الاخبار الرئيسية - AR

الاخبار الرئيسية - AR (11798)

فئات موروثة

إقامة صلاة الغائب على المغفور له أمير دولة الكويت الشقيقة بالمسجد الحرام

إقامة صلاة الغائب على المغفور له أمير دولة الكويت الشقيقة بالمسجد الحرام (0)

بتوجيه من لدن خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود أقيمت صلاة الغائب على سمو الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح أمير دولة الكويت الشقيقة – رحمه الله – بالمسجد الحرام والذي وافته المنية يوم أمس الاثنين الموافق 12/2/1442هـ .
وقد أم المصلين لصلاة الغائب معالي الرئيس العام لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي الشيخ الأستاذ الدكتور عبدالرحمن بن عبدالعزيز السديس، بحضور عدد من قيادات الرئاسة، وأوضح معالي الشيخ السديس أن إقامة صلاة الغائب على سمو الشيخ صباح الأحمد الصباح في الحرمين الشريفين تعكس عمق الترابط العميق بين دولتنا المباركة -حماها الله-ودولة الكويت الشقيقة -رعاها الله-، مؤكداً معاليه أن فقيد دولة الكويت فقيد للأمة العربية والإسلامية، داعيًا الله أن يحفظ خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده الأمين - أيدهما الله -، ويديمهما ذخرًا للوطن والمواطنين، وأن يحفظ دول الخليج من كل سوء ومكروه , وأن يرحم سمو أمير دولة الكويت وأن يسكنه فسيح جناته.

590375A9 C487 4FC7 864D 4D5693FBACDD3E7A10AC 149C 41EE 9F31 668AE8D3A458D691A152 12E5 4987 8006 8FFA9500BE46FDDFBA82 DBE1 49A5 861B 7C50D4FF21E67F87ADAE A06E 4CD2 B079 EFD3F8E1F9E6331D9F6B 4377 4620 B552 77F94AC7097B3541C52E 6DAE 49AB 9E55 BC7DE0F17A83A7FE89C2 559A 43E3 8B02 54576F25B7F5


عرض العناصر...
السلامة في المسجد الحرام تتابع سير أعمالها

السلامة في المسجد الحرام تتابع سير أعمالها (0)


عقد سعادة مساعد مدير عام السلامة مدير إدارة السلامة بالمسجد الحرام الأستاذ حسين بن حسن العسافي اجتماعاً بسعادة وكيل الإدارة الأستاذ فيصل من محمد العبدلي، ورؤساء الورديات؛ لمناقشة واستعراض الخطة التشغيلية ومهام الإدارة.

وأوضح العسافي ضرورة مواصلة ومضاعفة الجهود وتهيئة السبل لتأدية الزوار والمعتمرين نسكهم بكل ويسر وسهولة، ومتابعة استمرارية الأعمال على أكمل وجه لتحقيق السلامة في كافة أنحاء المسجد الحرام.

ويأتي الاجتماع بإشراف ومتابعة سعادة مدير عام السلامة المهندس بسام بن سعيد العبيدي وتوجهات سعادة وكيل الرئيس العام للأمن والسلامة ومواجهة الطوارئ والمخاطر الأستاذ فايز بن عبد الرحمن الحارثي؛ المبنية على توجيهات معالي الرئيس العام الشيخ الدكتور عبدالرحمن بن عبدالعزيز السديس.

عرض العناصر...
قيم الموضوع
(3 أصوات)

أمّ إمام وخطيب المسجد النبوي الشريف فضيلة الشيخ الدكتور علي الحذيفي المصلين بالمسجد النبوي لصلاة الجمعة واستهل خطبته قائلاً: يا بني آدم قد خلقكم الله تعالى لأمر عظيم وشأن كبير ، تخلت أن تحمله السموات والأرض وأشفقت من القيام به خوفاً من أن تضيعه فتعذب أو تقصر فيه فتلام ويصيبها بما قصرت فيه حساب الله وعقابه ألا إن هذا الأمر العظيم وهو عبادة الله تبارك وتعالى بإحسان وإصلاح الأرض بشرع الله واجتناب المظالم والمحارم.

وأضاف فضيلته: يا ابن آدم تفكر في مبدأ أمرك ونهايته وما بين البداية والنهاية من الأحوال المتقلبة، قال تعالى: لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي كَبَدٍ ، قال المفسرون: خلق الله الإنسان يلاقي ويواجه شدائد الدنيا والآخرة ومشاقها ثم يكون النعيم بعد ذلك للصابرين المتقين والعذاب لمتبعي الهوى والشهوات المحرمة، قال تعالى: ﴿ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ ﴾.

وأوضح الشيخ الحذيفي: إن الحساب عسير وإن الناقد بصير وإن الله لا يخفى عليه شيء وهو عليم بذات الصدور، لن تزول قدما عبد يوم القيامة ولن تنتقل من مكانها لجواز الصراط المضروب على متن جهنم إلى الجنة حتى يُسأل عن أربع عن عمره فيما أفناه ، يوماً بعد يوم وليلة بعد ليلة، فإن أجاب ربه بالصدق وأفنى عمره في طاعات مولاه فيا فوز الطائعين، قَالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّدِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَرُ خَلِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ الفوز العظيم.

وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه، وهذا سؤال صعب ووقوف فيه كرب عن مداخل الأموال وكيفية مخارجها وسبل إنفاقها، والمال الحلال يدخل به الصالح أعلى الجنات، والمال الحرام يشقى به صاحبه في حياته ويشقى به ورثته الشؤمه بعد وفاته، عَنْ خَوْلَةَ الْأَنْصَارِيَّةِ – رضي الله عنها - قَالَتْ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «إِنَّ رِجَالًا يَتَخَوَّضُونَ فِي مَالِ اللَّهِ بِغَيْرِ حَقٍ، فَلَهُمُ النَّارُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.» رواه البخاري.

فما أعظم مسؤولية المال وما أكثر شره وفساده لمن أنفقه على الشهوات وحرم المستحقين منه، وعن علمه ماذا عمل به والعمل بالعلم هو تعليمه لمن يحتاج إليه والأمر فيه بالخير والنهي فيه عن الشر، فيأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، فأعظم إحسان هداية الإنسان للهدى ونهيه عن الردى.

وفي ختام خطبته أوصى الحذيفي قائلاً: اتقوا الله حق التقوى وتمسكوا بالعروة الوثقى فمن تمسك بتقواه فاز بالخير ونجا من الشرور والمهلكات، فما من خير يناله المسلم في هذه الدنيا والآخرة إلا أجراه الله على يديه.

WhatsApp Image‏ 1446 03 10 at 14.01.30WhatsApp Image‏ 1446 03 10 at 14.01.42WhatsApp Image‏ 1446 03 10 at 14.01.52
قيم الموضوع
(1 تصويت)

أمّ إمام وخطيب المسجد الحرام فضيلة الشيخ الدكتور أسامة خياط المصلين في يوم الجمعة بالمسجد الحرام واستهل خطبته قائلًا : أيها المسلمون لئن كثُرت نِعمُ الربِّ على عباده، وتنوَّعَت مِنَنُه، وعظُمَت آلاؤُه، فاستوجَبَت شُكرًا يُعقِبُ لهم منه المزيد، فإن النعمةَ العُظمى -بعد نعمة الهداية إلى دين الله القويم وصراطه المستقيم- هي المِنَّةُ الربانيَّةُ الكريمة، ببِعثة هذا النبي الكريم، يقرأ عليهم آيات كتابه العظيم، ويطهرهم من ذنوبهم باتباعهم إياه، وطاعتهم له فيما يأمرهم به وينهاهم عنه، ويعلمهم كتاب ربهم الذي أنزله عليه، ببيان معانيه وأحكامه، ويوضح لهم سنته التي سنها للمؤمنين، فيستنقذهم مما كانوا فيه من الضلالة، ويبصرهم بعد العماية، كما قال عز اسمه: ﴿لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾.

وإن النبي صلوات الله وسلامه عليه، مرسل من ربه عز وجل إلى قومه بلسانهم، فليس متهمًا عندهم، ولا يأنفون من الأخذ عنه، وهو في غاية النصح لهم، والسعي في كل ما به صلاح أحوالهم، وسعادتهم ونجاتهم، ويشق عليه ما يشق عليهم، ويحب الخير لهم، ويسعى جاهدًا في إيصاله إليهم، ويحرص على هدايتهم، ويكره الشر لهم، ويسعى في تنفيرهم منه، وذلك لشدة رأفته ورحمته ورفقه بهم، كما قال سبحانه: ﴿لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ﴾،

وأضاف الدكتور خياط: ولذا كان حقه صلى الله عليه وسلم على أمته مقدمًا على كل الحقوق، وفي الطليعة من ذلك وجوب الإيمان بأنه عليه الصلاة والسلام خاتم النبيين، فلا نبي ولا رسول بعده، كما قال تعالى: ﴿مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَٰكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا﴾ ، والإيمان بأنه صاحب الشفاعة العظمى التي يتخلى عنها أولوا العزم من الرسل، ومن حقه عليه الصلاة والسلام على الأمة محبَّتُه محبَّةً تفوقُ محبَّة الوالد والولد والناس كافَّة، كما جاء في الحديث الذي أخرجَه الشيخان في صحيحيهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لا يُؤمنُ أحدُكم حتى أكون أحبَّ إليه من والدِه وولدِه والناسِ أجمعين".

مشيراً فضيلته: أن الصادقَ في محبَّته صلى الله عليه وسلم لا بُدَّ أن تظهرَ علامةُ صِدقِه، وإلا كانت دعوَى لا بيِّنةَ عليها، والبيِّنةُ الدالَّةُ على صِدقِ دعوَى المحبَّة، تتجلَّى في علاماتٍ وأماراتٍ، أهمُّها: الاقتِداءُ به والعملُ بسُنَّته، والتأدُّبُ بآدابه في العُسر واليُسر والمنشَط والمكرَه، وإيثارُ ما صنعَه صلى الله عليه وسلم على هوَى النفس، ونُصرةُ دينِه، والذبُّ عن سُنَّته، والذَّودُ عن شرعِه، وكثرةُ ذِكرِه عليه الصلاة والسلام، فإن من أحبَّ شيئًا أكثرَ من ذِكرِه، وكثرةُ الشوقِ إلى لقائِه عليه الصلاة والسلام، وإن من صدق المحبة له عليه الصلاة والسلام، الإكثارُ من الصلاة عليه، فإنه من صلَّى عليه صلاةً صلَّى الله عليه بها عشرًا، كما ثبَت ذلك فيما صحَّ عنه صلى الله عليه وسلم، لاسيَّما في المواطِن التي يُستحبُّ فيها، كأول الدعاء وآخره، وعقِب الأذان، وعند ذِكرِه، وعند دخول المسجد والخروج منه، ويوم الجمعة وليلته، وفي التشهُّد.

مبيناً أن من لوازم محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم طاعته في كل شأن، وقد أمرَ سبحانه بها فقال: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ﴾، وأخبرَ تعالى ذِكرُه أن من أطاعَه عليه الصلاة والسلام فهو مُطيعٌ لله، ومن عصاهُ فقد عصَى اللهَ عز وجل، لأنه لا يأمرُ إلا بأمرِه سبحانه، ولا ينهَى إلا بنهيِه، وإنما تتحقَّقُ طاعتُه صلى الله عليه وسلم بالاقتِداء به واتباعه، والاهتِداء بهديِه، والاستِنان بسُنَّته، وبالتحاكُم إليه في كل الأمور، والرِّضا بحُكمه.

واختتم فضيلته خطبته قائلاً عباد الله: لقد أوجب الله عز وجل التأسي بالنبي صلى الله عليه وسلم، مبيِّنًا أنه القدوة الحقة لكل مؤمن بالله واليوم الآخر، يستعصم بها من الضلال، ويبلغ بها ما يأمل من الرِّضوان، ونزول رفيع الجنان، فقال سبحانه: ﴿ لقد كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا﴾، فهديه صلوات الله وسلامه عليه، خير ما يَستمسِك به مَنْ أخلَص دِينَه لله، وابتغى الوسيلة إلى محبته ورضاه، فإنه أكمل الهدي، وأفضل الزاد ليوم المعاد.

HIM 3862HIM 3865 (1)HIM 3865HIM 3868HIM 3869HIM 3875 (1)HIM 3879 (1)HIM 3882HIM 3883HIM 3890
قيم الموضوع
(2 أصوات)
 
أمّ إمام وخطيب المسجد النبوي فضيلة الدكتور عبد الباري الثبيتي المصلين بالمسجد النبوي الشريف واستهل فضيلته خطبته قائلا: فأوصيكم ونفسي بتقوى الله؛ فهي زاد العبد وبها فلاحه في الدنيا والآخرة.
«مات فلان»؛ كلمة تتردد في كل وقت ،وأن، وتطرق الأسماع في كل حين؛ تغير مجرى الأحداث، وتشكل منعطفاً في الواقع، وصدمة في الحال؛ ففلان هذا كان قبل يروح ويجي، يحلم ويتمنى، ويأمل ويطيل الأمل، ويتقلب في دنياه وفي بيته بين أولاده وأسرته.
لقد كان يأمر وينهى، ويمشي في الأرض مرحاً؛ فإذا به قد أسلم الروح إلى باريها، وغدا جثة هامدة، البصر، لا يملك لنفسه شيئاً، ولا يقدر على شيء.
في هذه اللحظة لم يعد الموظف الكبير وصاحب السلطان العظيم؛ نزعت الألقاب وسقطت النياشين؛ خرج من منزله الواسع وقصره المنيف بلباس البياض، إلى حفرة يهال عليه التراب.
وحين ترى فلاناً مسجى جثة هامدة لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضراً؛ تتبين لك حقيقة ضعف الإنسان مهما تكبر، وعجزه مهما تعالى؛ فمن يرى نفسه الأرقى نسباً والأرفع حسباً والأكثر مالاً والمتغطرس والمتعالي؛ هذه نهاية قصته بالحياة الدنيا !!
يحتضر الإنسان؛ فيتحلق حوله أهله ويرون حاله ويرومون إنقاذه، ويطلبون الطبيب ولسان الحال: ولم أر الطبيب اليوم ينفعني؛ فهذا الأجل مكتوب، والأمر محتوم؛ بل تقف البشرية كلها عاجزة بما تملكه من علم وهي حريصة على الحياة أن تؤجل الأجل ساعة من نهار أو لحظة من زمان؛ إعجاز إلهي، وقدرة خالق.
متى الموت؟ وأين تقبض الروح؟ حجب ذلك كله في صحيفة الغيب.
لقد أصبح فلان في عداد الموتى؛ فهو لن يذهب غداً إلى وظيفته ولن يجلس على مكتبه! ولن يحتضن أطفاله ولن يلقى أحبته وأصدقاءه ! لقد طويت صحيفة أعماله وطويت معها آماله وأحلامه، وغدا المال مال الورثة! والبيت ضمن التركة! فالموت فاجأه بلا استئذان، وهذا حال كل إنسان. 
مات فلان؛ خبر يوقظ القلوب، ورسالة تذكير بالمآل المحتوم ؛ قال عمر رضي الله عنه: "كل يوم يقال مات فلان وفلان ولا بد من يوم يقال فيه مات عمر".
مات فلان؛ خبر مفجع؛ وهو أشد وقعاً وأوجع حالاً حين يتعلق الأمر بأحد والديك أو ولدك أو أخيك أو صديقك الحميم؛ والناس يتفاوتون في تحمل الصدمة عند تلقي الخبر على قدر إيمانهم، وبقدر رسوخ الإيمان يتحلى المرء بالصبر والاحتساب والرضا بقضاء الله وقدره .
إذا كان الأجل غيباً، وقد يكون اليوم أو غداً؛ وإن غداً لناظره لقريب؛ فإن أهل البصائر يعقدون العزم على الاستعداد بحسن الزاد يتفقد المرء ،عبادته، ويسبر مسار صلاحه ويراجع علاقته بخالقه؛ ويراجع كشف حسابه، ومسيرة عمله وصلاته، حقوق الآخرين عليه بر والديه صيامه زكاة ماله قراءة القرآن، موقفه من من المناهي والمحرمات. وفي الحديث يقول عليه الصلاة والسلام قال لي جبريل: يا محمد عش ما شئت فإنك ميت، وأحبب من شئت فإنك مفارقه، واعمل ما شئت فإنك ملاقيه» رواه البيهقي وحسنه الألباني.
سيحزن الأهل والأصحاب، وتبكي الزوجة والأولاد ألما على فراق فلان ومن طبيعة الحال والأحوال، ومع مرور الأيام والشهور؛ ستجف الدموع، وتختفي الأحزان، وتبقى الذكرى طيف من خيال؛ بل إنه ليصل، الحال كما أخبر رب العزة والجلال عن القيامة ذي الأهوال.
نرى هذه الحقيقة ماثلة للعيان في موت فلان حين يحمله على النعش أهله المحبون له، وأولاده المشفقون عليه، وبعد أن يوسد التراب؛ يرجع الجميع ولن يبقى معه بقبره سوى عمله؛ عمله الصالح رفيقه في قبره، ونعم المسكن لمن أحسن؛ يصور هذا المشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله : يتبع الميت ثلاثة، فيرجع اثنان ويبقى معه واحد : يتبعه أهله وماله وعمله، فيرجع أهله وماله، ويبقى عمله» رواه البخاري ومسلم.
واستهل فضيلته خطبته الثانية قائلا: بعد موت فلان؛ تنتشي الألسن بالحديث عن أثره وآثاره وحسناته وأخلاقه، الجار يثني على حسن جواره، والقريب يقدر صلته ،وإنفاقه والفقير يذكر صدقته وإحسانه.
يرحل أقوام وتبقى صحيفة أعمالهم ممتدة، وحسناتهم تتدفق وتتزايد؛ بوقف خالد، أو ولد صالح، أو علم في الأرض سائر ؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاثة صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له» رواه مسلم.
إلا من ومنهم من إذا مات تثاقلت الألسن عن ذكر أثره ، ووصف عمله؛ لسوء خلقه، وشناعة عمله؛ بل قد يدعو عليه مظلوم من شدة ما وجد من ظلمه؛ فكم من حقوق سلبها؟ ومظالم اقترفها؟ أو عمل شائن خلده بعد موته؟ مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بجنازة فقال: «مستريح ومستراح منه، قالوا: يا رسول الله، ما المستريح والمستراح منه؟ قال : العبد المؤمن يستريح من نصب الدنيا وأذاها إلى رحمة الله، والعبد الفاجر يستريح منه العباد والبلاد، والشجر والدواب» رواه البخاري، وقال تعالى: لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُم بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ .
GWyXZw0WgAArnJQGWyXZwIXQAAKIRt
قيم الموضوع
(5 أصوات)


أمّ وخطب المصلين لصلاة الجمعة من المسجد الحرام معالي الشيخ الدكتور صالح بن عبدالله بن حميد.

واستهل خطبته قائلًا: إن للحق نورا، وللفضيلة جمالًا، والحكمةُ البالغةُ، والموعظةُ الحسنةُ حين تكون في كلماتٍ رصينة، وخطابٍ رفيق تُقْبِل عليها النفوس، وتأنس بها العقول؛ من حجة ظاهرة، وبرهان جلي، في رفق وأدب: دالةٍ على أن لكل مقام مقالًا، ولكل طبقة خطابًا.

أيها المسلمون: يقول أهل العلم: الاستقامة على الحق تكون في سلوكِ سبيلِ الهدى، وطيبِ الغذاء، والجدِّ في تحصيل التقوى، وملازمةِ الذكر، ولزومِ الشرع، وتعظيمِ حرمات المسلمين، ومن استقام باطنه استقامت أموره.

والخيرُ في خمس خصال: لباسِ التقوى، والثقةِ بالله، وكسبِ الحلال، وغنى النفس، وكفِّ الأذى، وأدوأُ الداء خلقٌ دنيء، ولسانٌ بذيء.

واعلموا رحمكم الله أن إمهال الله ليس إهمالا، فالعبد مُساءل ومجازى، ولا يتعظ إلا أهل الخوف والخشية، وكفى بالمرء علمًا أن يخشى الله، وكفى به جهلا أن يعجب بعمله.

وليحذر العبد الناصح لنفسه من خشوع الظاهر وفجور القلب، وليستح العبد أن يُصلح ما ظهر للخلق، ولا يُصْلحْ ما يعلمه الخالق جل وعلا (إن الله لا ينظر إلى صوركم ولا إلى أعمالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم)، ومن أصلح سريرته أصلح الله علانيته، ومن ستر عورة أخيه ستر الله عورته، ومن تتبع عورة أخيه تتبع الله عورته ثم يفْضَحْه ولو في جوف بيته).

أيها المسلمون: والصدق يهدي إلى البر، والبر يهدي إلى الجنة، والكذب يهدي إلى الفجور، والفجور يهدي إلى النار، وصحبة الأشرار تورث سوء الظن بالأخيار، والحسد يُولِّد قلة الشفقة بالمسلمين، وبئس الزاد إلى المعاد العدوان على العباد.

ومِنْ ظُلْمِ العبد لنفسه أن يجد لنفسه عذراً في كل شيء ولا يعذر إخوانه في أي شيء، ولا يعتذر إلا القوي، ولا يسامح إلا الأشجع، ولا ينسى إلا الأسعد.

واعلموا – رحمكم الله – أن الخلق لا يذمون العبد إلا بمقدار ما جعل الله في قلوبهم، ومن خاف الله لم يضره أحد، ومن خاف غير الله لم ينفعه أحد، وعلى قدر حب العبد لربه يحبب إليه خلقه، وكلما زاد خوفه من ربه ألقى الله مهابته في عباده.

يا عبد الله: قُلْ الصدق، والزمْ الحق، واعمل الصواب، وسوف يرضى الناس ولو بعد حين، وهمُّ الدنيا ظلمة في القلب، وهمُّ الآخرة نور في القلب، والغضبُ عقابٌ يعاقب به المرء نفسَه والمخطئُ غيرُه، والصداقة خسارة إلا ما صافيت، والمال حسرة إلا ما واسيت، والمخالطة تخليط إلا ما داريت.

وليعلم العبد الصالح الناصح لنفسه أن اختيار الله خير له من اختياره لنفسه، فالعبد مدبَّر لا مدبِّر، وسخطه لا يغير القضاء، فليلزم طريق الرضا بالقضاء، والثبات يكون عند الابتلاء، أما في زمن العافية فالثابتون كثير، والرضا حين البلاء، أما في حال طيب العيش فالراضون كثير.

ومن أطاع مطامعه استعبدته، ومن زادت مطامعه هان عليه دينه، والأطماع تقطع أعناق الرجال، وليُعلم – عباد الله - أن سبب الخلاف بين الناس إما مقصود لم يفهم أو مفهوم لم يقصد.

معاشر الإخوة: ومن تعامل مع أدوات التواصلَ فْليُذَكِّر بفريضة، ولْيدُلَّ على سنة، ولينبِّه على خطأ، ولينصحْ باحتساب، وليحتسبْ الأجر والثواب، وليحرصْ على جمع الكلمة، وإحسان الظن، وليحبَّ لأخيه ما يحب لنفسه، وليظنَّ بأخيه الخير، وليتق شر ظنون نفسه.

وليحذر أن يكون الناصح لنفسه في هذه الأدوات ممن يتجول بدلاء فارغة، ويجعل عقله مستباحا لمتطفلي هذه الأدوات الثرثارين بما لا ينفع.

فيالسعادة عبد رزقه الله توبة تحفظه من الإصرار، وخوفاً يقيه من التسويف، ورجاءً يقصر عنده الأمل، وعَمَر وقته بذكر ربه في توحيد خالص وإخلاص صادق، وكلُّ ساقٍ سيُسقى بما سقى، ومن ذُكِّر فلم ينزجر فهو محروم، ومن دخل فيما لا يعنيه فهو الملوم، واتقوا يوما يقول فيه العبد.

وذكر معاليه في خطبته الثانية: احرص – حفظك الله – على أن تكون ممن إذا علم رفق، وإذا سُئل بذل، وكن عونا للمسترشد، وحليف الصدق للمستنصح، ومستودع البر للمسترفد، قريبَ الرضا، بعيدَ الهمة، الحقُّ مبتغاك، والحياءُ سترُك، والورعُ سربالُك، في بصائرَ من النور تبصرها، وحقائقَ من العلم تأخذ بها، وإذا زللت فارجع، وإذا أخطأت فاعتذر، وإذا أذنبت فأقلع، وإذا جهلت فاسأل، وإذا غضبت فأمسك، واعلم أن لك الفضل ما لم تر فضلك، فإذا رأيت فضلك فلا فضل لك.
IMG 20240906 134128 168IMG 20240906 134127 880IMG 20240906 134127 829IMG 20240906 134127 562
قيم الموضوع
(1 تصويت)
خطب وأمَّ المصلين لصلاة الجمعة في المسجد النبوي فضيلة الشيخ الدكتور أحمد بن علي الحذيفي إمام وخطيب المسجد النبوي الشريف.

 واستهل خطبته بعد أن حمد الله تعالى بقوله: معاشر المؤمنين والمؤمنات: إن العاقل وهو يقطع طريق رحلته في هذه الدنيا، فتتعرج به مسالكها، وتتشعب به مساربها، ليتوقف برهة من عمر الزمان توقف المعتبر، فينظر إلى آثار خطواته، ويتأمل طريق مسيرته الممتد، فتتنازعه مشاعر الدهشة والحزن والاغتباط، اندهاشاً من سرعة تصرم حبال الأيام، وانطواء بساط الأعوام، وحزناً على سالف العمر وماضي الزمان، وما في طوايا ذلك من تفويت وتفريط، وتسويف وتضييع، واغتباطاً بما أنجح من مقاصده وحقق من مآربه، إنها رحلة طويلة قصيرة، مسعدة مشجية، مفرحة مبكية، طويلة في تفاصيل أحداثها، قصيرة حين يلوح للسائر فيها محط رحاله، فيها انكسارات وانتصارات، ودموع حزن وسرور، وراحةٌ ونصب، واجتماع وافتراق، وصعود وهبوط، إنها سنة الله في هذه الدنيا كما قال جل شأنه: (اعلموا أنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد كمثل غيث أعجب الكفار نباته ثم يهيج فتراه مصفراً ثم يكون حطاماً وفي الآخرة عذاب شديد ومغفرة من الله ورضوان وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور).

 وما ألطف ذلك التشبيه النبوي لحال المؤمن مع الدنيا وما أرقه، قال عبدالله بن مسعود رضي الله عنه: نام رسول الله صلى الله عليه وسلم على حصير فقام وقد أثر في جنبه، قلنا يا رسول الله، لو اتخذنا لك وطاء؟ فقال: ما لي وللدنيا؟ ما أنا في الدنيا إلا كراكب استظل تحت شجرة، ثم راح وتركها.

 إخوة الإيمان: إن المؤمن وهو يمخر عباب بحر هذه الحياة الهادر فتتقلب به لجَجها، وتتقاذفه أمواجها، يعيش حالة من الاستقرار النفسي والسلام الروحي؛ لأنه معلق القلب بخالق هذا الوجود، ممتلئ الفؤاد بحبه، متضلع الحنايا بتوحيده، فالصراع الدنيوي عنده صراع خارج النفس لا داخلها، يراه بعينه ولا يعيشه في نفسه.

 إن الإيمان الصادق في غمرات هذه الحياة يتخلل حنايا النفوس المنهكة برداً وسلاماً، ورضاً ويقيناً، وسكينة وثباتاً، فهو ربيع القلوب في بيداء الحياة، وظلها الوارف في هجير الشدائد، وسفينة النجاة في غمرات هذه الدنيا، تجد المؤمن على رغم ما يلقى من أوهاق الحياة ومناكد الدنيا ساكن القلب بسام المحيا طَلْقَ الوجه رضي النفس حلو المنطق، ثقلت مغارمه فزاد نواله، كالعود ضاعف طيبه الإحراق.

 الإيمان سلوان القلوب وأنس النفوس وسرور الأفئدة في حومة ذلك الصراع الدنيوي، فلا يعرف حلاوة العيش وطيب الحياة من لم ينغمس في نهره الدفاق فيعب منه حتى تروى روحه، فتصطبغ به ذاته، ويفيض ذلك الري على جوارحه، ويتنضر به محياه، (من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون)، إن الحياة مع الإيمان حياة طيبة كريمة مطمئنة، تتصاغر أمامها جبال المصاعب والشدائد، ويتهاوى ركام اللذائذ والمطامع، فللإيمان حلاوة كما عبر النبي الأكرم صلى الله عليه وسلم، طعمها في نفسه وأثرها في قلبه من رسخ الإيمان في قلبه إذعاناً وإقراراً، وتحقق به امتثالاً وخضوعاً واستسلاماً، لا تصف لذتها ولا تحد حقيقتها العبارات والكلمات، بل هي حقائق يعرفها أهل الإيمان، ويدركها الصفوة من عباد الرحمن.

 واستهل فضيلته خطبته الثانية قائلاً: إن الإيمان الحق ليس معنى مجرداً من الحقائق أو نظرية لا ترجمان لها في واقع الحياة، إنها عقيدة يمتلئ بها القلب فتفيض على النفس طمأنينة وسكينة ورضاً وسروراً، ثم تغمر الجوارح عملاً وامتثالاً، ثم تتسع دائرتها حتى تفيض على الإنسانية كلها سلاماً وسكينة وحباً وخيراً وعدلاً، فهي تسمو بالمؤمن فوق مطامع الحياة البائدة، وترقى به إلى معارج الكمال الإنساني.

 إن هذا الدين العظيم جاء ليعيد صياغة الإنسان عقلاً ونفساً وروحاً وسلوكاً، فيكون على قدر راسخ من القيم والأخلاق والسمو النفسي والروحي والعقلي في هذا الكون، فالإيمان بمعناه الأرحب ربط للمخلوق بالخالق واتصال لعالم الشهادة بعالم الغيب، كما أنه يحقق التكامل بين النفس والروح والسلوك والأخلاق لذلك المخلوق الكريم على الله تعالى، فيتحقق مراده تعالى من خلقه، بأن يغمر الإيمان ذلك الإنسان بالسلام النفسي والسكينة الروحية، قبل أن يعمر الأرض ويغمرها بإقامة الخير والعدل وإشاعة الحب والسلام والرحمة في العالمين قال تعالى: ( وما أرسلناك إلى رحمة للعالمين).
831b954a c257 4344 aa8d 498c84f5d98ddb114f52 69f9 413b aa1c edaaf98ef5d24e099b13 6702 4bf6 8f2b eaf4eaa9af7b1dfb0adb 2663 4065 84fb e731cc6194b1
قيم الموضوع
(2 أصوات)
خطب وأمَّ المصلين في صلاة الجمعة من المسجد الحرام فضيلة الشيخ الدكتور ماهر بن حمد المعيقلي إمام وخطيب المسجد الحرام.

 واستهل فضيلته خطبته قائلًا: إن من أصول العقيدة، الإيمان بوجود الملائكة، وما ورد عنهم من صفات عظيمة، وأعمال جليلة، فقد أقسم الله بهم، وأعلى بين العالمين ذكرهم، والملائكةُ عباد مكرمون، قربهم الله إليه، وشرفهم بعبادته، فهم خاضعون لجبروته، لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون، يسبحون الليلِ والنهار لا يفترون، ولا يستحسرون ولا يسأَمُون، ولا يسْبِقُونَه بِالْقَوْل، وهم من خشيتِهِ وإجلالِهِ مُشْفِقُون، أعظمُهم مكانة وقدرًا، وأرفعهم منزلة وشأناً: الروح الأمين، جبريلُ عليه السلام، رآهُ النبيُّ  صلى الله عليه وسلم على خِلقَتِه التي خلَقَه اللهُ عليها، وقد سَدَّ الأفُق، وله ستمائة جَناح، ووصفه الله تعالى بقوله: (ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ)، وهو مع ما حُبي به من مكانة عظيمة، شديد الخشية لربه، ففي المعجم الأوسط للطبراني: قال النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((مَرَرْتُ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي بِالْمَلَإِ الْأَعْلَى، وَجِبْرِيلُ كَالْحِلْسِ الْبَالِي مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ))،  والحِلْسُ: كِساءٌ يُبسَطُ ويُفرَشُ في أرضِ البَيتِ، وفي سنن أبي داود: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((إِذَا تَكَلَّمَ اللَّهُ بِالْوَحْيِ، سَمِعَ أَهْلُ السَّمَاءِ لِلسَّمَاءِ صَلْصَلَةً كَجَرِّ السِّلْسِلَةِ عَلَى الصَّفَا، فَيُصْعَقُونَ، فَلَا يَزَالُونَ كَذَلِكَ حَتَّى يَأْتِيَهُمْ جِبْرِيلُ، حَتَّى إِذَا جَاءَهُمْ جِبْرِيلُ فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ» قَالَ: " فَيَقُولُونَ: يَا جِبْرِيلُ مَاذَا قَالَ رَبُّكَ؟ فَيَقُولُ: الْحَقَّ، وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ)).

أيها المؤمنون: خلق الله تعالى الملائكة، وأوكل إليهم أعمالاً جليلة، فمنهم المُوكَّلُ بالوحيِ بين الله ورسله، ومنهم المُوكَّلُ بالنبات والقْطرِ، ومنهم المأمور بالنفخِ في الصُّور، وما من رجل يعود مريضا إلا شيعه سبعون ألف ملك، يستغفرون له، وما من عبد يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، إلا صلت عليه الملائكة، وقَالَ له الْمَلَكُ الموكل بذلك: يَا مُحَمَّدُ، إِنَّ فُلَانَ بْنَ فُلَانٍ صَلَّى عَلَيْكَ السَّاعَةَ، ولله ملائكة يحثون العبد على طاعة ربه وعبادته، ويحضرون صلاته وقرآنه، وملائكة يدعون لأصحاب الصفِّ الأوَّل، وملائكة يقفون على أبوابِ المساجِدِ يوم الجُمُعة، يكتبون الأول فالأول، وملائكة يطوفون في الطرقات، يلتمسون أهل الذكر، ومُعلِّمي الناسِ الخير، فإذا وجدوهم، جلسوا معهم، وحف بعضهم بعضا بأجنحتهم، حتى يملؤوا ما بينهم وبين السماء الدنيا، قَالَ: " فَيَسْأَلُهُمْ رَبُّهُمْ، وَهُوَ أَعْلَمُ مِنْهُمْ، مَا يَقُولُ عِبَادِي؟ قَالُوا: يَقُولُونَ: يُسَبِّحُونَكَ وَيُكَبِّرُونَكَ وَيَحْمَدُونَكَ وَيُمَجِّدُونَكَ " قَالَ: " فَيَقُولُ: هَلْ رَأَوْنِي؟ " قَالَ: " فَيَقُولُونَ: لاَ وَاللَّهِ مَا رَأَوْكَ؟ " قَالَ: " فَيَقُولُ: وَكَيْفَ لَوْ رَأَوْنِي؟ " قَالَ: " يَقُولُونَ: لَوْ رَأَوْكَ كَانُوا أَشَدَّ لَكَ عِبَادَةً، وَأَشَدَّ لَكَ تَمْجِيدًا وَتَحْمِيدًا، وَأَكْثَرَ لَكَ تَسْبِيحًا، -إلى أن يقول الرب جل جلاله-: فَأُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ غَفَرْتُ لَهُمْ " قَالَ: " يَقُولُ مَلَكٌ مِنَ المَلاَئِكَةِ: فِيهِمْ فُلاَنٌ لَيْسَ مِنْهُمْ، إِنَّمَا جَاءَ لِحَاجَةٍ. قَالَ: هُمُ الجُلَسَاءُ لاَ يَشْقَى بِهِمْ جَلِيسُهُمْ))، رواه البخاري ومسلم.

إخوة الإيمان: إن الملائكة من أعظم جنود الرب تبارك وتعالى، فمنهم الصَّافَّاتِ والزَّاجِرَاتِ والتَّالِيَاتِ، والنازعات والناشطات والمدبرات، ومنهم ملك الموت، ورضوان خازن الجنان، ومالكٌ خازنُ النيران، وملائكة للرحمة، وملائكة للعذاب، وملائكة قد وكلوا بإحاطة الناس يوم الحشر، وملائكة قد أمروا بحمل النار إلى أرض المحشر، وعدد الملائكة كثير، لا يحصيهم إلا العلي الكبير، ففي سنن الترمذي: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ، وَأَسْمَعُ مَا لَا تَسْمَعُونَ أَطَّتِ السَّمَاءُ -أي: ثقلت-، وَحُقَّ لَهَا أَنْ تَئِطَّ، مَا فِيهَا مَوْضِعُ أَرْبَعِ أَصَابِعَ إِلَّا وَمَلَكٌ وَاضِعٌ جَبْهَتَهُ سَاجِدًا لِلَّهِ))، والْبَيْتُ الْمَعْمُورُ فِي السَّمَاءِ السَّابِعَةِ، يَدْخُلُهُ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ، ثُمَّ لَا يَعُودُونَ إِلَيْهِ، وصدق الله إذ يقول: ((وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ)).

معاشر المؤمنين: وإن من الملائكة من شرفهم الله بقربه، واختارهم لحمل عرشه، والمسبحين بحمده، وفي سنن أبي داود: قال صلى الله عليه وسلم: ((أُذِنَ لِي أَنْ أُحَدِّثَ عَنْ مَلَكٍ مِنْ مَلَائِكَةِ اللَّهِ، مِنْ حَمَلَةِ الْعَرْشِ، إِنَّ مَا بَيْنَ شَحْمَةِ أُذُنِهِ إِلَى عَاتِقِهِ، مَسِيرَةُ سَبْعِ مِائَةِ عَامٍ))، وإن من كمال لطف الله بعباده المؤمنين، ما قيضه لأسباب سعادتهم، من استغفار حملة العرش لهم، والدعاء لهم بصلاح دينهم وآخرتهم، فقال جل جلاله: ((الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ * رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آَبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ وَمَنْ تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ )).

واستهل فضيلته خطبته الثانية قائلاً : إن الإيمان بالملائكة، له أثر عظيم في مراقبة العبد لأقواله وأعماله، فالله تعالى يقول: (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ * إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ * مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ)، وقال سبحانه: (لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ)، فملائكة لكتب الحسنات والسيئات، وآخرون يحفظون العبد بأمر الله، وفي الصحيحين: قَالَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((يَتَعَاقَبُونَ فِيكُمْ مَلَائِكَةٌ بِاللَّيْلِ، وَمَلَائِكَةٌ بِالنَّهَارِ، وَيَجْتَمِعُونَ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ، وَصَلَاةِ الْعَصْرِ، ثُمَّ يَعْرُجُ الَّذِينَ بَاتُوا فِيكُمْ، فَيَسْأَلُهُمْ رَبُّهُمْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِهِمْ: كَيْفَ تَرَكْتُمْ عِبَادِي؟ فَيَقُولُونَ: تَرَكْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ، وَأَتَيْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ))، فإذا استشعر المرء استصحاب الملائكة له، وتقييدهم لأعماله، ورفعها لخالقه، اجتهد في طاعة ربه، وانزجر عن معصيته، وحافظ على أداء صلاته، وخاصة صلاتي الفجر والعصر، حيث اجتماع ملائكة الليل وملائكة النهار، فهؤلاء يغادرون عنا وسيسألون، وهؤلاء يرابطون معنا ويكتبون، وهكذا كل يوم وليلة، ﴿وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَامًا كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ﴾، وإن ما يسجله الملائكة اليوم، هو ما يعرض في الكتب يوم القيامة، ((وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا (13) اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا)).

إخوة الإيمان: أكرموا ملائكة الكبير المتعال، فإن الملائكة تتأذَّى مما يتأذَّى منه بنو آدم، ولا تدخل بيتا فيه كلب ولا تمثال، والملائكة تهجر البيتَ الذي يهجر أهله الذكر والقرآنَ، فإذا هجرته الملائكة، حل فيه الشيطان، ففي صحيح مسلم: قال النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((إِذَا دَخَلَ الرَّجُلُ بَيْتَهُ، فَذَكَرَ اللهَ عِنْدَ دُخُولِهِ وَعِنْدَ طَعَامِهِ، قَالَ الشَّيْطَانُ: لَا مَبِيتَ لَكُمْ، وَلَا عَشَاءَ، وَإِذَا دَخَلَ، فَلَمْ يَذْكُرِ اللهَ عِنْدَ دُخُولِهِ، قَالَ الشَّيْطَانُ: أَدْرَكْتُمُ الْمَبِيتَ، وَإِذَا لَمْ يَذْكُرِ اللهَ عِنْدَ طَعَامِهِ، قَالَ: أَدْرَكْتُمُ الْمَبِيتَ وَالْعَشَاءَ))، وقَالَ عليه الصلاة والسلام: ((لَا تَجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ مَقَابِرَ، إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْفِرُ مِنَ الْبَيْتِ الَّذِي تُقْرَأُ فِيهِ سُورَةُ الْبَقَرَةِ)).
1559bd3d 8bd1 47f2 9b00 4fcdeab67f217dba5b3f 6a8c 4d65 9190 77f2b600e1c20346a180 7947 4945 b071 2fdb2dd53deff11c5441 2509 49fd 87ec da3d3cda6964

قيم الموضوع
(3 أصوات)

خطب وأمّ المصلين في المسجد النبوي فضيلة الشيخ الدكتور صلاح البدير، إمام وخطيب المسجد النبوي.

وبدأ خطبته بقوله: الحمد لله رب المشرقين ورب المغربين، هدانا وأمرنا بإصلاح ذات البين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة تجلو قلب قائلها من الرين، وأشهد أن نبينا وسيدنا محمدًا عبده ورسوله أرسله ربه وافترض طاعته على جميع الثقلين صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الذين تطهروا من الشرك والشك والشين.

وأشار فضيلته إلى أن من القواعد العظيمة التي هي من جماع الدين فقال : فصل الخصومات الثائرة، وقطع المنازعات الشاجرة وتأليف القلوب المتنافرة، وإصلاح ذات البين لأن فساد ذات البين ثلمة في الدين وفتنة بين المسلمين.

وقال فضيلته: إصلاح ذات البين خصلة جليلة وفضيلة عظيمة تستل بها الضغائن والأحقاد والحزازات، وتطفئ بها نيران العداوات والخصومات والمنازعات، وقد أمر الله تعالى عباده بالمسارعة إلى قطع المنازعة بالإصلاح بين المتخاصمين والتوفيق بين المتنازعين، قال الله تعالى: (وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما). وقال جل وعلا: (إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون).

فاتقوا الله أيها المسلمون وتغافلوا عن الزلات ولا تستقصوا الهفوات، وكونوا في كل أوانٍ إخوانًا متحابين بجلال الله تعالى متواصلين في ذات الله، متعاونين على البر والتقوى، نابذين للفرقة والخلاف والأهواء، متمسكين بالجماعة والألفة والمحبة والإخاء.

وقال فضيلته في مطلع خطبته الثانية: الحمد لله الذي آوى من إلى لُطفه أوى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، داوى بإنعامه من يئس من أسقامِه الدًوا، وأشهد أن نبينا محمدًا عبده ورسوله، الذي من اتبعه كان على الهُدى، ومن عصاه كان في الغواية والردى، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، صلاة تبقى، وسلامًا يترى.

وذكر فضيلته : قد جاءت الرخصة الشرعيةُ في أن يقولَ الرجل في الإصلاح بين المتخاصمين ما لم يسمعه من الذكر الجميل والقول الحسن ليَسْتَلَّ به من قلب أخيه السخيمة والضغينة، عن أم كلثوم بنت عقبة رضي الله عنها قالت: أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لَيْسَ الْكَذَّابُ الَّذِي يُصْلِحُ بَيْنَ النَّاسِ فَيَنْمِي خَيْراً أَوْ يَقُولُ خَيْراً" متفق عليه.

اللهم صلِّ وسلِّم وبارك على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وأصحابه، اللهم وارضَ عن الخلفاء الراشدين، والأئمة المهديين؛ أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن سائر الصحابة أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

اللهم وفِّق إمامنا وولي أمرنا لما تحب وترضى، وخذ بناصيته للبِرِّ والتقوى، اللهم وفِّقه ووليَّ عهده وسائر ولاة المسلمين لما فيه عزُّ الإسلام وصلاحُ المسلمين.

GVqLyAsW8AAjj4gGVqMTf2XEAEqStJGVqMhb5XMAAT4VYGVqLyARWkAIiYHqGVqL4U8WIAAVt74
قيم الموضوع
(0 أصوات)

خطب وأمّ المصلين في المسجد الحرام فضيلة الشيخ الدكتور فيصل غزاوي، إمام وخطيب المسجد الحرام.

وبدأ فضيلته خطبته بقوله: إنَّ الحمدَ للهِ، نَحْمَدُهُ ونستعينُهُ ونستغفِرُهُ، ونعوذُ باللهِ مِنْ شرورِ أنفسِنَا وسيئاتِ أعمالِنَا، مَنْ يهدِه اللهُ فلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شريكَ لَهُ، وأشهدُ أنَّ مُحَمَّدًا عبدُهُ ورسُولُهُ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾.

أما بعد فيا عباد الله: لقد حثنا الباري جل ثناؤه على التفكرِ والتأملِ في أنفسنا فقال: ﴿وَفِي أَنفُسِكُم أَفَلَا تُبصِرُون﴾ أي: وفي أنفُسِكم آياتٌ وعبرٌ دالةٌ على وحدانيةِ خالقكم، وكَمالِ قُدرتِه ورَحمتِه وحِكمتِه، وغَيرِ ذلك مِن صِفاتِ كَمالِه، أفلا تبصرون لتعتبروا؟! ومن تلك الدلائلِ أنَّ اللهَ سبحانه خلقَ في النفس الإنسانية: الضحكَ والبكاءَ، فيُضْحِكُ الإنسانَ ويُبْكِيه، وكلُّ ذلك مما ركبه الله في طبعِ الإنسانِ وفطرته، قال تعالى في محكم التنزيل: ﴿وَأَنَّه هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى﴾ فاللهُ تبارك وتعالى خَلَقَ فِي عِبَادِهِ الضَّحِكَ وَالْبُكَاءَ، وهو مقدرٌ ما يكونُ به الضحك، ومقدرٌ ما يكونُ به البكاء، وأتى بالأمرين، وهما متقابلان؛ ليُعلم بذلك أن الله سبحانه على كل شيءٍ قدير، وهو القادر على خلق الضدين.

عباد الله: إنَّ هديَ النبيِّ صلى اللهُ عليه وسلم خيرُ الهدي، وهو الهديُ الأمثلُ في كل الأحوالِ البشرية؛ وقد مرَّ صلى الله عليه وسلم على أحوال كثيرة متقابلة، ومنها الضحكُ والبكاء، وقد بيّن العلماءُ هديَه في ذلك، فأما ضَحِكُه عليه الصلاة والسلام فقد قال ابن القيم رحمه الله: "وكان جُلّ ضحكه التبسم، بل كله التبسم، فكان نهايةُ ضحكه أن تبدوَ نواجذه. وكان يَضحكُ مما يُضْحَكُ منه، وهو مما يُتعجب من مثله، ويُستغرب وقوعُه ويُستندر". ومما يُراعى في الضحك ألا يُّحدِّث المرء بالكذب لإضحاك غيرِه كما جاء التحذير عن ذلك في قوله عليه الصلاة والسلام: (ويلٌ لِلَّذِي يُحَدِّثُ بالحدِيثِ لِيُضْحِكَ بِهِ القوْمَ فيَكَذِبُ، ويلٌ لَهُ ويلٌ لَهُ)، وألا يُكثر من الضحك؛ فمن توجيهاته صلى الله عليه وسلم قولُه: (وَلاَ تُكْثِرِ الضَّحِكَ، فَإِنَّ كَثْرَةَ الضَّحِكِ تُمِيتُ الْقَلْبَ).

وقال فضيلته: ألا وإن أعظم ما يُحذر من الضحك القبيح المذموم أن يضحك المرء سخريةً واستهزاءً بالله أو آياته أو رسوله صلى الله عليه وسلم؛ فإن الاستهزاء بشيء من ذلك أو الضحك كفر بالله تعالى، وقد أخبرنا الله تعالى أن الكفار في الدنيا كانوا يضحكون من المؤمنين استهزاءً بهم وسُخريةً فقال سبحانه: ﴿إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ﴾ لكن ذلك الجرم سينقلب عليهم في الآخرة قال تعالى: ﴿فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ﴾.

أيها الإخوة: وأما بكاء النبي صلى الله عليه وسلم، فيصفه ابن القيم رحمه الله بقوله: "كان من جِنس ضحكه لم يكن بشهيقٍ ورفع صوتٍ، كما لم يكن ضحكه بقهقهة، ولكن كانت تدمع عيناه حتى تَهمُلا، ويُسْمَعُ لصدره أزيزٌ، وكان بكاؤه تارة رحمة للميت، وتارة خوفاً على أمته وشفقة عليها، وتارة من خشية الله، وتارة عند سماع القرآن، وهو بكاء اشتياق ومحبة وإجلال، مصاحبٌ للخوف والخشية".

وأشار إلى أن: للبكاء دواع مختلفة فمن ذلك الحزن والوجع والفزع والسرور والفرح والشكر وغيرُ ذلك لكن أفضل البكاء ما كان خشوعا وخشية لله تعالى، وهو دأب الصالحين وأولياء الله قال الله تعالى في صفة من أنعم عليهم ﴿إِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ ءَايَٰتُ ٱلرَّحْمَٰنِ خَرُّواْ سُجَّدًا وَبُكِيًّا﴾ وقال صلى الله عليه وسلم :(عينان لا تمسهما النار، عين باتت تحرس في سبيل الله وعين بكت من خشية الله)، ومن السبعة الذين يظلهم الله تعالى يوم القيامة (رَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ).


وقال فضيلته في مطلع خطبته الثانية: إن من الأحوال التي تتجلى فيها لدى العبد حقيقةُ عبوديته لربه ودلائلُ صدق إيمانه ما يبتليه الله به من المصائب والابتلاءات قال ابن القيم رحمه الله: " فإن الله سبحانه وتعالى لم يبتل العبد ليهلكه، وإنما ابتلاه ليمتحن صبره وعبوديته، فإن لله تعالى على العبد عبودية في الضراء، كما له عليه عبودية في السراء، وإن له عليه عبودية فيما يكره، كما له عليه عبودية فيما يحب، وأكثر الخلق إنما يعطون العبودية فيما يحبون، والشأن في إعطاء العبودية في المكاره"، فعلينا عباد الله أن نتدرع بالصبر الجميل عند الشدائد والمحن، وأن نحذر التسخط والجزع والاعتراض على أقدار الله، ولا نكن ممن إذا أصابتهم مصيبة يئسوا وفقدوا الأمل وقعدوا عن العمل وأصبحوا لا هم لهم إلا ما شغل بالهم، وغيّر حالهم، مع أنهم لو تفكروا ونظروا إلى الدنيا بعين البصيرة وأنها بُلغة فانية، ومُتعة زائلة لم يفرحوا فيها بموجود ولم يحزنوا لمفقود، ولنعتبر بحال أولي النهى والبصائر في الدين، الذين حققوا العبودية لرب العالمين وبادروا آجالهم بأعمالهم، وابتاعوا ما يبقى لهم بما يزول عنهم. قال الحسن البصري رحمه الله: "أَدْرَكْتُ أَقْوَامًا كَانُوا لاَ يَفْرَحُونَ بِشَيْءٍ مِنَ الدُّنْيَا أَتَوْهُ وَلاَ يَأْسُونَ عَلَى شَيْءٍ مِنْهَا فَاتَهُمْ."

أيها المسلمون: الموحد العابد لربه في شرف وكرامة، قد علق قلبه بالله واستكان له، وإن فاته من دنياه ما يَطيب لمبتغي الحياة، إلا أنه في عزة ورفعة في دينه ودنياه.

هذا وصلوا وسلموا عباد الله على من أمركم ربكم بالصلاة والسلام عليه فقال: ﴿إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما﴾ اللهم صل على محمد وعلى أزواجه وذريته كما صليت على آل إبراهيم، وبارك على محمد وعلى أزواجه وذريته كما باركت على آل إبراهيم، إنك حميد مجيد.

 HIM1220 HIM1229 HIM1232 HIM1235 (2) HIM1239 (2) HIM1243 (1) HIM1245 HIM1249 (2) HIM1251 (1) HIM1252 HIM1254
قيم الموضوع
(2 أصوات)
خطب وأم المصلين في المسجد النبوي فضيلة الشيخ الدكتور خالد بن سليمان المهنا إمام وخطيب المسجد النبوي الشريف.
وبعد أن حمد الله تعالى بدأ خطبته بقوله: أيها الناس: لقاء الله تعالى حتم لا مفر منه، وهو واقع بالجن والإنس لا محيد لهم عنه، وذلك يوم الحشر للجزاء على أعمالهم، فملاق ربه فائز قد قرت عينه بمحبوبه، فذاك لقاء الفوز والكرامة، وملاقٍ خاسرٌ فذاك لقاء خزي وندامة، قال الله تعالى: (يَٰٓأَيُّهَا ٱلۡإِنسَٰنُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَىٰ رَبِّكَ كَدۡحٗا فَمُلَٰقِيهِ)؛ وقال عليه الصلاة والسلام (وستلقون ربكم فيسألكم عن أعمالكم).
وأضاف: اليقين بلقاء الله تعالى ودوام استحضاره من أعظم ما يعين العبد على الوفاء بعهده مع ربه والثبات على دينه، والصبر على طاعته، ورجاء حسن ثوابه، والخوف من أليم عقابه، وهو عدة العبد في مواجهة الشدائد والكرب، وعواصف الفتن والنوب،
وحُقَّ لكل عبد عمل للقاء ربه واستعد لذلك اليوم أن يشتاق إلى لقياه جل ثناؤه، فإنما يلاقي العبد مولاه الذي آثر حبه على جميع محابه، وقدم مرضاته على كل رغائبه.
وبيّن فضيلته: الشوق إلى الله ولقائه نسيمٌ يهب على القلب يروّح عنه وهج الدنيا، ويخفف عنه آلامها، ومن أنس بالله واشتاق إلى لقائه فقد فاز بأعظم لذة يمكن لبشر الوصول إليها في هذه الدار؛ والشوق إلى لقاء الله حادٍ يحدو العبد إلى التقرب إلى مولاه، بل هو ثمرةحسن العلاقة مع الله، فإنما يحب لقاء الله ويشتاق إليه من عمّر قلبه بتوحيد الله ومحبته ورجائه وخوفه، وأكثر من ذكره، وعمل عملًا صالحًا خالصًا لمولاه، لا يرجو فيه أحدًا سواه.
وأكمل: الشوق إلى الله ومحبة لقائه ياعباد الله ثوابٌ عظيم معجلٌ لأهل ولاية الله، يواسيهم به، ويذيقهم من حلاوة لقائه قبل الوفود عليه، ويستقبلهم به قبل قدومهم إليه، قال عليه الصلاة والسلام: (المؤمن إذا حضره الموت بشر بكرامة الله ورضوانه، فليس شيء أحب إليه مما أمامه، فأحب لقاء الله فأحب الله لقاءه)؛ وفي هذا الحديث بشارةٌ عظيمة لأهل الإيمان، وتهوين لكربات الموت، وتسلية للمسلمين في فقد أصفيائهم.
وأوضح فضيلته: هذا إمام المتقين وقدوة السالكين قد ملأ قلبه الشوق إلى لقاء ربه فاختاره على الخلد في الدنيا مع مفاتيح خزائنها ثم الجنة بعد ذلك، فعن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما عن أبي مويهبة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم،قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم من جوف الليل، فقال: (يا أبا مويهبة إني أُمرت أن أستغفر لأهل البقيع فانطلق معي) فانطلقت معه، فلما وقف بين أظهرهم قال (السلام عليكم يا أهل المقابر، ليهن لكم ما أصبحتم فيه مما أصبح فيه الناس، أقبلت الفتن كقطع الليل المظلم يتبعُ آخَرُها أولَها، الآخرة شر من الأولى)، ثم أقبل علي، فقال: (يا أبا مويهبة، إني قد أوتيتُ مفاتيح خزائن الدنيا والخلد فيها ثم الجنة، فخيرتُ بين ذلك ولقاء ربي والجنة) قال: قلتُ: بأبي أنت وأمي فخذ مفاتيح خزائن الدنيا والخلد فيها ثم الجنة، قال: (لا والله يا أبا مويهبة، لقداخترتُ لقاء ربي والجنة)، ثم استغفر لأهل البقيع ثم انصرف، فبُدئ برسول الله وجعه الذي قبض فيه، وفي لفظ أحمد في مسنده: فما لبث بعد ذلك إلا سبعاً أوثمانياً حتى قبض؛ وفي هذا الخبر دلالةٌ بينةٌ على أن نبينا محمد صلى الله عليه كان أشد الخلق حبًا لله، فإنه خُصّ بهذا التخيير الذي منتهاه إلى لقاء الله والجنة، فاختار التعجيل بلقاء مولاه ومحبوبه، وهذه حقيقة الحنيفية ملة إبراهيم عليه السلام؛ وكان آخر ما قال عليه الصلاة والسلام في هذه الدنيا (اللهم اغفر لي وارحمني وألحقني بالرفيق الأعلى).
قيم الموضوع
(4 أصوات)
أمّ إمام وخطيب المسجد الحرام فضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور ياسر بن راشد الدوسري المصلين في صلاة الجمعة بالمسجد الحرام واستهل فضيلته خطبته

بالحمدُ للهِ الذي علَّمَ بالقلمِ، عَلَّمَ الإنسانَ مَا لم يعلمْ، هَدانَا للإسلامِ فجعلنَا خيرَ الأممِ، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا الله وحدَهُ لا شريكَ لهُ، وأشهدُ أن محمدًا عبدُهُ ورسولُهُ، المبعوثُ رحمةً للعالمين، صلَّى اللهُ وسلَّمَ وباركَ عليهِ، وعلى آلهِ وصحبهِ أجمعين، والتابعين ومَنْ تبعهم بإحسانٍ إلى يومِ الدِّينِ.
أما بعدُ:
فأوصيكُم أيها الناسُ ونفسي بتقوى اللهِ، فالتقوى هدايةٌ منَ الضلالةِ، ونجاةٌ منَ الجهالةِ، {وَاتَّقُوا اللهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللهُ}.

معاشرَ المسلمين:
وقال فضيلته إن للعلمِ في الإسلامِ منزلةً عُظمى، ومرتبةً كُبرى، يبلغُ العبدُ بهِ منازلَ الأبرارِ، في جناتٍ تجري منْ تحتهَا الأنهارُ، قالَ تعالى: {يَرْفَعِ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا العِلْمَ دَرَجَاتٍ}، فالعلمُ أفضلُ ما أُفنيتْ فيهِ الأعمارُ، وأُنفقتْ فيهِ الأموالُ، فهو الطريقُ إلى معرفةِ اللهِ وخشيتِهِ، وتعظيمِهِ ومخافتِهِ، قالَ تَعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ}، ولكلِّ ساعٍ إلى النجاةِ وصولٌ، وإنَّما الوصولُ إحكامُ العَملِ بأحكامِ العِلْمِ المنقولِ، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضيَ اللهُ عنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ سَلَكَ طَرِيقاً يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْماً سَهَّلَ اللهُ لَهُ بِهِ طَرِيقاً إِلَى الجَنَّةِ». رواهُ مسلمٌ.

عبادَ الله:
إنَّ العلمَ حياةُ القلوبِ، ونورُ البصائرِ والعقولُ، بهِ يُطاعُ الله ويُعبدُ، ويُذكرُ ويحمدُ، وبهِ توصلُ الأرحامُ، ويُعرفُ الحلالُ منَ الحرامِ، طلبُه قُربةٌ، وبذلهُ صدقةٌ، ومدارستُهُ عبادةٌ، ولذا جاءتْ نصوصُ الوحيين متضافرةً في بيانِ فضلِهِ، وما أُعدَّ لأهلِهِ، قالَ تَعالى: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ}، وعن مُعَاوِيَةَ قال: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَنْ يُرِدِ اللهُ بِهِ خَيْراً يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ». رواه البخاريُّ ومسلمٌ.

أيها المسلمون:
إن العِلمَ بالكتابِ والسنةِ هو الأصلُ الذي تُبنى عليه سائرُ العلومِ، وعلماءُ الشريعةِ الراسخون همْ ورثةُ الأنبياءِ، وهم الأخيارُ الأصفياءُ، والأئمةُ الثقاتُ، والأعلامُ الهداةُ، والأدلّاءُ الذين يُهتدى بهم في المُلماتِ، فعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رضي اللهُ عنهُ قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ يَقُولُ: «إِنَّ الْعُلَمَاءَ هُمْ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ، لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا، وَإِنَّمَا وَرِثُوا الْعِلْمَ، فَمَنْ أَخَذَ بِهِ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ». رواه أحمد، فمِنْ سلكَ الطريقَ بلا علمٍ، وقطعَ مفازةَ الحياةِ بلا بصيرةٍ وفهمٍ، فقدْ سلكَ عسيراً ورامَ مستحيلاً، إذ لا يستطيعُ المرءُ أنْ ينفعَ نفسَهُ، أو يقدِّمَ خيراً لمجتمعِهِ إلا بالعلمِ، فبالعلمِ تُبنى الأمجادُ، وتُشيّدُ الحضاراتُ، وتسودُ الأممُ، وما فشَا الجهلُ في أمةٍ منَ الأممِ إلا قَوَّضَ أركانَهَا، وصدَّعَ بنيانَهَا.

أمةَ الإسلامِ:
وأضاف فضيلته إنَّ ديننَا الحنيف كما فرضَ طلبَ العلومِ الشرعيةِ، فإنه حثَّ على اكتسابِ العلومِ الكونيةِ؛ التي بها صلاحُ الإنسانِ وعمارةُ الأرضِ، قالَ تعالى: {هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا}، ومنْ محاسنِ هذا الدينِ وكمالِهِ أنهُ جاءَ بالأخلاقِ العاليةِ، والمبادئِ الساميةِ، التي تحكمُ الحياةَ وعلومَهَا، وتضمنُ استقرارَهَا واستمرارَهَا، محققةً المقاصد الكبرى والغاياتِ العظمى، التي أرادَهَا اللهُ تَعالى، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضيَ اللهُ عنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّمَا بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ مَكَارِمَ الْأَخْلَاقِ». رواه البيهقيُّ.
فاتقوا اللهَ - عبادَ الله - واستزيدُوا منَ العلومِ أنفعهَا، ومنَ المعارفِ أفضلهَا، ومنَ الأخلاقِ أكملهَا، والتزمُوا بمنهجِ ربِّكُم، تصلحُ حياتُكُم، وتزكُوا نفوسُكُم، وتفوزوا برضَا ربِّكُم.

عبادَ الله:
باركَ اللهُ لي ولكم في القرآنِ والسنةِ، ونفعني وإياكُم بما فيهما منَ الآياتِ والحكمةِ، أقولُ ما سمعتُم، وأستغفرُ اللهَ لي ولكم، فاستغفرُوه إنهُ هو الغفورُ الرحيم.

الخطبة الثانية
الحمدُ للهِ، والصلاةُ والسلامُ على رسولِ اللهِ نبيِّنَا محمدٍ، وعلى آلهِ وصحبِهِ ومَنْ والاهُ، أما بعدُ:

معاشرَ المسلمين:
أوشكتِ الإجازةُ على الانقضاءِ، وأيامُها على الانتهاءِ، غَنِمَ فيها قومٌ، وفرَّطَ آخرونَ، وها نحنُ على مشارفِ عامٍ دراسيٍّ جديدٍ، تستأنفُ فيه رحلةُ العلمِ والمعرفةِ، وتنطلقُ مسيرةُ التعليمِ في طريقِ الرُّقي والازدهارِ والعِزَّةِ والافتخارِ.
واعلموا - رحمكم الله - أنَّ المؤسساتِ التعليمية إنما أُنشئتْ لتكونَ مناراتٍ للهُدى، وأبوابًا للخيرِ، ونماءً للعلمِ، وزكاءً للنفسِ، وتأسيسًا للفضيلةِ، فعلينا أنْ نستشعرَ هذه المسؤوليةَ العظيمةَ، وأنْ تتحدَ جهودُنَا لتحقيقِ تلكَ الأهدافِ الساميةِ، والغاياتِ النبيلةِ، وأنْ يكونَ مدارُ أعمالِنَا على الإخلاصِ؛ فما كان للهِ يدومُ ويتصلُ، وما كانَ لغيرهِ ينقطعُ ويضمحلُ، فإنما الأعمالُ بالنياتِ، يقولُ ابنُ المباركِ رحمه الله: «أَوَّلُ العِلْمِ النِّيَّةُ، ثُمَّ الِاسْتِمَاعُ، ثُمَّ الفَهْمُ، ثُمَّ الحِفْظُ، ثُمَّ العَمَلُ».

معاشرَ المعلمينَ والمعلماتِ:
وبين فضيلته إنَّ التعليمَ مِهنةٌ جليلةٌ، تقلَّدهَا الأنبياءُ، وورثَهَا العلماءُ، وقامَ بها الأخيارُ والصلحاءُ، فطوبى لمن عَرَفَ حقَّهَا، وبذلَ الوسعَ في إتقانِهَا، فالتعليمُ رسالةٌ وأنتم حملتُهَا، وعليكمْ بعدَ اللهِ تُعقدُ الآمالُ، وتُحطُّ عندكمْ الرِّحَالُ، فبينَ أيديكمْ عقولُ الناشئةِ، فأغنوهُم بالعلومِ النافعةِ، وأَقْنُوهُم بالوصايا الجامعةِ، وابذلوا قصارَى جهدِكُم في التربيةِ على الأخلاقِ الفاضلةِ، والآدابِ الزاكيةِ، والمكارمِ الساميةِ، واغرسُوا في القلوبِ الولاءَ للهِ ولرسولِهِ ، ثم السمعَ والطاعةَ لولاةِ الأمر، واحرصُوا على تعزيزِ الانتماءِ للوطنِ، والمحافظةِ على ثقافتِهِ ومقدراتِهِ، والسعي لتحقيقِ رؤيتِهِ وتطلعاتِهِ.
يا مصابيحَ العلمِ والنورِ، لقدْ كانَ نبيُّكم ﷺ في تعليمِهِ حليماً رفيقاً، رحيماً شفيقاً، ييسِّرُ
ولا يُعسِّرُ، يبشِّرُ ولا يُنفِّرُ، فعنْ معاويةَ بنِ الحكمِ رضيَ اللهُ عنه قالَ: «فَبِأَبِي هُوَ وَأُمِّي، مَا رَأَيْتُ
مُعَلِّمًا قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ أَحْسَنَ تَعْلِيمًا مِنْهُ، فَوَاللهِ، مَا كَهَرَنِي وَلَا ضَرَبَنِي وَلَا شَتَمَنِي». رواه مسلمٌ.

معاشِرَ الآباءِ والأمهاتِ:
وختم فضيلته ربُّوا أبنائَكُم وبناتِكُم على حُبِّ العلمِ وإجلالِ العلماءِ، وعلِّمُوهُم أنَّ الأدبَ قبلَ العلمِ رفعةٌ وسناءٌ، فهذه والدةُ الإمامِ مالكٍ كانتْ تُلبسُهُ أحسنَ الثيابِ، ثمَّ تقولُ لَه: اذهبْ إلى ربيعةَ فتعلَّمْ مِنْ أدبِهِ قَبلَ علمِهِ.
واعلمُوا - رحمكم اللهُ - أن لكم في التربيةِ والتعليم الجانبَ الأكبرَ، والحظَّ الأوفرَ، فإنَّ
أولادَكُم ودائعُ عندَكُم، قالَ تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ}، وعَنِ ابْنِ عُمَرَ رضيَ اللهُ عنه، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «أَلَا كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ». متفقٌ عليهِ.

فاللهمَّ صلِّ على محمدٍ وعلى آلِ محمدٍ، كما صليتَ على إبراهيمَ وعلى آلِ إبراهيمَ في العالمين إنكَ حميدٌ مجيدٌ، وباركْ على محمدٍ وعلى آلِ محمدٍ، كما باركتَ على إبراهيمَ وعلى آلِ إبراهيمَ في العالمين إنكَ حميدٌ مجيدٌ، وارضَ اللهم عنِ الخلفاءِ الراشدين الأئمةِ المهديين: أبي بكرٍ وعمرَ وعثمانَ وعليٍّ، وارضَ اللهم عنِ الصحابةِ أجمعين، وعنِ التابعين، ومَنْ تبعهُمْ بإحسانٍ إلى يومِ الدين، وعنَّا معهُم بمنِّكَ وكرمِكَ وإحسانِكَ يا أكرمَ الأودنيانَا وأهلنَا وأموالنَا، واسترْ عوراتِنَا وآمنْ روعاتِنَا، وفرِّجْ همومَنَا، ونفِّسْ كُروبَنَا، واقضِ ديونَنَا، واشفِ مرضانَا، وارحمِ اللهمَّ موتانَا.
اللهمَّ آمِنَّا في أوطانِنَا، وأيِّدْ بالحقِ إمامَنَا ووليَّ أمرِنَا خادمَ الحرمين الشـريفين الملكَ سلمانَ، ووليَّ عهدِهِ الأميرَ محمدَ بنَ سلمانَ، واجزِهم عنَّا وعنِ البلادِ والعبادِ وعنِ الإسلامِ والمسلمين خيرَ الجزاءِ، ووفِّقْ جميعَ ولاةِ المسلمين لكلِّ ما تُحبُّ وترضَى، وخُذْ بنواصيهِم للبرِّ والتقوى.
اللهمَّ انصرْ رجالَ أمنِنَا وجنودَنَا على ثغورِنَا، واحفظْهُم بحفظِكَ، وتولَّهم بعنايتِكَ، واكلأْهُم برعايتِكَ.
اللهمَّ كُنْ للمستضعفينَ منَ المسلمين في كلِ مكانٍ، واجعلْ لهمْ مِنْ كلِّ همٍّ فرجاً، ومِنْ كلِّ ضيقٍ مخرجاً، ومِنْ كلِّ بلاءٍ عافيةً.
اللهمَّ آتنَا في الدنيا حسنةً وفي الآخرةِ حسنةً وقِنَا عذابَ النارِ.
سبحانَ ربِّكَ ربِّ العزةِ عما يصفونَ، وسلامٌ على المرسلين، والحمدُ للهِ ربِّ العالمين.
IMG 20240816 134227 400



الصفحة 1 من 843