَّة، وكشفِ الغُمَّة، ورفعِ البلاءِ، والعافيةِ من البأساء والضرَّاء.
فاتقوا الله -عباد الله-، وأحسِنوا الظنَّ بالله، وثِقُوا بوعده الحق الصادقِ الذي لا يتخلَّفُ ولا يتبدَّلُ: إن مع العُسرِ يُسرًا .
IMG 20231215 141117 227IMG 20231215 141117 622IMG 20231215 141117 537IMG 20231215 141117 533IMG 20231215 141116 941

تشهد الكعبة المشرفة والمنظومة الخدمية بالمسجد الحرام عناية خاصة منذ عهد المغفور له جلالة الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود –طيب الله ثراه- ومن بعده أبنائه البررة حتى العصر الزاهر عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود –حفظه الله ورعاه- والذي شهد فيه الحرمان الشريفان نقلة نوعية أظهرت مدى حرص المملكة العربية السعودية على خدمة الحرمين الشريفين وقاصديهما، وقد أولت الكعبة المشرفة جل اهتمامها من خلال العناية بها وصيانة كسوتها وإحلال كسوة جديدة لها كل عام، لما لها من قدسية عظيمة لدى المسلمين قال تعالى: (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ).

وفي عام 1346هـ أمر جلالة الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود-رحمه الله- بإنشاء دار خاصة لصناعة كسوة الكعبة المشرفة في مكة المكرمة، وتبليط المسعى بالحجر الصوان المربع وأن يُبنى بالنورة، كما أمر المؤسس بإنشاء إدارة للأمن، مقرها الرئيسي بمكة المكرمة وذلك حفاظاً على أمن قاصدي وزوار البيت العتيق.

بعد ذلك توالى أبناء الملك عبدالعزيز البررة بالعناية والاهتمام بخدمة الحرمين الشريفين، حيث وجه الملك سعود بن عبدالعزيز آل سعود – رحمه الله - بتركيب مضخة لرفع مياه زمزم في سنة 1373هـ، وإنشاء بناية لسقيا زمزم أمام بئر زمزم في سنة 1374هـ بعد بناء المسعى بطابقيه وتوسعة المطاف حيث أصبح بئر زمزم في القبو، كما زود قبو زمزم بصنابير الماء ومجرى للماء المستعمل، كما أمر – رحمه الله - بترميم الكعبة المشرفة في عام 1377هـ، حيث تم تغيير سقفا الكعبة العلوي والسفلي بالكامل، ومعالجة أحجار الكعبة التي تعرضت للشقوق وتراكم التراب عليها.

وفي عهد الملك فيصل بن عبدالعزيز - رحمه الله - واصل إنجاز توسعة المسجد الحرام التي بدأت في عهد الملك سعود، ومما تم في عهده إزالة البناء القائم على مقام إبراهيم توسعةً للطائفين، ووضع المقام في غطاء بلوري عام 1387هـ، ووجه ببناء مبنى لمكتبة الحرم المكي الشريف، وذلك في عام 1391هـ، وببناء مصنع كسوة الكعبة المشرفة في موقعه الجديد في أم الجود، وتوسيع أعماله، كما افتتح مصنع الكسوة في عام 1397هـ، وتوسعة المطاف سنة 1398هـ، وفرش أرضيته برخام مقاوم للحرارة، ونقل المنبر والمكبرية، وتوسيع قبو زمزم، وجعل مدخله قريبًا من حافة المسجد القديم في جهة المسعى.

وعام 1399هـ في عهد الملك خالد بن عبد العزيز آل سعود – رحمه الله - تم تغيير باب الكعبة المشرفة إلى باب من الذهب الصافي، صنعهُ شيخ الصاغة أحمد بن إبراهيم بدر، وقد استخدم 280 كجم من الذهب الخالص في صناعته، ويعتبره البعض أكبر كتلة ذهب في العالم، وهو الباب الموجود هذه الأيام، كما تم عمل باب داخل الكعبة للصعود من داخلها، يسمى باب التوبة.

وفي عهد الملك فهد بن عبدالعزيز آل سعود- رحمه الله- عام 1417هـ جرى الترميم الشامل للكعبة المشرفة، كما حظي المسجد الحرام بتوسعات عمرانية تاريخية تجسد اهتمام القيادة الرشيدة بالحرمين الشريفين, حيث إن عمارة المسجد ‏الحرام الأولى وجه بها الملك عبد العزيز وأمر بتنفيذها ، ونفذت بعهد الملك سعود بن عبدالعزيز - رحمه الله - وانتهت في ‏عهد الملك فيصل بن عبدالعزيز - رحمه الله - ، والتوسعة الثانية كانت في عهد الملك فهد بن عبد العزيز - رحمه الله - ، فيما بدأت التوسعة السعودية الثالثة في عهد الملك عبدالله بن عبدالعزيز - رحمه الله - ولا تزال مستمرة ‏بأمر وتوجيه ومتابعة ورعاية خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود - حفظه الله- , وعام 1406هـ، أمر الملك فهد بن عبد العزيز- رحمه الله - بتبليط سطح التوسعة السعودية الأولى بالرخام البارد المقاوم للحرارة، وبإنشاء 5 سلالم كهربائية بالمسجد الحرام؛ وبناء 5 جسور علوية للدخول إلى الطابق الأول، وفي عام 1409هـ وضع الملك فهد بن عبد العزيز آل سعود - رحمه الله - حجر الأساس للبدء في التوسعة السعودية الثانية.

وتم انطلاق مشروع ‏التوسعة السعودية الثالثة للحرم المكي في عهد الملك عبد الله بن عبد العزيز - رحمه الله – والتي تعد أكبر توسعة على مر العصور والتاريخ، لترتفع الطاقة الاستيعابية بعد إنهاء أعمال التوسعة إلى مليوني مصل، وتشتمل توسعة الساحات الخارجية، على دورات مياه وممرات وأنفاق ومرافق أخرى مساندة تعمل على انسيابية الحركة في دخول المصلين وخروجهم، وتتضمن منطقة الخدمات المتعلقة بالتوسعة وخدماتها التكييف ومحطات الكهرباء ومحطات المياه وغيرها.

وفي عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود - حفظه الله ‏- صدرت الموافقة بتغيير مسمى مصنع كسوة الكعبة المشرفة إلى مجمع الملك عبدالعزيز لكسوة الكعبة المشرفة وذلك في عام 1439هـ، وتستمر الرعاية والعناية بالحرمين الشريفين والمشاعر المقدسة ‏ومن ذلك‏ استكمال التوسعة السعودية الثالثة للحرم المكي والمسجد النبوي ‏ورعايته ومتابعته لمشروعات ‏تطوير مكة المكرمة والمدينة المنورة والمشاعر المقدسة والارتقاء بالخدمات المقدمة للحرمين الشريفين وقاصديهما، ونستعرض ما تم من تجديد لرخام الشاذروان برخام جديد يحاكي ألوان ونوعية الرخام القديم مع المحافظة على الأحجار المرمرية الثمانية القديمة الموجودة تحت ناحية باب الكعبة، وهي من أنفس وأجمل الأحجار في العالم، كما تم تبليط سطح الكعبة المشرفة بالرخام، وزيادة العزل المائي، ومعالجة العناصر الخشبية للسقف والأعمدة، وصيانة باب الكعبة المشرفة وباب الدرج الداخلي والميزاب، واستُخدم لذلك أحدث التقنيات ووفقاً لأفضل المواصفات العالمية , وتحرص حكومة خادم الحرمين الشريفين -حفظه الله- على العناية الدائمة والفائقة بالكعبة المشرفة، وتولي اهتماماً بالغاً، في تسخير كل كافة الخدمات لكسوتها وصيانتها طوال العام.

وتحظى مدينة مكة المكرمة والمشاعر المقدسة، ‏والكعبة المشرفة والمشروعات العملاقة بالمسجد الحرام باهتمام ومتابعة سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز- حفظه الله- ويأتي ذلك من حرصه واهتمامه وعنايته بتطوير الحرمين الشريفين، ‏والانتقال بمدينتي مكة ‏المكرمة والمدينة المنورة ومستوى المرافق والخدمات بهما إلى أعلى مستوى وذلك وفق أهداف رؤية المملكة 2030.

إثراء لتجربة ضيوف الرحمن تقدم الهيئة العامة للعناية بالمسجد الحرام والمسجد النبوي عددا من المحاضرات والدورات العلمية لإيصال رسالة الحرمين الشريفين لأكبر فئة من فئات المسلمين بعدة لغات عالمية وتنفذ إدارة التوجيه والإرشاد الرقمي عددًا من المحاضرات والدورات العلمية عن بعد، فقد حرصت الإدارة على استثمار جميع وسائل الإعلام والبث والنشر المتاحة لتصل الدروس العلمية والمحاضرات التوجيهية لأكبر فئة مستهدفة من طلبة العلم والباحثين وعموم المسلمين.

وتنفذ إدارة التوجيه والإرشاد للغات والترجمة العديد من الخدمات والبرامج التوجيهية والإرشادية داخل المسجد الحرام إلى لغاتٍ عدة، منها: ترجمة المسائل الشرعية من خلال مواقع إجابة السائلين والتي يجيب فيها أصحاب الفضيلة على أسئلة الحجاج والمعتمرين فيما يخص أمور المناسك بلغاتٍ عدة وتوزيع المطبوعات التي ترشدهم في أمور العقيدة والمناسك. كما تولي الإدارة العامة لشؤون إرشاد السائلين بالمسجد الحرام اهتماماً كبيراً بتوجيه وإرشاد ضيوف الرحمن والإجابة عن تساؤلاتهم من خلال نخبة من العلماء وأصحاب الفضيلة الذين يلقون الدروس العلمية بالمسجد الحرام ويفقهون ضيوف بيت الله العتيق في العقيدة وفي مناسك الحج والعمرة وشتى العلوم الدينية.

ويعمل لدى وكالة الشؤون التوجيهية والإرشادية للهيئة العامة للعناية بشؤون الحرمين ،(71) من أصحاب الفضيلة والعلماء للإجابة عن أسئلة السائلين على مدار (24) ساعة, ومن أبرز ما يميز الإدارة العامة للشؤون التوجيهية والإرشادية هو تعدد اللغات في إجابة السائلين، حيث استعدت الوكالة لاستقبال المعتمرين والمصلين بتوفير المترجمين و توزيعهم على المواقع المخصصة لإرشاد السائلين مع أصحاب الفضيلة المشاركين، وترجمة الأسئلة الواردة باللغة المناسبة للزائر والمعتمر، عبر ما يقارب (7) مواقع داخل المسجد الحرام، كما يوجد (4) مكاتب للرد على السائلين هاتفياً، يقوم عليها (71) شيخاً مشاركاً و عدداً من القضاة وأعضاء هيئة التدريس بالجامعات.

وأعدت الشؤون التوجيهية والإرشادية حزماً من الخدمات التوجيهية والإرشادية للزوار والمعتمرين ولقاصدي المسجد الحرام في إطار تحسين تجربة ضيوف الرحمن وذلك من خلال عدد من الإدارات المتنوعة التي تخدم أرجاء المسجد الحرام وساحاته, حيث تعمل إدارة إجابة السائلين على إرشاد قاصدي البيت الحرام من الزوار والمعتمرين وتوعيتهم وتوجيههم ورفع مستوى الوعي لديهم، وذلك من خلال اعتماد برنامج للإجابة عن أسئلة المستفتيين بالبيت العتيق عبر( 19) موقعاً داخل المسجد الحرام والأروقة والمداخل الرئيسة والمسعى والدور الأول وساحاته على مدار اليوم وتخصيص رقمين مجانيين للإجابة عن المسائل الشرعية عن طريق الهاتف الثابت أو الجوال وهما (8001222400)، (8001222100).

وتبث وكالة الشؤون التوجيهية والإرشادية بالهيئة العامة للعناية بشؤون الحرمين يومياً الدروس والمحاضرات والدورات العلمية من المسجد الحرام للزوار وطلبة العلم في أنحاء العالم وتستثمر جميع وسائل الإعلام والبث والنشر المتاحة لتصل لأكبر فئة مستهدفة من طلاب العلم والباحثين وعموم المسلمين في مختلف انحاء العالم.

ولإيصال الرسالة العلمية بالمسجد الحرام تعمل إدارة التوجيه والإرشاد الرقمي على عدد من المحاور للوصول لأكبر شريحة من المستفيدين ، ومنها الإشراف الكامل على تسجيل الدروس وتوثيقها على نسخ إلكترونية رقمية بالتعاون مع عدد من الإدارات، ومن ثم حفظها على أقراص مدمجة أو أجهزة (يو إس بي) وغيرها من وسائل حفظ المعلومات الإلكترونية الحديثة وتحرير الدروس وتفريغها صوتياً ومرئياً وتنزيل المادة الصوتية عن طريق جهاز خاص بالتفريغ ومن ثم التحرير الصوتي للمادة، والرفع عبر منصة منارة الحرمين، ومنصة يوتيوب الخاصة بالإدارة (https://youtube.com/@twjehDM) كما يتم بث الدروس العلمية بشكلٍ مباشر عن طريق قناة الإدارة في يوتيوب  أو عن طريق رابط البث المباشر الصوتي مكسلر (http://mixlr.com/twjeh)

وخصصت وكالة الشؤون التوجيهية والإرشادية فريقا مختصا مسؤولا عن إعداد وتجهيز المقاطع الصوتية وهي عبارة عن مقطع صوتي مختصر يكون مجتزأ من ندوة علمية أو درس أو محاضرة، فيه فائدة علمية أو دعوية أو توعية وغيرها مما يفيد المستمع والمشاهد ويسهم في إيصال رسالة الحرمين كذلك إعداد التصاميم للجداول العلمية والدروس المقامة في المسجد الحرام والندوات والمحاضرات التوجيهية بطريقة تفصيلية مختصرة تبين عنوان الدرس وموقعه وتوقيته، واسم الشيخ الذي يلقيه وإخراجها بما يتوافق مع سياسة الهيئة الإعلامية لنشرها عبر وسائل وقنوات الإعلام, وتجدر الإشارة إلى أن الهيئة خصصت عدداً من المنصات التوجيهية الرقمية للاطلاع والاستفادة من جديد أخبار الدروس والمحاضرات والدورات العلمية المقامة بالمسجد الحرام.
اكس :
منارة الحرمين:
يوتيوب:
مكسلر للبث المباشر الصوتي:
ساوند كلاود المنصة الصوتية:
تليجرام:
استخدام التقنيات الحديثة في نقل العلوم والمعارف الإنسانية والعلمية والشرعية لها دور فعال خاصة فيما يتعلّق بالقرآن الكريم وتدريسه تلاوةً وتجويدًا وتصحيحًا، ونقل الدروس العلمية والمحاضرات الفقهية وخطب الحرمين وخطبة عرفة لتعمّ الفائدة ويستمر العلم النافع ليمتدّ أثرها إلى أصقاع العالم.

فأنشأت (منارة الحرمين الشريفين) قبل خمسة أعوام هدفها الرئيسي بث الخطب في الحرمين الشريفين وخطبة عرفة ونقل الدروس العلمية والمحاضرات الشرعية والندوات والكلمات الوعظة عبر منصّة رقمية سلسة الاستخدام وفائقة الجودة لها رابط إلكتروني فعّال وأثير موجات راديوFM، مدعومة باللغات العالمية (الإنجليزية والفرنسية والأردية والفارسية والملاوية والتركية والهوسا والصينية والروسية) وكذلك لغة الإشارة لذوي الإعاقة السمعية؛ حتى يستمر الخير بين الناس، وتواصل جهود العلماء المبذولة في العلم لتصل للمستفيدين في أي مكان وزمان؛ وبهذا يتحقق الهدف المنشود للعالم والمتعلم على حد سواء.

خدمات ذكية تقدّمها المنصة
تقدّم المنصة خدمات متنوعة منها الإجابة على فتاوى السائلين عن أحكام الشريعة المتعلقة بالعبادات والنسك، وإمكانية التواصل المباشر مع أهل العلم والاختصاص الشرعي، وتصفح القرآن الكريم بعدة لغات لتخدم غير الناطقين باللغة العربية وتسهّل عليهم تلاوة القرآن في كل زمان ومكان في العالم مباشرة، وجدول زمني للخطب والدروس والمحاضرات والحلقات، ونوافذ للبث المباشر لقناة القرآن الكريم التابعة لهيئة الإذاعة والتلفزيون.

آلية عمل المنصّة
الدخول على الرابط إلكتروني عبر مسح الباركود بالأجهزة الذكية (آبل، أندرويد) أو أثير موجات راديو FM بحسب اللغات:
الإنجليزية 88.200
الأردية 90.200
الفارسية 94.200
الفرنسية 92.200
المالاوية 96.200
الهوسا 98.800
الهندية 103.800
التركية 105.800
الروسية 107.900
الصينية 101.200

تقوم المنصة ببث فيديوهات مباشرة ومسجلة بعدة لغات لدروس ومحاضرات وحلقات وخطب لأئمة الحرمين الشريفين بما فيها خطب الجمعة.
وتوفّر المنصة أيقونة تتيح للمستفيدين طرح الأسئلة والاستفسارات الكتابية أثناء بثّ المحاضرات والدروس والحلقات للحصول على الردود من المحاضر أو الشيخ خلال بث المادة مباشرة.

إحصائيات وأرقام..
يتزايد إقبال المسلمين في جميع أقطار العالم في موسم الحج، ففيه تهفو الأفئدة وتنصت الأسماع وتتعلّق الأبصار بالشاشات علّها تنقتل وجدانيًا إلى صعيد عرفة، وقد بلغ في ذلك اليوم عددهم في آخر إحصائية مسجلّة (600) مليون، كان النصيب الأكبر من قبل الجالية الإندونيسية بنسبة 29% بواقع 68 مليون مستمع، يليها في الترتيب بحسب اللغة الإنجليزية بواقع 18%.

رسالة المنصة..
أن توائم مخرجات منصة الحرمين الشريفين ما يقام في المسجد الحرام من دورات ودروس علمية يتابعها الكثير من الزوار وطلبة العلم من أنحاء العالم الإسلامي، والإبقاء على حبل الوصل مستمراً مع العلم الشرعي النافع.
وتعد مقرأة الحرمين الشريفين مشروعًا عالميًا لتعليم القرآن الكريم للمسلمين في شتى أنحاء العالم عبر أحدث تقنية تتيح للمستفيد تصحيح التلاوة وإتقان التجويد وإتمام الحفظ والمراجعة ما بعد الحفظ بـ (6) لغات وهي (العربية والإنجليزية والأوردية والإندونيسية والملاوية والهوساوية)، والحصول على شهادات وإجازات بالسند المتصل على أيدي معلمين مجازين في علم القراءات العشر المتواترة على مدار الساعة عبر تطبيقهم الموحد (مقرأة الحرمين).

آلية التسجيل في المقرأة.
الدخول على موقع المقرأة:
maqraa.gph.gov.sa

وفيه سهّلت الخدمة على المستفيدين بأنّ أتاحت التسجيل على مدار الساعة، بآلية بسيطة وفيديو تعريفي يساعد المتقدم على التسجيل خطوة بخطوة، بعد إتمام عملية التسجيل ينتقل إلى مرحلة الفرز، وفيها يحدد المسار المناسب له حتى يحقق أكبر فائدة من هذه الخدمة ويبلغ عدد المقارئ المتاحة لخدمة الرجال (5) مقارئ فردية في كل مقرأة (6) معلمين، وعدد المقارئ المتاحة لخدمة النساء (9) مقارئ جماعية، جميهم من الكوادر الوطنية، ومن المؤهلين لتدريس كتاب الله على مستوى عالٍ، وذلك في إطار تحقيق الرسالة المنشودة من إنشاء المقرأة.

برامج المواد التعليمية المتاحة عبر المقرأة..
تصحيح التلاوة والحفظ، والمراجعة، وشرح أحكام التجويد، ومبادئ على القراءات، وجلسات التلاوة، والمتابعة التعليمية، وحلقات البث المباشر.

رسالة المقرأة..
ويناط بها تعليم كتاب الله لكل راغب في أي زمان وأي مكان باستخدام التقنية الحديثة، ومنحهم الشهادات والإجازات من قبل المقرئين المجازين، وتطبيق أفضل أساليب تعليم كتاب الله تعالى على يد ذوي الخبرة من المتخصصين. ووفرت الهيئة العامة للعناية بشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي، (52) شاشة الإلكترونية داخل وخارج المسجد الحرام، وتقدر المساحة الإجمالية للشاشات ب (279 متر مربع)، وتم تخصيصها لنشر المحتوى التوجيهي والإرشادي لزوار وقاصدي البيت العتيق، وتعمل على مدار (24) ساعة.

وتقوم الإدارة العامة للتشغيل والصيانة بالهيئة العامة للعناية بشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي ممثلة في وحدة متابعة الشاشات بالإشراف على الشاشات وتشغيلها وصيانتها، كما تزود الشاشات عالية الدقة بالمحتوى وفق الأحداث والمتغيرات عن طريق فريق مختص في الجانب الشرعي والتوجيهي من أصحاب المعالي والفضيلة، وتترجم إلى عدة لغات من خلال كادر مخصص للترجمة واللغات وتوزع الشاشات على مداخل ومخارج المسجد الحرام وساحاته والطرق المؤدية إليه على مدار (24) ساعة.

كما يوجد فريق عمل مختص على مدار الساعة يقوم على تغيير محتويات الشاشات من خلال غرفة تحكم، ومتابعة جميع الشاشات الإلكترونية وملحقاتها والارتقاء بجودتها للوصول إلى أفضل المواصفات والمعايير، لمواكبة رؤية المملكة (2030)، كما تم وضع جدول زمني لصيانة جميع الشاشات صيانة وقائية وإصلاحية. ويبلغ متوسط حجم الشاشات في الساحات (25 متر مربع) أما الشاشات داخل المسجد الحرام (36 متر مربع)

أم المسلمين لصلاة الجمعة في المسجد النبوي فضيلة إمام وخطيب المسجد النبوي الشيخ الدكتور حسين ال الشيخ وأستهل فضيلته خطبته الأولى عن الفتن التي يمر بها المسلم فقال : إن المسلمين اليوم يمرون بفتن مختلفة المصادر، متعددة الأشكال، فتن تعاظم خطرها، وتطاير شررها، وتنوعت أسبابها ومحالها، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم؛ وإن الركن الشديد الذي يأوي إليه المسلم من ويلات الفتن ومخاطرها، هو الالتجاء إلى خالقه عز وجل، والاعتصام بحبله، وتحقيق طاعته، والتمسك بشريعته سبحانه، قال تعالى: (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ)، وقال تعالى: (فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ)؛ ومن هذا المنطلق جاء التوجيه النبوي من النبي صلى الله عليه وسلم، الحريص على نجاة أمته، وصيته الخالدة، بقوله: «العبادة في الهرج كهجرة إلي» رواه مسلم.

والهرج هي أيام الحروب والقتل، وأوقات الخوف والذعر، وحال اختلاط أمور الناس من جميع المحذورات والمحن التي يخافون في جوانب حياتهم، بحيث لا تنتظم أمورهم على أحسن حال، بل يكونون في أمر مريج واضطراب شديد، حينئذ لا نجاة لهم ألا باللجوء إلى ربهم والانقطاع إليه، وقياد أنفسهم وتصرفاتهم وتوجهاتهم بشرعه ووفق أوامره وأوامر رسوله صلى الله عليه وسلم.

وتحدث فضيلته عن منهج النبي صلى الله عليه وسلم في التعامل مع الفتن فقال: هذا المنهج النبوي الذي عظّم شأن العبادة أيام الفتن، لأن الناس يعتريهم أمور بسبب الفتن تقع بينهم من العداوات والظلم والكذب والتخاصم مما هو محرم في دين الله، بل ينشغل كثير منهم عن الثبات على المنهج الحق، فأرشدهم صلى الله عليه وسلم إلى أن الهجرة تبتني على ترك الوطن والدار ورغائبها لله سبحانه، وهكذا الانقطاع للعبادة والالتزام الشامل بها يقود المسلمين إلى كل ما ينجيهم عن الزلل والخطل والزيغ عن الصراط المستقيم والمنهج القويم؛ قال أهل العلم إن الناس في أوقات الفتن يرجعون إلى أهوائهم وآرائهم وأذواقهم بعيداً عن حكم الله وشرعه، فالذي ينتقل من هذه الحال إلى العبادة والإقبال على الله تبارك وتعالى، يكون كالمهاجر.

وإن الناظر اليوم لعالمنا الإسلامي يجد أنه كلما حلت محنة ووقعت فتنة، فنجد بعضًا منهم يسعى لتفريق صف الأمة، والاتهام لبعض بما لا يستقيم مع المنهج الذي شرعه الله سبحانه من الحرص على الاعتصام بحبل الله، وعدم التفرق والاختلاف، فاتق الله أيها المسلم وإياك أن تكون وأنت لا تدري بوقًا للشيطان، ولسانًا للأعداء، فما خاف الأعداء شيئا مثل اعتصام المسلمين بكتاب ربهم، واتحاد صفهم، وجمع كلمتهم، وتعاونهم على كل بر، وصبرهم على طاعة ربهم، ومنهج دينهم، ومعالجة ما يقع لهم من الفتن والمحن وفق منظور صحيح، واجتهادًا يحيطه الخوف من الله، ومراعاة المسؤولية، وتحقيق مصالح الأمة.

واختتم فضيلته خطبته الاولى بنصح المسلمين بالانشغال بالدين فقال: ألا فأشغلوا أنفسكم أيها المسلمون بما يحفظ مصالح دينكم ودنياكم، وأعدوا العدة المستطاعة للحفاظ على ذلك، ومن أعظم ذلك الثبات على شرع الله سبحانه، والسير على ضوء سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وحققوا عبادة التعاون المثمر والأخوة الصافية على الدين والعقيدة والمودة الإسلامية، والولاء لله ولرسوله وللمؤمنين، قال تعالى: (يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِذَا لَقِيتُمۡ فِئَةٗ فَٱثۡبُتُواْ وَٱذۡكُرُواْ ٱللَّهَ كَثِيرٗا لَّعَلَّكُمۡ تُفۡلِحُونَ* وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ وَلَا تَنَٰزَعُواْ فَتَفۡشَلُواْ وَتَذۡهَبَ رِيحُكُمۡۖ وَٱصۡبِرُوٓاْۚ إِنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلصَّٰبِرِينَ)؛ وقال صلى الله عليه وسلم: (بَادِرُوا بالأعْمَالِ فِتَنًا كَقِطَعِ اللَّيْلِ المُظْلِمِ، يُصْبِحُ الرَّجُلُ مُؤْمِنًا وَيُمْسِي كَافِرًا، أَوْ يُمْسِي مُؤْمِنًا وَيُصْبِحُ كَافِرًا، يَبِيعُ دِينَهُ بعَرَضٍ مِنَ الدُّنْيَا)؛ فجاهدوا أيها المسلمون كل الفتن بالطاعة الخالصة لله والالتزام بهذه التوجيهات الربانية تسلموا من غوائل الفتن، وعواصف المحن، لاسيما في مثل هذه الأزمان، التي يسعى الأعداء بكل مكر للإضرار بالإسلام والمسلمين بشتى أنواع الإفساد وأسباب الشرور، ولا مخرج من ذلك إلا هجرة المسلمين من المعاصي إلى الطاعات، والبعد عن المنهيات، فلا هداية لعزة ونصر وتمكين واستقرار وأمن وأمان، إلا بتمسك المسلمين بدينهم وتحكيم شريعة ربهم، قال تعالى: (إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ).

وتحدث فضيلته في خطبته الثانية عن المخرج من الفتن فقال : المخرج من كل فتنة هي في إصلاح الدنيا بالدين، وعمارة الأرض بشرع رب العالمين، ومن أحاط حياته بتقوى ربه جعل له من كل ضيق مخرجًا، ومن كل بلية وفتنة عافية وعاقبة حسنة.

WhatsApp Image 2023 12 08 at 2.58.19 PMWhatsApp Image 2023 12 08 at 2.58.27 PMWhatsApp Image 2023 12 08 at 2.58.34 PM

وسط منظومة من الخدمات المتكاملة التي تقدمها الهيئة العام للعناية بشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي أم المسلمين لصلاة الجمعة في المسجد الحرام فضيلة إمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ الدكتور بندر بن عبدالعزيز بليلة فتحدث فضيلته في خطبته الأولى عن الفلاح فقال : الفلاحُ مَطلَبٌ عَلي، ومَأرَبٌ سَني، إليه شَخَص العاملون، وتفانى مِن أجله المُتفانون.

والفلاحُ هو الظَّفَرُ ونَيلُ البغيةِ دنيويًا أو أُخرويًا، فالدنيويُّ الظَّفَرُ بمَلَذات الدنيا ومُشتهياتها، والأخرويُّ الظَّفَرُ برضا الله تعالى وجنتِه.

والذكيُّ الألمعيُّ اللوذعيُّ هو مَن جَمع فِكرَه، وصَوَّب نحو الفلاحِ الأُخرويِّ نظرَه؛ إذْ هو غايةُ الأماني، ومُنتهى الأَراجي! وليس بينه وبينه إلا قوةُ عزيمة، وصبرُ ساعة، وثباتُ قلب.

وأُسُّ الفلاحِ الأُخرويِّ الشهادتان، بابةُ الإسلامِ وأصلُ الملة، قال النبيُّ ﷺ: (يا أيها الناس: قولوا لا إله إلا اللهُ تُفلحوا) أخرجه الإمامُ أحمدُ وابنُ حبان.

ومن التزمَ فرائضَ الله تعالى أفلح، جاء أعرابيٌّ إلى النبي ﷺ يسألُه عن شرائع الإسلام فأعْلَمَه عنها، فقال الأعرابي: والذي أكرمك لا أتطوعُ شيئا، ولا أَنقُصُ مما فرض اللهُ عليَّ شيئا، فقال عليه الصلاةُ والسلام: (أفلح إن صَدق) أخرجه البخاريُّ ومسلمٌ من حديث طلحةَ رضي اللهُ عنه.

ورأسُ الفرائضِ الموصلةِ للفلاحِ الصلاة، أمُّ العبادات، وعمودُ الطاعات، وهي الصارفُ عن دَواعي السوءِ ومُغرِياتِه، والعاصمُ من عَوادي الشيطانِ ومُغوِياته، فلا عَجَبَ إذًا أن يُنادى بالفلاح في أذانها وإقامتها.

وتحدث فضيلته في ختام خطبته الاولى عن التطهر من الذنب فقال : التطهرُ من الذنب والحَوبة، والتوبةُ إلى الله والأوبة، سبيلُ الفلاح، ودليلُ الصلاح والذاكرُ لربه ولأنعُمِه عليه آخِذٌ بسبب الفلاح، ومَن أدى الحقوقَ إلى أربابها حاز الفلاح، وتطهيرُ النفس من الشرك والظلم وسيء الأخلاق موجِب للفلاح.

وتحدث فضيلته في خطبته الثانية عن إقبال وإدبار النفس على الخير فقال : نَفْسُ الإنسانِ بين إقبال على الخير وإدبار عنه، فالإقبالُ يُثمِرُ الانكبابَ على الطاعات، والإدبارُ يُداوَى بالاقتصار على الفرائض وشيءٍ من النوافل، قال المصطفى ﷺ: (إن لكل عملٍ شِرَّة، ولكل شِرَّة فترة، فمن كانت فَترتُه إلى سُنتي فقد أفلح، ومن كانت فَترتُه إلى غير ذلك فقد هلك) أخرجه الإمامُ أحمدُ من حديث عبدالله بن عمروٍ رضي اللهُ عنهما.

ألا ما أسعدَ العبدَ وأهناهُ يومَ يرى مَوازينه قد ثقُلت بالأعمال الصالحات، وخَفَّت من الأوزار والذنوب والموبقات، فثَمَّ الفلاح، وثَمَّ النجاح.

msg 1001468035115 51051msg 1001468035115 51053msg 1001468035115 51054msg 1001468035115 51055msg 1001468035115 51056msg 1001468035115 51057

تحرص الهيئة العامة للعناية بشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي على الاهتمام بالأشخاص ذوي الإعاقة ورعايتهم وتقديم سبل الراحة لهم داخل أرجاء البيت العتيق، وفي اليوم العالمي للإعاقة تكثف جهودها من خلال عدد توفير الخدمات المخصصة بهم، كما قامت الهيئة بتجهيز المواقع وأنستنها لتتناسب مع كافة الأشخاص ذوي الإعاقة ليتمكنوا من أداء مناسكهم بكل يسر وسهولة وطمأنينة.

وعملت الهيئة على تجهيز المصليات بأفضل الأدوات والخدمات المخصصة لهم، وزودت هذه المصليات بماء زمزم المبارك، ومصاحف وكتيبات تعينهم على أداء مناسكهم، وتتميز هذه المصليات بقربها من الأبواب تسهيلاً لحركة دخولهم وخروجهم، وبإمكان القاصد من ذوي الإعاقة التوجه إلى أي من المصليات الثلاثة الخاصة بالرجال الواقعة في توسعة الملك فهد -رحمه الله- الدور الأول مقابل باب (91)، والدور الأول مقابل جسر الشبيكة باب (68)، والدور الأرضي باب (68) بجوار سلالم الشبيكة، كما أن القاصدات خصص لهن (3) مصليات تقع في توسعة الملك فهد -رحمه الله- باب (88) الأرضي وباب (65) الدور الأول "الشبيكة"، وتوسعة الملك فهد بمصلى (15) المطل على صحن المطاف.

وتتوفر بالمصليات وسائل مساندة لذوي الإعاقة كأدوات التيمم، والمصحف المزود بقلم قارئ لكبار السن، والمصحف بلغة (برايل) وعدد من الكتب القيمة، والعصا المخصصة لفاقدي البصر، بالإضافة إلى تواجد عدد من مترجمي ومترجمات لغة الإشارة المؤهلين لترجمة الخطب والدروس المقامة وحلقات الذكر.

وفيما يخص دخول العربات اليدوية خُصص لها مسارات رئيسية، أولها جسر أجياد وهو جسر يقع في الساحة الغربية يؤدي إلى الدور الأول من المطاف، والمسار الثاني عبر جسر الشبيكة جوار باب (64)، إضافة إلى مسار يتجه إلى المروة عبر الساحات الشرقية، كما أن هناك عدد من السلالم الكهربائية والمصاعد المزودة برموز وعلامات واضحة للتسهيل عليهم، وكذلك وجود مسارات إلى المصليات الخاصة.

وتمت تهيئة أبواب بمنحدرات للعربات تقع هذه الأبواب في مختلف أنحاء المسجد الحرام، بما في ذلك الأبواب الرئيسية والأبواب الداخلية، وهي مزودة بعلامات إرشادية واضحة بلغة برايل، وذلك لمساعدة ذوي الإعاقة البصرية، وتهدف هذه الخطوة إلى تسهيل عملية الدخول والخروج لذوي الإعاقة في المسجد الحرام، وذلك من خلال توفير منحدرات ومزلقانات آمنة وسهلة الاستخدام.

وكذلك 8 أبواب مزودة بمنحدرات لتسهيل عملية الدخول والخروج من وإلى المسجد الحرام وهي (68 - 74 - 79 - 84 - 89 - 90 - 93 - 94)، كذلك عدة جسور وهي (جسر أجياد، والشبيكة، والمروة، والأرقم).

وبالنسبة للنقل الترددي عبر الساحات الشرقية للمسجد الحرام وفرت الهيئة العامة نقلا تردديا للأشخاص ذوي الإعاقة وكبار السن وذلك عبر عربات ترددية متواجدة في الساحات الشرقية للمسجد الحرام، يستطيع القاصد الاستفادة منها عبر نقله من وإلى أبواب المسجد الحرام.

وعبر تطبيق تنقل أتاحت الهيئة العامة للعناية بشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي إمكانية حجز عربة كهربائية، يستطيع القاصد الوصول إليها عبر نقاط عدة وهي (مدخل جسر المروة باب 25، مدخل سلم الأرقم باب 16، مدخل جسر أجياد باب 5، مدخل جسر الشبيكة باب 66، مدخل سلم أجياد الكهربائي باب 5)، كما أن العربات اليدوية توجد في موقعين هما (مدخل الساحة الشرقية باب السلام 19، ومدخل الساحة الغربية جسر أجياد).

وتتوفر كذلك خدمة دفع العربات المجانية تطوعًا بلا مقابل لكبار السن والأشخاص ذوي الإعاقة في موقعين، الأول عند مدخل أجياد من الداخل للدور الأرضي والذي يخدم المعتمرين في المطاف الأرضي، والموقع الثاني في الصفا الدور الثاني ويخدم المعتمرين في المسعى.

msg1391330512 2206msg1391330512 2207msg1391330512 2208msg1391330512 2209msg1391330512 2210msg1391330512 2211msg1391330512 2212msg1391330512 2214msg1391330512 2216msg1391330512 2217msg1391330512 2218msg1391330512 2219msg1391330512 2220
تطوّع الفرد والمؤسسات في خدمة ضيوف الرحمن في المسجد الحرام خدمة إنسانية يلقى القاصد أثرها في أرجاء البيت العتيق، ويشكل من خلالها التطوّع دعامة رئيسية لتحقيق تجربة دينية راسخة وذات جودة مرتفعة للحجاج والمعتمرين.

وحين تنظر إلى تأثير التطوع تراه بوضوح في أرجاء عدة، بدأً من استقبالهم للقاصدين بصدر رحب، بزيهم الذي يرمز إلى تطوعهم في خدمة ضيوف الرحمن، والتطوع لايقتصر على تقديم الإرشاد فقط، بل يتجاوز ذلك ليشمل خدمة دفع العربات مجانًا لكبار السن وذوي الإعاقة، وتوفير ظروف مريحة للصلاة والإقامة، وفي ذات الإطار يعمل المتطوعون على المساهمة في تقديم الإفطار للصائمين في أيام محددة من الأسبوع.

ويمتد دور المتطوعون إلى تقديم خدمات الرعاية الصحية في أوقات الذروة، حيث تنظم فرق طبية متخصصة للتأكد من سلامة وصحة الزوار أثناء أداء شعائرهم، بما يعزز التعاون بين إدارات الهيئة العامة للعناية بشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي والجهات المساندة في خدمة ضيوف الرحمن في بيته العتيق.

وختاماً رؤية المملكة العربية السعودية 2030 تسعى إلى تحقيق تحول شامل وتطوير في مختلف القطاعات، ولها دور هام في تعزيز ثقافة التطوع والمساهمة المجتمعية. وقد قامت المملكة بتطوير منصات إلكترونية وبرامج تشجيعية لتيسير تجربة التطوع وجعلها أكثر إيجابية؛ عبر الرابط التالي :
https://nvg.gov.sa/

كما عززت بدورها التعاون بين القطاعين الحكومي والخاص؛ لضمان تحقيق أقصى قدر من الفوائد من جهود التطوع وتحفيز المزيد من الأفراد على المشاركة في خدمة المجتمع.
خطب وأم المصلين في المسجد النبوي فضيلة الشيخ الدكتور عبدالباري بن عواض الثبيتي إمام وخطيب المسجد النبوي الشريف.
وبعد أن حمد الله تعالى بدأ خطبته بقوله: خلق الله الإنسان متقلب الأطوار، ينبض بالإحساس، ويفيض بالمشاعر، يتألم ويسكن، ويضعف ويعجز، ويخاف ويأمن، تعصف به مراحل الحياة في جراحاته وآلامه، وفي مواقف القهر والظلم، والخسارة والحرمان، والفقد والوجد؛ إنها سنة الله في خلقه، وطلب العيش بلا ألم، طلب محال كما قال تعالى: (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي كَبَدٍ) وهو سبحانه من يقدر الضر والنفع.
وأكمل: ما يصيب المرء من الآلام الحسية فيها والنفسية، بل والعضوية دليل على أن هذه الدنيا دار ابتلاء، قال الله تعالى: (وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ).
وبيّن فضيلته: الألم يوقظ من الغفلة، ويعرف بالنعمة، ويرشد الحيران، رحمة من الله قد تغيب عنا حكمتها؛ فكم من ألم مرض عضال غير مجرى الحياة، وكم من ألم نبه وأرشد إلى مرض صامت ينخر في الجسم وصاحبه لا يدري، مرارة الألم تذيقك حلاوة الصحة وطعم الراحة وأنس العافية؛ فالألم نعمة تستحق الشكر، ومهما امتد فإنه زائل، ومهما طال فانه ماض، ومهما اشتدت حرارته فإنه إلى أفول، ويعقبه فرج وخير وتمكين؛ يوسف عليه السلام تأمر إخوته عليه، وألقوه في الجب، وراودته امرأة العزيز، وكادت له النسوة، ودخل السجن، ثم أعقب سنين المعاناة نصرًا وتمكينًا وعزًا؛ ورسول الله صلى الله عليه وسلم مكر به الماكرون في كل خطوة من خطوات حياته، وكاد له الكائدون في كل مرحلة من مراحل سيرته؛ حتى قال: «أوذيت في الله وما يؤذى أحد»، فماذا كان بعد؟ لقد ذهب المكر وأهله، والكيد وجنده، إلى مزبلة التاريخ، وتلاشى، وبقيت دعوته ورسالته وأمته يزهو بريقها، ويمتد إشعاعها، ويتعاظم أثرها، وتشتد جذورها.
وأوضح فضيلته: المسلم يعلم يقينًا أن الألم يعقبه أمل، وفي ردهاته غنيمة، وعاقبته حميدة، والخير الآجل لا يبصره المرء في حينه، والصبر على لأوائه يفجر سيلاً من الحسنات، كم من الهموم والغموم التي تخيم على حياتنا ثم تنقشع بفجر صادق ويوم مشرق؛ وهناك عاقبة متحققة في دار خلودها دائم، ونعيمها قائم، هي عزاء لكل متألم، وعوض لكل مغبون؛ حتى إنه ليغمس في الجنة غمسة واحدة فيقال له: «هل رأيت بؤسًا قط؟ هل مر بك شدة قط؟ فيقول: لا والله يا رب، ما مر بي بؤس قط، ولا رأيت شدة قط».
وبيّن فضيلته: والناس مع الألم أصناف يتفاوتون على قدر إيمانهم ويقينهم وعزمهم وقوة إرادتهم؛ فمنهم من يفقد توازنه، وتهتز قواه، وتخور عزيمته، وتسلب إرادته، ويتسلط عليه الوهم والخوف، ويغدو يائسًا بائسًا، ومن الناس من تمده عقيدته بالثبات، ويغذيه إيمانه بالصبر، فيجعل من الألم أملًا، ومن الحزن فرحًا، ومن الضعف قوة؛ ومع كل ذلك؛ فإن المسلم المهتدي يفقه وجوب مدافعة الألم ورفعه بالوقاية أولًا من مسبباته، وبتحصين نفسه من مباشرة الفتن الموجعة، ومقاربة الأخطار المحدقة، وذلك بالذكر والدعاء والتضرع إلى الله، والتداوي وفعل الخير والإحسان.
وأكمل فضيلته: جدير بالذكر أن في حياة المسلم ألمًا محمودًا يدفع إلى العمل، ويهذب السلوك، ويقوم السير؛ ومن الألم المحمود ما يورثه الغضب لله تعالى حين تمتهن شعائر الله ويستهان بحرمات الله.
وأوضح الشيخ الثبيتي: الشأن في المسلم أنه يشعر بآلام الموجوعين؛ فيشاطر المرضى آلامهم بزيارتهم ومواساهم، وتسلية المتوجع، وإدخال السرور عليهم، وتذكيرهم بالأجر والصبر.
واختتم فضيلته الخطبة بقوله: نشيد هنا بالحملة المباركة التي دعا إليها خادم الحرمين الشريفين - حفظه الله بالتبرع لدعم المحتاجين في غزة، عبر القنوات الرسمية، والتجاوب الكبير من أبناء وطن معطاء، يبذل بسخاء، وقد أتت أكلها، ووصلت إلى مستحقيها، قال تعالى: (الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ).

2830182A 4AA1 4C33 A462 446E6F915A56A413D1B0 BC3D 4699 972D 49D7759ADBEABF250087 2F43 4D0E A809 0AF21AC71BA8

أمّ المسلمين اليوم لصلاة الجمعة في المسجد الحرام فضيلة الشيخ الدكتور فيصل بن جميل غزاوي إمام وخطيب المسجد الحرام، واستهل فضيلته خطبته الأولى قائلاً: إن من الأمور الهائلة التي ستكون يوم القيامة أن يصير السِّرُّ عَلَانِيَةً وَالْمَكْنُونُ مَشْهُورًا، كما أخبرنا الله تعالى عن ذلك في كتابه فقال: ﴿يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ﴾ فتُختبر الضمائر وتُكشف الأسرار وتُعْرَف العقائد والنيات الصَّالحة من الفاسدة والسَّليمة من المَعِيْبة وتُكْشَفُ بَواطِنُ الأمُور.

عباد الله: يوم القيامة يَظهر ما كان في القلوب من خيرٍ وشرٍّ على صفحاتِ الوجوه: ﴿يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ﴾ قال ابن القيم -رحمه الله-: "فمَنْ كانت سَرِيرتُه صالحة؛ كان عَمَلُه صالحًا، فتبدو سريرتُه على وجهه نورًا وإشراقًا وحسنًا، ومَنْ كانت سريرتُه فاسدة؛ كان عمله تابعًا لسريرته، لا اعتبار بصورته، فتبدو سريرته على وجهه سوادًا وظُلمةً وشَينًا". 

وبين الشيخ غزاوي بأن الواجب علينا أن نستشعر عظمة ذلك الموقف الجليل الذي نعرض فيه للحساب وتظهر فيه الخفايا والخبايا ﴿يَومَئذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنكُمْ خَافِيَةٌ﴾ إنه العرض على عالِم السر والنجوى الذي لا يخفى عليه شيء من أمورنا، بل هو عالم بالظواهر والسرائر والضمائر وقَال تَعالى: ﴿هُنالِكَ تَبْلُو كُلُّ نَفْسٍ ما أسْلَفَتْ﴾ وقال سبحانه ﴿أفَلا يَعْلَمُ إذا بُعْثِرَ ما في القُبُورِ وَحُصِّلَ ما في الصُّدُورِ﴾، فإلى كل من أيقن أن الله يراه حيث كان وأنَّه مُطَّلعٌ على باطنه وظاهره، وسرِّه وعلانيته، تدارك أمرك من الآن، واحذر الغفلة والعصيان، واقبل الرشد والنصيحة واعمل على ترك ما يوجب العار والفضيحة، يوم تكشف السجلات، وتنشر الصحيفات، ولا يبقى فيه شيء مستور، بل يحصل ما في الصدور. 

وأضاف فضيلته قائلاً: ﴿يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ﴾ إنها موعظة بليغة لكل غادر؛ إذ سيُعلم غدا نتيجةُ عملِه بظهور سريرته وافتضاح أمره، فقد صح عنه ﷺ أنه قَالَ: (يُرْفَعُ لِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءٌ عِنْدَ اسْتِهِ يُقَالُ: هَذِهِ غَدْرَةُ فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ).

﴿يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ﴾ إنها أعظـم زاجـرٍ وأبلـغ موعظـة لكل من اغتر بسِتر الله وحلمه، ممن أقام على ذنوب الخلوات فاستوجب مقت رب البريات، ولم يستشعر ذلك اليوم الذي تكشف فيه الأسرار وتهتك الأستار، فيامن سترك الله حال الخلوات ولم يفضحك لا تغفل، واحذر عبد الله من استمراء المعاصي بإطلاق بصرِك في مشاهدة القبائح والمنكرات، والاسترسال في الباطل بإصغاء سمعك للمحرمات، وتذكر أن سريرتك التي لا يطلع عليها أحد الآن إلا الله، سينكشف الحُجب عنها يومًا ما، فقد جاء عنه صلى الله عليه وسلم، أنه قال: (لأعلمنَّ أقوامًا مِن أمتي يأتون يوم القيامة بحسناتٍ أمثالِ جبالِ تِهامةَ بيضًا، فيجعلُها الله عز وجل هباءً منثورًا)، قال ثوبان رضي الله عنه: "يا رسولَ الله، صِفْهم لنا، جَلِّهم لنا؛ ألا نكونَ منهم ونحن لا نعلم"، قال: (أَمَا إنهم إخوانُكم، ومن جِلْدتِكم، ويَأخُذُون من الليل كما تأخذون، ولكنهم أقوامٌ إذا خلَوا بمحارم الله انتهكوها).

 ﴿يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ﴾ يالها من موقظة مذكرة تكشف حال من كان ديدنه الغشَّ والمكرَ والخديعةَ وسوف يظهر عواره يوم الخزي والفضيحة كما جاء في قوله عليه الصلاة والسلام: (من غشَّنا فليسَ منَّا، والمَكرُ والخِداعُ في النَّارِ) فهو تَهْديدٌ ووعيد لِمَن تَمادَى في الغِشِّ، ألا وإن المَكْرَ والخِداعَ من أنْواعِ الغِشِّ يُؤَدِّيانِ بصاحِبِهما إلى النارِ.

﴿يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ﴾ فيا ويح كل منافق ومراءٍ يُظهر خلاف ما يُخفي ويُسِرُّ، فأكبر مصيبة تنزل به وأخطر ما يدهمه حين ينكشف أمره وعندما يَلْقَى ربَّه يوم القيامة، وتبلى السرائر: أي تخرُج مخبَّآتُها وتظهر، فلا يستطيع العبد حينها سترَ ما بدا من سيئاته، وما كان يُضمر من خبث نياته.قال تعالى: ﴿يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا﴾، وكَفى بِهَذِهِ الآيَةِ ناعِيَةً عَلى النّاسِ ما هم عَلَيْهِ مِن قِلَّةِ الحَياءِ والخَشْيَةِ مِن رَبِّهِمْ أنَّهم في حَضْرَتِهِ لا سُتْرَةَ ولا غَفْلَةَ ولا غَيْبَةَ، ولَيْسَ إلّا الكَشْفُ الصَّرِيحُ والِافْتِضاحُ، وهو سبحانه مُطَّلع على سرائرهم وعالم بما في ضمائرهم، ويوم القيامة ستظهر أعمالهم وتنكشف أسرارهم ﴿يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ لَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ﴾ أَيْ: ظَاهِرُونَ بَادُونَ كُلُّهُمْ، لَا شَيْءَ يُكِنُّهُمْ وَلَا يُظِلُّهُمْ وَلَا يَسْتُرُهُمْ، وَالْجَمِيعُ فِي عِلْمِ الله عَلَى السَّوَاءِ.  


وفي الخطبة الثانية أوضح فضيلة الشيخ غزاوي قائلاً: فقد أمر الله عباده أن يتركوا ما ظهر من الآثام وما استتر كما جاء في قوله عز وجل: ﴿وَذَرُوا۟ ظَـٰهِرَ ٱلۡإِثۡمِ وَبَاطِنَهُ إِنَّ ٱلَّذِینَ یَكۡسِبُونَ ٱلۡإِثۡمَ سَیُجۡزَوۡنَ بِمَا كَانُوا۟ یَقۡتَرِفُونَ﴾ ففيه النَّهْيُ عَنِ الإثْمِ مَعَ بَيانِ أنَّهُ لا يخرجه من معنى الإثم بِسَبَبِ إخْفائِهِ وكِتْمانِهِ. والمراد بالإثم في الآية: جميع المعاصي التي تُؤثِّم العبد، أي: توقعه في الإثم والحرج، ومع الأمر الأكيد في ترك جميع المحرمات والوعيد الشديد لكاسبي الإثم، إلا أن كثيرا من الناس تَخفى عليه كثير من المعاصي، خصوصاً معاصي القلب؛ كالكبر والعُجب والرياء والحسد والغل والحرصِ على الشُّهرة والظُّهور وإرادَةِ السَّوْءِ لِلْمُسْلِمِينَ، حتى إنه يكون به كثير منها، وهو لا يُحس به ولا يشعر، وهذا من الإعراض عن العلم وعدم البصيرة في الدين.

ومما جاء في وصيته صلى الله عليه وسلم لأبي ذر رضي الله عنه: (أوصيك بتقوى الله تعالى في سِرِّ أمرِك وعلانيته)، وقال بلال بن سعد رحمه الله: "لا تكن وليا لله في العلانية وعدوَّه في السريرة ".

وإن من الناس من يخشى من اطلاع الناس عليه حال المعصية ويجعل ربه أهون الناظرين إليه مع أنه سيُحاسب عن كل ما أسرَّه وأخفاه، وما أظهره وأبداه، والله جل جلاله أحقُّ بالخوف والخشية؛ قال ابن الأعرابي رحمه الله: "أخسرُ الخاسرين مَن أبدى للناسِ صالح أعماله، وبارَز بالقبيح من هو أقربُ إليه من حبل الوريد" وقال بعض العلماء: "وقد يُخفي الإنسان ما لا يرضاه اللهُ عز وجل، فيُظهِره الله سبحانه عليه ولو بعد حين، ويُنطِق الألسنة به وإن لم يشاهده الناس، وربما أوقع صاحبَه في آفةٍ يفضحه بها بين الخلق، فيكون جوابًا لكلِّ ما أخفى من الذنوب؛ وذلك ليَعلم الناس أن هناك مَن يُجازي على الزلل  ".

 واختتم فضيلة خطيب المسجد الحرام خطبته بقوله: وأما المؤمن فيحرص على إخلاص العمل لله ومراقبة مولاه ويخشى من سوء العاقبة فعن ابن أبي مليكة رحمه الله قال: "أدركت ثلاثين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كلُّهم يخاف النفاق على نفسه"، وكان الحسن البصري رحمه الله يقول: ما خافه (أي النفاق) إلا مؤمن، ولا أمنه إلا منافق، وعن عكرمة بن عمار رحمه الله قال: جزع محمّد بن المنكدر عند الموت فقيل له: تجزع؟! فقال: أخشى آية من كتاب الله تعالى ﴿وَبَدا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ ما لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ﴾ فأنا أخشى أن يبدو لي من الله ما لم أحتسب". وهكذا يكون المؤمن دائم الإجلال والتعظيم لربه المطلع على ضميره وباطنه القريبِ منه في جميع أحواله كما قال عز وجل ﴿ونحنُ أقرب إليه من حبل الوريد﴾، فيستحيي منه أن يراه حيث نهاه أو يفقده حيث أمره.

2C927745 771F 46A3 BED8 DDE2ADA33F232294AD26 7111 44C1 BD24 7A05A6B46F2D48C67A09 886A 46E1 955D B5F9AA2CD996DAC6F9FD 54A1 4582 9C6E 524D7EDDD4AE4413BB81 7B4F 4D52 833C B57D6D5A0DA5BF6151C3 8542 40DD B295 8A800E22592D22D4AB73 0D51 477F 874C 99C6CA1E45A32DDB1EBE 58DC 41D3 BF49 60BB619E152C37D75F24 0186 4258 8A85 CF67BF56E7F4
الصفحة 2 من 2