خطب وأمّ المصلين لصلاة الجمعة في المسجد الحرام إمام وخطيب المسجد الحرام فضيلة الشيخ الدكتور بندر بن عبد العزيز بليلة، واستهل خطبته قائلًا: الحمدُ لله يَمُنُّ على من يشاءُ من عبادهِ بالتّوفيقِ، أحمدهُ سبحانهُ هدانا لأفضلِ شريعةٍ وأقومِ طريقٍ، أشهدُ ألّا إلهَ إلّا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لهُ، نادى عبادَهُ فلبَّوْا نداءَهُ من كلِّ فجٍّ عميقٍ، وأشهدُ أنَّ سيِّدَنا ونبيَّنا محمّدًا عبدُهُ ورسولُهُ، ذو الخلُقِ الأكملِ والنَّسبِ العريقِ، صلَّى اللهُ وسلَّم وباركَ عليهِ، وعلى آلهِ وصحبِهِ، أُولِي الفضلِ والتّصديقِ، أما بَعْدُ:
أوصيكُمْ ونفسي بتقوى اللهِ عزَّ وجلَّ، فاتَّقُوا اللهَ رحمكُمُ اللهُ، فإنَّ من اتّقاهُ وقاهُ، وفرَّجَ همّهُ وكفاهُ، ويسّرَ أمرَهُ وأدناهُ، وبلّغَهُ مُناهُ وحققَ لهُ مُبتغاهُ، وصرفَ عنهُ السُّوءَ، وجنّبهُ خُطاهُ.
عبادَ اللهِ: ها قد دارَ الزَّمانُ دَوْرتَهُ، وأظلّتكُمْ فيهِ خيرُ أيّامِ الدُّنيا، أيّامُ عشْرِ ذي الحجّةِ، الَّتي عَظَّمَ اللهُ أمرَها، ورفَع قدرَها، وأعلَى شأْنَها، فنَهَلْتُم مِن مَنبعِها العذبِ، واغترفتُم مِن معِينِها الَّذِي لا ينْضَبُ، أفضْلَ الأعمالِ وأزْكاها، وأجلَّ القُرباتِ وأَسْناها، تَسلَّمها المولى منكُم كما سلَّمَكُم إيّاها، مقبولةً بقَبُولٍ حسَنٍ، مشمُولةً منهُ بالرِّضَى الأتمِّ الـمُستحْسَنِ.
أيها المسلمونَ: حجُّ بيتِ اللهِ الحرامِ، مَنسكٌ عظيمٌ، فيه تتلاشَى النِّزاعاتُ، وتذوبُ الخلافاتُ، وتتهاوَى النَّعراتُ، وتتجهُ النفوسُ إلى ربِّ الأرضِ والسماواتِ، لا مجالَ فيهِ للتّباهِي بالألوانِ والأجناسِ، ولا فضلَ فيه لأحدٍ من النَّاسِ على النَّاسِ إلّا بالتقوى، خيرُ لباسٍ، عن أبي هريرةَ رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: (إنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ أَذْهَبَ عَنْكُمْ عُبِّـيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ، وَفَخْرَهَا بِالْآبَاءِ، مُؤْمِنٌ تَقِيٌّ، وَفَاجِرٌ شَقِيٌّ، وَالنَّاسُ بَنُو آدَمَ، وَآدَمُ مِنْ تُرَاب) أخرجهُ الإمامُ أحمدُ في مسندهِ وأبو داودَ في سننِهِ، والعُبِّـيَّةُ: الكِبْرُ والفَخْرُ.
فتزوَّدُوا عبادَ اللهِ، فإنَّ خيرَ الزّادِ التقوى، واستمسِكُوا مِن دينكُم بالعُروةِ الوثقى، وعليكُم بالجماعةِ، فإنَّ يدَ اللهِ مع الجماعةِ، ومَن شذَّ شذَّ في النّارِ عياذًا بالله.
وقال فضيلته في خطبته الثانية: الحمدُ للهِ ذي الجلالِ والإكرامِ، والطَّوْلِ والإنعامِ، أحمدُه سبحانَهُ وأشكرُه، على آلائهِ العظامِ، ومِنَنِه الجسامِ، والصلاةُ والسلامُ، على خيرِ الأنامِ، نبيِّنا محمّدٍ، خيرِ مَن صلّى وقامَ، وحجَّ وصامَ، وعلى آلِه وصحبِهِ، الخِيَرَةِ الكرامِ، وبعدُ:
التوحيدُ عبادَ الله، هو الحسنةُ التي لا تعدلُـها حسنةٌ، والقربةُ التي لا تُوازيها قربةٌ، فحسنةُ التّوحيدِ تأتي على السيئاتِ فتمحُوها، وعلى الآثامِ فتجلُوها، عن عبدِ الله بنِ مسعودٍ رضي الله عنه حينما أُسريَ بالنبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: (فَأُعْطِيَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ثَلَاثًا: أُعْطِيَ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ، وَأُعْطِيَ خَوَاتِيمَ سُورَةِ الْبَقَرَةِ، وَغُفِرَ لِمَنْ لَمْ يُشْرِكْ بِاللهِ مِنْ أُمَّتِهِ شَيْئًا، الْمُقْحِمَاتُ) أخرجهُ مسلمٌ.
قال أهلُ العلمِ رحمهُم اللهُ: الـمُقْحِماتُ: الذنوبُ العظامُ التي تُقحمُ وتُدخلُ صاحبَها النارَ ـ عياذًا باللهِ ـ.
فاحرِصُوا عبادَ اللهِ على تحقيقِ التوحيدِ، واحذرُوا ممّا يُعكّرُ نقاءَهُ، ويَخدِشُ صفاءَهُ، وتمسَّكُوا بالسنةِ، وجانبُوا أهلَ الأهواءِ والبدعِ المُضلَّةِ، فالعبادةُ لا تُصرفُ إلّا للهِ وحدهُ، لا لملَكٍ مُقرَّبٍ، ولا لنبيٍّ مرسلٍ، فضلًا عمّن دونهُم من الأولياءِ والصالحينَ، ممّن لا يملكُ لنفسهِ نفعًا ولا ضرًّا، ولا موتًا ولا حياةً ولا نُشُوراً.
واشكروا اللهَ على هذهِ النّعمةِ العظيمةِ، وجاهدوا أنفسَكُم عليها، فإنَّ رُتبةَ أحدِكُم عندَ ربِّهِ بقدرِ ما حقّقَ من أصلِها وكمالِـها.
وختم فضيلته اللهُمَّ فرِّجْ هَمَّ المهمومينَ من المسلمينَ، ونفِّس كربَ المكروبينَ، واقضِ الدَّيْنَ عن المدِينِينَ، واشْفِ مرضانا ومرضَى المسلمينَ، برحمتِكَ يا أرحمَ الراحمينَ.
اللهُمَّ آمِنَّا في أوطانِنا، وأصلِح أئمَّتَنا وولاةَ أمورِنا، وأَيِّد بالحقِّ والتوفيقِ إمامَنا ووَليَّ أمرِنا، اللهُمَّ وفِّقْهُ ووَليَّ عهدِهِ لِـما فيهِ صلاحُ البلادِ والعبادِ، وعِزٌّ لِلإسلامِ والمسلمينَ يا ربَّ العالمينَ.
اللهُمَّ سَدِّد جُندَنا المرابطينَ على الحدودِ والثُّغورِ، اللهُمَّ كُن لـهُم مُعينًا ونصيرًا، ومؤيِّدًا وظَهيرًا، اللهُمَّ احرُسْهُم بعَيْنِكَ الَّتِي لا تنامُ، واكنُفْهُم برُكنِك الَّذي لا يُرامُ يا ربَّ العالمينَ.
اللهُمَّ تقبَّل من الحجّاجِ حَجَّهُم، ويسِّر لهم أُمورَهُم، ووفقْهُم لأداءِ مناسكِهِم على الوجْهِ الَّذي يُرضيكَ عنهُم، ورُدَّهُم إلى أوطانِهِم سالمينَ غانمينَ مأجُورينَ يا ربَّ العالمينَ.
اللهُمَّ اِجزِ خادمَ الحرمينِ الشَّريفينِ ووَلِيَّ عهدِهِ الأمينَ، خيرَ الجزاءِ وأوفاهُ، وأجْزلَهُ وأَسْماهُ، على ما يُقَدِّمونَهُ للإسلامِ والمسلمينَ، واجعَلْ ذلكَ في موازينِ أعمالِهما يومَ القيامَةَ يا ربَّ العالمين.
اللَّهُمَّ وفِّق جميعَ القائمينَ على خدمَةِ ضيوفِ الرحمنِ، برحمتِكَ يا كريمُ يا منَّانُ.
اللهُمَّ اقسِم لنا من خشيتِك ما تحولُ به بيننا وبينَ معاصِيك، ومِن طاعتِك ما تُبَلِّغُنا به جَنَّتَك، ومن اليَقينِ ما تُهَوِّنُ به عليْنا مصائبَ الدُّنْيا، ومَتِّعْنا اللَّهُمَّ بأسماعِنا وأبصارِنا وقُوَّاتِنا أبدًا ما أَبْقَيْتَنا، واجعلْهُ الوارثَ منَّا، واجعلْ ثأرَنا على من ظَلمَنا، وانصُرْنا على من عادانا.