أم المسلمين اليوم في صلاة عيد الفطر المبارك في المسجد الحرام إمام وخطيب المسجد الحرام معالي الشيخ الدكتور صالح بن حميد وابتدأ معاليه الخطبة بحمد الله والثناء عليه ثم قال: الحمد لله ثم الحمد لله ها هو المسجد الحرام، والمسجد النبوي الشريف، ومساجد المسلمين، ومصليات الأعياد تمتلئ بالمصلين، والمكبرين، والمهللين.
معاشر المسلمين: لقد مرت مشاهد عصيبة منعت المسلمين من الوصول إلى مساجدهم، ذرفت الدموع بغياب المصلين، وأغلقت المساجد أمام المتعبدين.
المطاف بلا طائفين، والمسعى من غير ساعين، وأروقة الحرمين الشريفين خلت من القائمين، والعاكفين، والركع السجود، الأبواب كانت مشرعة فأوصدت، ومصاحف كريمة كانت موزعة فتدثرت ورفعت، وفرش المساجد كانت ممدودة فطويت، وأقدام طاهرة كانت تؤم المساجد فتوقفت، والطرق إليها خلت وأقفرت، وحلق العلم توقفت.
فلا الأرواح تقوى على الفراق، ولا الأجساد تتحمل البعاد، القلوب يغطيها الشجن، والصدور يملأها الحزن.
فلله انفاس بهذه البقاع الطهارة تعلقت، ولله مشاعر بهذه الرحاب الشريفة اختلطت.
ولما أذن الله برفع الغمة وارتفاع الجائحة فتحت الأبواب فابتهجت الأرواح، وسعدت النفوس.
فتحت المطارات والموانيء، لاستقبال ضيوف الرحمن من المعتمرين والحجاج والزائرين.
الله وأكبر ولله الحمد لقد عاد العمار والزوار، فتزاحمت الجموع والأفواج الإيمان يعمرها، والحنين إلى الرحاب الطاهر يغمرها، تسارع إلى البيت الخطى، وتغذ إلى المشاعر مشيا وامتِطَى، ترفع إلى الله أكف الضراعة، وهم في بحبوحة أمن ومنظومة خدمات، رأيتم دموع المشتاقين، وسمعتم نحيب الوالهين، في عبرات خانقة، وابتهالات غير منقطعة، فانطلقوا مستبشرين، ودخلوا المساجد، وقد خروا ساجدين
أقيمت الشعائر والصلوات، تراصت الصفوف، وتحاذت المناكب والأقدام، جُمَعٌ وجماعة، وتراويح، وقيام.
عيدكم مبارك، وتقبل الله منا ومنكم، نهنئ انفسنا ونهنئكم بما من الله علينا من هذه النعم، فاقدروها واشكروها، رفع الله البلاء فلزم الشكر.
معاشر المسلمين : قد علمتم أنه كان من الاحترازات في تلك الجائحة - عافانا الله وإياكم – لزوم البيوت ، وتقليل النشاطات الاجتماعية ، والحد من التواصل من أجل حفظ النفوس ، وسلامة المجتمع ، وإن من أظهر مظاهر الشكر في هذه المناسبة العظيمة زيادة التواصل بين المسلمين ، وتبادل الزيارات بين الأقارب والمعارف .
إن تبادل الزيارات في ديننا من أسس تكوين المجتمع المتحاب المتآلف، وهو تجسيد لوحدة المسلمين، وإبراز للأخوة الإسلامية، وتأكيد لأواصر القربى.
الزيارات – أيها المسلمون – تقرب القلوب، وتزيل السخائم، وتحل المشكلات، ويتفقد الناس بعضهم بعضا، وتصلح الأحوال، وتدخل السرور، وتسد الخلل، وتجسد الأخوة.
وقد سئل محمد بن المنكدر رحمه الله: مابقي من لذة هذه الحياة ؟ فقال: التقاء الإخوان، وإدخال السرور عليهم .
الزيارات – عباد الله - تبهج النفوس ، وتشرح الصدور ، وتجسد التعاون ، وتدعم أواصر الجماعة ، وتزيد وشائج الصلات ، تزيل الجفوة ، وتشد من الرابطة ، وتُخَفَّف بها الأحزان ، وتكسب بها العلوم والمعارف ، وتنشر أحاديث الود ، وفيها تفقد للإخوان ، وتلمس للحوائج .
الزيارات: ينتبه فيها الغافل ، ويتعلم منها الجاهل ، وتُرَوَّح بها عن النفوس ، فيها إرشاد ضال ، وهداية شارد ، وتذكير معرض ، وتحذير عما يشين ، وإعانة لمحتاج ، وشفاعة لطالب .
أيها المسلمون: العيد مناسبة كريمة لتصافي القلوب، ومصالحة النفوس، مناسبة لغسل أدران الحقد والحسد، وإزالة أسباب العداوة والبغضاء.
إدخال السرور شيء هين، تسر أخاك بكلمة أو ابتسامة أو ما تيسر من عطاء أو هدية، تسره بإجابة دعوة أو زيارة. أين هذا ممن قل نصيبه، ممن هو كثير الثياب قليل الثواب، كاسي البدن عاري القلب، ممتلئ الجيب خالي الصحيفة، مذكور في الأرض مهجور في السماء - عياذا بالله - فافرحوا وادخلوا الفرح على كل من حولكم، فالفرح أعلى أنواع نعيم القلب ولذته وبهجته.
التمسوا بهجة العيد في رضا ربكم، والاقلاع عن ذنبكم، والازدياد من صالح اعمالكم.