يشهد الحرمان الشريفان توافد أعداد كبيرة من الزائرين والمصلين والمعتمرين ومعهم أطفالهم ترغيبًا لهم في رؤية الكعبة المشرفة عن قرب، حتى تمتلئ أعينهم وتتشبّع حواسهم بالروحانية منذ نعومة أظفارهم، ومن هذا المنطلق اعتنت الهيئة العامة للعناية بالمسجد الحرام والمسجد النبوي بالطفل وساهمت في إثراء تجربته الروحانية بالحفاوة الطيبة والاستقبال الودود منذ دخولهم إلى ساحات المسجد الحرام وحتى خروجهم.

الأمان أولًا: سوار خاص لحماية الأطفال في الحرمين الشريفين

وفر للطفل قاصد الحرمين (إسورة) توضع في معصم اليد لكتابة تفاصيل هوية الطفل وبياناته ورقم للتواصل، على أن يتم وضعه للأطفال كوقاية في حال فقدان الطفل، لضمان سلامته وسرعة وصوله لذويه، كما تحتوي هذه الـ(إسورة) على "باركود" يضم عدّة لغات أهمها (الأوردية، البنغالية، الملاوية، الفارسية، التركية، الهوساوية، الإنجليزية، الفرنسية) لسهولة التعامل والتواصل مع مختلف الجاليات الوافدة، ويتم تكثيف هذه الخدمة والعناية بها على مدار الساعة خلال المواسم كشهر رمضان المبارك وذي الحجة وأشهر العمرة نظرًا للإقبال الكبير من المعتمرين والمعتمرات، وحاجتهم الماسة إلى حماية أطفالهم من الضياع داخل أورقة المسجد الحرام والمسجد النبوي.

a208151e 5367 4f3e ba66 d73173b666e0

المعرفة والإبداع: مكتبة للأطفال في الحرمين الشريفين

تقام بمكتبة الحرم في قسمها النسائي برامج وفعاليات ومبادرات تتوائم مع سنّ الطفل لتغرس فيهم حبّ المعرفة وتنمّي مهاراتهم الإبداعية وتقوّي ملكاتهم اللغوية وتثري شغفهم بالعلوم والمعارف المتنوعة في أكثر من (2400) كتاب يتناسب مع الفئات العمرية للأطفال من بينها قصص مصوّرة تساعدهم في تبسيط المعلومة وفهمها بالطريقة الصحيحة، كما تضم المكتبة كذلك مسابقات هادفة، وألعاب تفاعليّة كالقصاصات والرسومات التشكيلية المستوحاة من معالم المسجد الحرام.

10728ffb 9187 4fb4 8549 93b21f07d245

وبين مراتب العلم والمعرفة تتنوع أساليب التلقي لدى الطفل فتخوض معهم كوادر المكتبة تجربة الرسم والكتابة بالخطّ العربي وأساليبه فضلًا عن القراءة التي هي ركن المعرفة الأول، وتأخذهم في جولة من البرامج التقنية التي تواكب الزمن الرقمي، والبرامج الدينية والتوعوية والأخلاقية التي تساعدهم على تشرّب العلم بمنهجية تغرس المبادئ والقيم الصحيحة للطفل وفق منهج الوسطية والاعتدال، كل ذلك حتى (12) سنة، وتقوم على هذه البرامج والخدمات والفعاليات كفاءات نسائية على دراية بأحدث عوامل الجذب والتشويق لدى الأطفال.


9c77b652 fbee 4e00 accd f7a4369ff80b

وأيضاً خصصت مكتبة خاصة بالطفل داخل الحرم النبوي بالقسم النسائي لراحة الزائرات والقاصدات في أداء مناسكهم وعباداتهم بخشوع وطمأنينة وإضفاء الهدوء على أروقة المسجد النبوي؛ تضم عدة أنشطة وفعاليات وأركان تتنوع بين الفقه والترتيل، وبين والرسم والأعمال الفنية والتلوين، وأيضا أركان للقراءة والاطلاع وأنشطة ذهنية مثل الفك والتركيب للمكعبات والمجسمات والأنشطة البسيطة على الحاسب الآلي، والتوعية التثقيفية في ركن الطبيب.



تقوم الهيئة العامة للعناية بشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي، بفحص (80) عينة يوميًا، يتم أخذها من داحل المسجد الحرام، للتأكد من جودة الهواء، ونظافة الأسطح، وسلامة ماء زمزم، والتمور والأغذية التي يتم توزيعها على القاصدين والزوار، للمحافظة على سلامتهم، وتوفير بيئة صحية آمنة.
حيث يتم أخذ العينات، وعمل الفحوصات المخبرية (الكيمياء التحليلية، والأحياء الدقيقة، والفيزيائية)، داخل مختبر الأوبئة بالمسجد الحرام، ويتم تحليل (50) عينة من ماء زمزم، و(20) عينة للتمور والمواد الغذائية، و(10) عينات للأسطح، إضافة إلى التحقق من جودة الهواء.

وأوضح سعادة مدير الإدارة العامة للوقاية والرعاية الصحية بالمسجد الحرام الأستاذ حسن السويهري، بأن المختبر يعتمد على ثلاثة أنواع تحليلية لتحقيق أعلى معايير الجودة، و يتم مراقبة ماء زمزم، وجودة التمور والأغذية، التي يتم توزيعها في المسجد الحرام، وأعمال تنظيف وتعقيم السجاد، وفاعلية مواد النظافة والمطهرات المستخدمة في تنظيف الأسطح والأرضيات.

وبين السويهري بأنه يتم أخذ مسحات من السجاد، وأسطح المشربيات، والسلالم الكهربائية، ودواليب وأرفف المصاحف، والحواجز البلاستيكية، والأبواب، وغيرها من الأسطح، وعينات من جميع مصادر مياه زمزم ( المشربيات، ونقاط التعبئة، والخزانات، ومحطات تبريد زمزم ).

كما ذكر السويهري بأن الفحص الميكروبي يتم باستخدام جهاز قياس نسبة التلوث (المسح الفوري)، وأن المختبر يحقق من خلال أعماله، وبجانب ما يقدم من خدمات وبرامج دينية داخل المسجد الحرام أجواء تعبدية لا مثيل لها، تحقيقًا لتطلعات قيادتنا الرشيدة -حفظهم الله- وتوفيرا لأفضل وأرقى الخدمات لضيوف الرحمن.

IMG 2566IMG 2567IMG 2568IMG 2569IMG 2571
خطب وأم المصلين في المسجد النبوي فضيلة الشيخ الدكتور صلاح بن محمد البدير إمام وخطيب المسجد النبوي الشريف. وبعد أن حمد الله تعالى بدأ خطبته بقوله: الماء هبة البارئ الكريم أنزله وجعله سقياً للخلق، يتخللُ ويتسلسل وينهمر وينصب، فتخضرّ بغدرانه الأرض، ويضحك بتهتانه الروض، يروي الهضاب والآكام، ويحي النبات والسّوام، ويسقي الخلق والأنام، يبوح بأسراره صفاؤه، ويلوح بإعجازه نقاؤه، وينطق بآيته سهولته وعذوبته وإرواؤه؛ وكل شراب وإن رقّ وصفا وعذب وحلا فليس يعوّض منه ولا ينوب عنه ولما كان الماء حياة الأنفس كانت العرب تستعير في كلامها الماء لكل ما يحسن منظره وموقعه ويعظم قدره ومحله فتقول ماء الوجه وماء الشباب وماء النعيم، وصدق الله ومن أصدق من الله قيلًا (وَجَعَلْنَا مِنَ ٱلْمَآءِ كُلَّ شَىْءٍ حَىٍّ ۖ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ).

وأكمل فضيلته: سقي الماء عنوان الرحمة وآية الإحسان وصدقة مباركة طيَّب الأرواح ريها وأحيا النفوس قطرها وكانت سقاية الحاج مأثرة من مآثر العرب ومفخرة من مفاخرهم فعن عبدالله بن عمرو رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (ألا إن كل مأثرة كانت في الجاهلية من دم أو مال تذكر وتدعى تحت قدمي، إلا ما كان من سقاية الحاج، وسدانة البيت).

وأضاف: وقد وردت الأحاديث الصحاح في فضل السقاية وتفخيم شأنها وتعظيم قدرها، فعن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى زمزم وهم يسقون ويعملون فيها فقال اعملوا فإنكم على عمل صالح، ثم قال لولا أن تغلبوا لنزلت حتى أضع الحبل على هذه يعني على عاتقه، وأشار إلى عاتقه.

وبين فضيلته: ويندب سقيا الماء في كل زمان صيفاً وشتاء، ولكنه في صفحة الحر وصمخته آكد استحباباً، وسقاية الماء والصدقة به وتبريد الأكباد الحرَّى وإرواء الصدور العطشى التي أصابها سعار العطش والتهابه وإنقاذ الأكباد الصادية في البيداء الخالية وأسعاف النفوس الظامئة في وهج الأيام القائظة من أفضل الصدقات وأجل القربات, قال صلى الله عليه وسلم (ليس صدقةٌ أعظم أجرًا ماء).

وأضاف: وإذا شربتم الماء النقي الهني الروي فتذكروا فقراء المسلمين الذين يسكنون المعطشة تذكروا من لا يجدون إلا الماء الآسن الآجن الذي لا يشربه أحد من نتنه وتغير لونه ورائحته وإذا فتحتم الصنابير في بيوتكم فانثج الماء الزلال السلسال ثجًا فتذكروا من يسيرون يوماً وليلة وأكثر يبحثون عن الماء، تذكروا من أجبرهم الجفاف ونضوب الآبار على ترك منازلهم وقراهم قد أصابهم من العيش ضفف وجفف وشظف وتلف وهم يستسقون فضل المحسنين فاستنقذوهم وأعينوهم.

واختتم فضيلته الخطبة بقوله: عن ابن هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ثَلَاثَةٌ لا يَنْظُرُ اللَّهُ إِلَيْهِمْ يَومَ القِيَامَةِ، وَلَا يُزَكِّيهِمْ، وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ: رَجُلٌ كانَ له فَضْلُ مَاءٍ بالطَّرِيقِ، فَمَنَعَهُ مِنَ ابْنِ السَّبِيلِ، وَرَجُلٌ بَايَعَ إِمَامًا لا يُبَايِعُهُ إِلَّا لِدُنْيَا، فإنْ أَعْطَاهُ منها رَضِيَ، وإنْ لَمْ يُعْطِهِ منها سَخِطَ، وَرَجُلٌ أَقَامَ سِلْعَتَهُ بَعْدَ العَصْرِ، فَقالَ: وَاللَّهِ الَّذي لا إِلَهَ غَيْرُهُ، لقَدْ أَعْطَيْتُ بهَا كَذَا وَكَذَا، فَصَدَّقَهُ رَجُلٌ).

أمّ إمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ الدكتور عبدالله الجهني المصلين في يوم الجمعة واستهل فضيلته خطبته قائلاً: فَإِن (الْمُسلم من سلم النَّاس من يَده وَلسَانه وَالْمُؤمن من أَمن النَّاس بوائقه) قَالَ خليفة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليما أَبُو بكر الصّديق رضي الله عنه: اتَّقِ الله بِطَاعَتِهِ وأطع الله بتقواه ولتخف يداك من دِمَاء الْمُسلمين وبطنك من أَمْوَالهم وَلِسَانك من أعراضهم وحاسب نَفسك فِي كل خطرة.

وتابع فضيلته: راقب الله في كل نفس وخف الله في دينك وأرجه في جميع أمورك وأصبر على ما أصابك فإن الصبر من الْإِيمَان بِمَنْزِلَة الرَّأْس من الْجَسَد فَإِذا قطع الرَّأْس ذهب الْجَسَد وَإِذا سَمِعت كلمة تغضبك فِي عرضك فَاعْفُ وَاصْفَحْ فَإِن ذَلِك من عزم الْأُمُور. قال تعالى ( وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَٰلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ ) 

وقال فضيلته: واعْمَلْ كَأَنَّك ترى الله، وعد نَفسك فِي الْمَوْتَى وَاعْلَم أَن الشَّرّ لَا ينسى وَالْخَيْر لَا يفنى وَاعْلَم أَن قَلِيلا يُغْنِيك خير من كثير يُلْهِيك وَإِيَّاك ودعوة الْمَظْلُوم، وما أقبل عبد بِقَلْبِه إِلَى الله عزوجل إِلَّا جعل الله قُلُوب الْمُؤمنِينَ تنقاد إِلَيْهِ بِالرَّحْمَةِ والمودة، وَاحْذَرْ مَوَاطِن الْغَفْلَة ومخاتل الْعَدو وطربات الْهوى وضراوة الشَّهْوَة وأماني النَّفس فَإِن رَسُول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليما قَالَ (أعدى أعدائك نَفسك الَّتِي بَين جنبيك) أخرجه البيهقي. وَإِنَّمَا صَارَت أعدى أعدائك لطاعتك لَهَا وكل أَمر لَاحَ لَك ضوءه بمنهاج الْحق فاعرضه على الْكتاب وَالسّنة والآداب الصَّالِحَة فَإِن خَفِي عَلَيْك أَمر فَخذ فِيهِ رَأْي من ترْضى دينه وعقله وَاعْلَم أَن على الْحق شَاهدا بِقبُول النَّفس لَهُ أَلا ترى لقَوْل رَسُول الله ﷺ (استفت قَلْبك وَإِن أَفْتَاك الْمفْتُون) رواه احمد وإسناده جيد.

واستكمل فضيلته: فالذي يستفتي قلبه ويعمل بما أفتاه به هو صاحب القلب السليم ، لا القلب المريض ، فإن صاحب القلب المريض لو استفتى قلبه عن الموبقات والكبائر لأفتاه أنها حلال لا شبهة فيها. قال شيخ الإسلام ابن تيمية "رحمه الله": فالقلب لا يصلح ولا يفلح ولا يلتذ ولا يسر ولا يطيب ولا يسكن ولا يطمئن إلا بعبادة ربه، وحبه، والإنابة إليه، ولو حصل له كل ما يلتذ به من المخلوقات؛ لم يطمئن ولم يسكن، إذ فيه فقرٌ ذاتيٌ إلى ربه. واحم الْقلب عَن سوء الظَّن بِحسن التَّأْوِيل وادفع الْحَسَد بقصر الأمل وانف الْكبر باستبطان الْعِزّ واترك كل فعل يضطرك إِلَى اعتذار وجانب كل حَال يرميك فِي التَّكَلُّف وصن دينك بالاقتداء واحفظ أمانتك بِطَلَب الْعلم وحصن عقلك بآداب أهل الْحلم، واستعن بِاللَّه فِي كل أَمر واستخر الله فِي كل حَال وَمَا أرادك الله لَهُ فاترك الِاعْتِرَاض فِيهِ وكل عمل تحب أَن تلقى الله بِهِ فألزمه نَفسك وكل أَمر تكرههُ لغيرك فاعتزله من أخلاقك وكل صَاحب لَا تزداد بِهِ خيرا فِي كل يَوْم فانبذ عَنْك صحبته وَخذ بحظك من الْعَفو.

وأهاب الجهني: قيد الْجَوَارِح رعاك الله بإحكام الْعلم وراع همك بِمَعْرِفَة قرب الله مِنْك وقم بَين يَدَيْهِ مقَام العَبْد المستجير تَجدهُ رؤوفا رحِيما قَالَ رَسُول الله  ( من كان يحب أن يعرف منزلته عند الله فلينظر كيف منزلة الله عنده فإِن الله عزوَجل ينزل العَبْد منه حيث أنزله من نفسه) رواه الحاكم ، وَذَلِكَ على قدر الخشية لله وَالْعلم بِهِ والمعرفة لَهُ.

وأشار فضيلته: وَاعْلَم رحمك الله أَنه من آثر الله آثره وَمن أطاعه فقد أحبه وَمن ترك لَهُ شَيْئا لم يعذبه بِهِ كَمَا قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم للحسن بن علي بن ابي طالب رضي الله عنه (دع مَا يريبك إِلَى مَا لَا يريبك) خرجه الترمذي وأحمد ، فَإنَّك ياعبدالله لن تَجِد فقد شَيْء تركته لله.

وتابع: وَاعْلَم اخي المسلم أَن كتاب الله تعالى ما أنزل إلا للعَمَل بِحكمِهِ من الْأَمر وَالنَّهْي وَالْخَوْف والرجاء لوعده ووعيده وَالْإِيمَان بمتشابهه وَالِاعْتِبَار بقصصه وَأَمْثَاله فَإِذا أتيت بذلك فقد خرجت من ظلمات الْجَهْل إِلَى نور الْعلم وَمن عَذَاب الشَّك إِلَى روح الْيَقِين قَالَ الله جلّ ذكره (الله ولي الَّذين آمنُوا يخرجهم من الظُّلُمَات إِلَى النُّور).

واختتم فضيلة خطبة الجمعة : فما أحوج المسلمين في هذا الزمن المملوء بالفتن والمحن والمصائب المملوء بالحقد والحسد والضغائن المحفوف بالعقوبات والأخطار، ما أحوجهم إلى العمل بنظام الإسلام من مكارم الأخلاق التي حث عليها القران الكريم والسنة المطهرة فيتحلى المسلم بها وبآدابها، ويكون على عقيدة ومنهج قويم بها يدعو غير المسلمين للإسلام فإنكم لن تسعوا الناس بأموالكم ولكن تسعوهم بأخلاقكم 
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (إِنّ هَذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشّرُ الْمُؤْمِنِينَ الّذِينَ يَعْمَلُونَ الصّالِحَاتِ أَنّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً).

photo1692961369photo1692961369 2photo1692961369 4photo1692961369 5photo1692961369 3photo1692961657photo1692961568
أمّ وخطب بالمصلين في المسجد النبوي فضيلة الشيخ الدكتور خالد بن سليمان المهنا إمام وخطيب المسجد النبوي الشريف واستهل خطبته: لقد خص الله تعالى نبيه محمدًا صلى الله عليه وسلم بخصائص ميزه بها على جميع الأنبياء والمرسلين، وجعل له شرعة ومنهاجا، أفضل شرعة، وأكمل منهاج، كما جعل أمته خير أمة أخرجت للناس، فهم يوفون سبعين أمة، هم خيرها وأكرمها على الله من جميع الأجناس، فجمع الله لأمته بخاتم المرسلين وإمام المتقين وسيد ولد آدم أجمعين ما فرقه في غيرهم من الفضائل، وزادهم من فضله أنواع الفواضل.

وقال فضيلته: أن من فضائل هذه الشريعة العظام ومحاسنها الجسام كثرة سبل الخير، وتنوع أعمال البر التي يتقرب بها كل مؤمن إلى مولاه، غنياً كان المؤمن أم فقيرًا، قوي كان أو ضعيفاً، ومن رحمته سبحانه وفضله على عباده أن رزقهم كلهم، ثم خص بعضهم بالغنى ليبلوهم بالشكر، وليتقربوا إليه بالزكاة والصدقات فتعظم أجورهم، وتطهر أموالهم، و تزكو نفوسهم، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، والله ذو الفضل العظيم.

وتابع فضيلته: ثم إنه سبحانه وهو البر الرحيم شرع لعباده من القربات ما يشرك به الفقير أخاه الغني، فيصير بمنزلته في حسن الثواب، أخرج الإمام مسلم رحمه الله في صحيحه من حديث الصحابي الجليل أبي ذر جندب بن جنادة الغفاري رضي الله عنه أن ناساً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله، ذهب أهل الدثور بالأجور، يصلون كما نصلي، ويصومون كما نصوم، ويتصدقون بفضول أموالهم، قال: «أوليس قد جعل الله لكم ما تصدقون؟ إن لكم بكل تسبيحة صدقة، وكل تكبيرة صدقة، وكل تحميدة صدقة، وكل تهليلة صدقة، وأمر بالمعروف صدقة، ونهي عن المنكر صدقة، وفي بضع أحدكم صدقة» قالوا: يا رسول الله! أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ قال: «أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه وزر؟ فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر».

وأكمل فضيلته : لقد دلت نصوص الوحيين الشريفين على سعة مفهوم الصدقة، وأن ما كان منها مالياً فإنه غير محصور في الفقير والمسكين، وإن كان فضل الصدقة عليهما ثابتاً جزيلاً، وأن ثمت أبواباً وسبلاً يلج منها العبد المنفق مهما قلت جدته إلى ديوان المتصدقين، ويلحق به ركب ذوي اليسار المنفقين، منها الإنفاق على العيال والأهل، بل والإنفاق على النفس، قال عليه الصلاة والسلام: «إذا أنفق الرجل على أهله نفقة يحتسبها فهي له صدقة»؛ وقال صلى الله عليه وسلم: «دينار أنفقته في سبيل الله، ودينار أنفقته في رقبة، ودينار أنفقته على مسكين، ودينار أنفقته على أهلك، أعظمها أجراً الذي أنفقته على أهلك».

وأضاف فضيلته: من وجوه الصدقة أن يغرس المسلم غرساً أو يزرع زرعاً فينتفع به إنسان أو حيوان، قال عليه الصلاة والسلام: «ما من مسلم يغرس غرساً أو يزرع زرعاً فيأكل منه إنسان أو طير أو بهيمة إلا كان له به صدقة».

واختتم فضيلته الخطبة بقوله: إن كل ما أعان المسلم أخاه عليه من جلب نفع، أو دفع ضر، أو إزالة مكروه، أو أدخل السرور عليه كل ذلك صدقة، قال عليه الصلاة والسلام: «إفراغك من دلوك في دلو أخيك صدقة، وأمرك بالمعروف ونهيك عن المنكر صدقة، وتبسمك في وجه أخيك صدقة، وإماطتك الحجر والشوك والعظم عن طريق الناس لك صدقة، وهدايتك الرجل في أرض الضالة صدقة»؛ وقال عليه الصلاة والسلام: «والكلمة الطيبة صدقة»؛ وقال أبو الدرداء رضي الله عنه: ما تصدق رجل بصدقة أفضل من موعظة يعظ بها جماعة فيتفرقون وقد نفعهم الله بها.
أمّ إمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ الدكتور أسامة خياط المصلين في يوم الجمعة واستهل فضيلته خطبته قائلاً: إذا كان العلم لدى كثير من الناس، قِوام الحياة، وأساس النهضات، وعِماد الحضارات، ووسيلة التقدُّم للأفراد والمجتمعات، فإنه لدى أولي الألباب من عباد الرحمن فوق ذلك كله: إذ هو طريقٌ يسهِّل الله به دخول الجنَّة دار السلام، والحظوة فيها بالنعيم المقيم، الذي لا ينفد ولا يبيد.

ولقد بيَّن ذلك وأرشد إليه، رسول الهدى-صلوات الله وسلامه عليه- بقوله: "وَمَن سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فيه عِلْمًا، سَهَّلَ اللَّهُ له به طَرِيقًا إلى الجَنَّةِ". الحديث، أخرجه مسلم في صحيحه، وأصحاب السنن من حديث أبي هريرة –رضي الله عنه-.
ولذا فإن العلم سبب السعادة في الحياة الدنيا وفي الآخرة، قال معاذ بن جبل –رضي الله عنه-: "العلم حياةُ القلوبِ من الجهلِ ، ومصابيحُ الأبصارِ من الظُّلَمِ ، يبلغ العبدُ بالعلم منازلَ الأخيارِ ، والدَّرجاتِ العلى في الدنيا والآخرة ، به تُوصَلُ الأرحامُ ، وبه يُعرَفُ الحلالُ من الحرامِ ، وهو إمامُ العملِ ، والعملُ تابعُه ، يُلهَمُه السُّعداءُ ، ويُحرَمُه الأشقياءُ".
فليس عجبًا أن تكون أول آية نزلت من كتاب الله تعالى، دعوةً إلى التعلُّم، وتعظيمًا لشأن المعرفة، وتنويهًا بقيمة القلم والقراءة؛ لأنَّهما طريق الوصول إليه، ووسيلة النَّهل من معينه، حيث قال سبحانه: ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ﴾.

وأضاف فضيلته :لقد نوه سبحانه بفضل العلم وأهله، ورفعة منزلتهم، وعُلوِّ كعبهم، وشرف مقامهم، ونفى المساواة بينهم وبين غيرهم، حيث قال عزَّ اسمه: ﴿قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ﴾. و جعل سبحانه للعلماء مقام الخشية الحقَّة منه؛ لأن العلم أرشدهم إلى كمال قدرته، وعظيم قوته، وبديع صفاته، فزادهم ذلك هيبة منه، وإجلالًا له، فقال عزَّ من قائل: ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ﴾. وشبه عز وجل العالم بالبصير، والجاهل بالأعمى والأصم، كما شبه كذلك العلم والإيمان بالنور، والجهل والكفر بالظلمات، ونفى المساواة بينهما كما تنتفي المساواة بين الظلِّ والحَرور الذي يُتضرَّر به، وكما لا يستوي الأحياء بنور العلم والإيمان، ولا الأموات الذين نَسوا الله وأعرضوا عن نوره، فأمات الله قلوبهم، فهي بذلك لا تتأثر بموعظة، ولا تستجيب لداعي الهدى، فقال -عزَّ وجلَّ-: ﴿مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالْأَعْمَىٰ وَالْأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا أَفَلَا تَذَكَّرُونَ﴾، وقال سبحانه: ﴿وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَىٰ وَالْبَصِيرُ (19) وَلَا الظُّلُمَاتُ وَلَا النُّورُ (20) وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ (21) وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ وَلَا الْأَمْوَاتُ إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَن يَشَاءُ وَمَا أَنتَ بِمُسْمِعٍ مَّن فِي الْقُبُورِ﴾. وقرن جل وعلا أهل العلم بذكر الملائكة في شهادتهم بالوحدانية لله تعالى، باستيقانهم أنَّه لا معبود بحق إلا الله، فعبدوه حق العبادة، ونَفَوا عنه الشركاء، فقال: ﴿شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾.

وقال فضيلته: في سُنَّة رسول الله-صلَّى الله عليه وسلَّم- يا عباد الله، ما لا يكاد يستوعبه الحصر، فمن ذلك: ما أخرجه الترمذي في جامعه بإسناد صحيح، عن أبي أُمَامة الباهلي –رضي الله عنه- أنَّه قال: "ذُكِر لرسول الله  -صلَّى الله عليه وسلَّم- رجلان أحدهما عابد والآخرُ عالمٌ فقالَ رسولُ اللَّهِ -صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ-: فضلُ العالِمِ على العابدِ كفضلي على أدناكُم ثمَّ قالَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ: إنَّ اللَّهَ وملائِكتَهُ وأَهلَ السَّماواتِ والأرضِ حتَّى النَّملةِ في جُحرِها وحتَّى الحوتِ ليصلُّونَ على مُعلِّم النَّاسِ الخير".
وبيّن خياط: إنَّه لفضل قد بلغ الغاية، ولما لا يكون كذلك، وقد بيَّن رسول الله-صلَّى الله عليه وسلَّم- أنَّ العلماء هم ورثة الأنبياء حقًّا؛ لأنَّ الميراث الذي تركه الأنبياء هو العلم، فقال عليه الصلاة والسلام: " مَن سلَكَ طريقًا يلتَمِسُ فيهِ علمًا ، سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ طريقًا إلى الجنَّةِ، وإنَّ الملائِكَةَ لتَضعُ أجنحتَها لطالِبِ العلمِ رضًا بما يصنعُ وإنَّ العالم ليستغفِرُ لَهُ مَن في السَّمواتِ ومن في الأرضِ ، والحيتانِ في جوف الماءِ ، وإنَّ فضلَ العالمِ على العابدِ كفَضلِ القمرِ ليلة البدرِ على سائرِ الكواكبِ ، وإنَّ العُلَماءَ ورثةُ الأنبياءِ، إنَّ الأنبياءَ لم يورِّثوا دينارًا ولا درهمًا وإنَّما ورَّثوا العلمَ فمَن أخذَهُ أخذَ بحظٍّ وافرٍ". أخرجه أبو داود والترمذي وابن ماجة في سننهم، وابن حبان في صحيحه والبيهقي في شعب الإيمان بإسناد حسن. وأخبر صلى الله عليه وسلم أنَّ العلم النافع هو أحد ثلاث خِصال يستمر ثوابها موصولًا لصاحبه، فلا ينقطع بموته، فقال: "إذا مات ابنُ آدمَ انقطع عملُه إلا من ثلاثٍ : صدقةٍ جاريةٍ، أو علمٍ يُنتفَعُ به، أو ولدٌ صالحٌ يدعو له". أخرجه مسلم في صحيحه.
إلى غير ذلك من نصوص الوحيين، الدالَّة على فضل العلم وأهله، وشرف منازلهم، وكريم مآلهم، مما كان له أعظم الآثار وأعمقها في نفوس السلف الصالح-رضوان الله عليهم-، فهذا الإمام محمد بن شهاب الزهري يقول: "لَأنْ أجلِسَ ساعةً فأتفَقَّهَ أحَبُّ إليَّ مِن أنْ أُحييَ لَيلةً إلى الصَّباحِ". ويقول مصعب بن الزبير –رحمه الله- لابنه: "تعلَّم العِلم فإن كان لك مالٌ كان لك جمالًا، وإن لم يكن لك مالٌ كان لك مالًا". وكان ابن مسعود رضي الله عنه إذا رأى طلاب العلم قال: "مرحبًا بكم ينابيع الحكمة، ومصابيح الظلمة، خلقان الثياب، جدد القلوب، رياحين كل قبيلة".

   ونبّه فضيلته: أفلا يجدر إذًا بكل طالب علم، وبكل آخذٍ منه بطرف، وبكل ضاربٍ فيه بسهمٍ، أن يكون له في الإقبال عليه: عزمٌ ماضٍ لا ينثني، وأن تكون له في طلبه وفي الاشتغال به، نيِّة خالصة، ومقصودٌ حسن، بأن يبتغي به وجه ربه الأعلى، لا ليصيب به عرضًا من الدنيا، ولا ليباهي به العلماء، أو يماري به السفهاء، أو ليصرف به وجوه الناس إليه، فقد جاء الوعيد الصارخ لمن قصد إلى ذلك أو اتصف به، في الحديث الذي أخرجه ابن ماجة في سننه وابن حبان في صحيحه بإسناد صحيح عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:   "لا تعلَّموا العِلمَ لِتُبَاهُوا بهِ العلَماءَ ، و لا تُماروا بهِ السُّفهاءَ ، و لا تَخيَّروا بهِ المَجالسَ ، فمَن فعل ذلكَ فالنَّارُ النَّارُ". وفي رواية لابن ماجة من حديث حذيفة بن اليمان رضي الله عنه: "فمن فعل ذلك فهو في النار".
وأشار خياط: كما يتعين على طالب العلم أن يذكر أنَّه إذا كان المؤمن القوي خيرًا وأحبَّ إلى الله من المؤمن الضعيف، فإن من القوَّة المحبوبة عند الله تعالى، قوَّة المسلم في علمه وعمله، تلك المتمثلة في كمال المحبة لهذا العلم، ودوام المدارسة له، والاستكثار من البحث في دقائقه، والكشف عن غوامضه، والاستعانة  على التمكُّن من أزمِّته بالعمل به وتعليمه، ولا ريب أنَّ قوَّة المسلم هي قوَّة لأمَّته، وأنَّ كلَّ ما يحرزه من تفوُّق، أو يصيبه من نجاح، أو يبلغه من توفيق، عائدٌ أثره عليها لا محالة.

وتابع فضيلته: بإنه وإن كان المراد بالعلم الميراث النبوي، وهو: علم الكتاب والسنة وما له تعلقٌ بهما، إلا إنَّ الحق أنه شامل أيضًا لكل علم تنتفع به الأمة، ويعلو به قدرها، ويعزُّ به جانبها، ويكثر به خيرها، ويضطرد به تقدُّمها، وتأخذ به مكانها بين الأمم، ويكون سببًا في رسم الصورة الصحيحة الحقة لهذا الدين، في ربطه بين الدين والدنيا، وسعيه لكافة شعائره وشرائعه؛ لتحقيق السعادة للمسلم في الحياتين.

وحثّ فضيلته: إن في العناية بعلوم الحياة على اختلاف ألوانها: عنايةً بعلوم الكتاب والسنة، ببيان جملةٍ وافرة من معانيهما، بالاستعانة بما تقدمه تلك العلوم من فوائد وقواعد، وما توفره من وسائل، وما تستند إليه من كشوفٍ ومخترعات.

واختتم فضيلته: اتقوا الله عباد الله، واحرصوا على الاشتغال بكل علمٍ نافع، وكل عملٍ صالح، تبلغون به رضوان الله، والرفعة لأمتكم في حياتكم الدنيا.

photo1692355696
photo1692355712
photo1692355676photo1692355678
photo1692355679
photo1692355706photo1692355708photo1692355670
photo1692355716photo1692355728
ألقى معالي الشيخ الدكتور سعد بن ناصر الشثري عضو هيئة كبار العلماء والمستشار في الديوان الملكي، محاضرة بعنوان (مسائل مهمة في الإيمان)، وذلك ضِمن سلسلة محاضرات دورة "أصول الإيمان" المقامة في رحاب المسجد الحرام.

وابتدأ معالي الشيخ -وفقه الله- حديثه بعد حمد الله والصلاة والسلام على رسول الله عن أهمية الإيمان بالله، وأنه أصل دعوة الرسل عليهم السلام؛ قال الله تعالى (رَّبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا...). وقد جعل الله عز وجل أهل الإيمان أولياءَه؛ فقال تعالى (ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولاهم يحزنون •الذين آمنوا وكانوا يتقون). وجعل سبحانه أهل الإيمان خيرَ الخلق؛ قال الله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ). ووعد سبحانه وتعالى عبادَه المؤمنين بالنصر والتمكين؛ فقال الله تعالى (إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ).

ثم أشار معاليه إلى غلطَ من أخرج الأعمال الصالحة من مفهوم الإيمان، فقد وردت نصوص كثيرة من الكتاب والسنة تدل على أن الأعمال من الإيمان: كقول النبي صلى الله عليه وسلم: [مَن كانَ يُؤْمِنُ باللَّهِ والْيَومِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا، أوْ لِيصْمُتْ، ومَن كانَ يُؤْمِنُ باللَّهِ والْيَومِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ جارَهُ، ومَن كانَ يُؤْمِنُ باللَّهِ والْيَومِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَه].
وقد قال صلى الله عليه وسلم لما سئل عن أفضل الإيمان فأخبرهم بأمور من أعمالهم؛ وقال صلى الله عليه وسلم: [الإِيمانُ بضْعٌ وسَبْعُونَ، أوْ بضْعٌ وسِتُّونَ، شُعْبَةً، فأفْضَلُها قَوْلُ لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وأَدْناها إماطَةُ الأذَى عَنِ الطَّرِيقِ، والْحَياءُ شُعْبَةٌ مِنَ الإيمانِ]. ولذا فإن الصواب في هذه المسألة أن الإيمان يشمل الأقوال والأعمال والاعتقادات كما دلت على ذلك نصوص الكتاب والسنة.

ثم ذكر الشثري مسألة من قال بانتفاء الإيمان بالكلية عمن زال عنه أحد أعمال الإيمان الثلاثة، وضرب مثالًا بالشجرة، فإن لها عروقًا في الأرض وجذعًا وأغصانًا، وكلها تدخل في مسمى الشجرة، ولا يلزم زوال بعض هذه الأجزاء زوالها بالكلية، مع أن الجميع يدخل في مسمى الشجرة، وهكذا ما يتعلق باسم الإيمان. وبهذا يُعلمُ أن الإيمان يزيد بفعل الطاعات وينقص باقتراف المحرمات؛ كما قال الله تعالى (إنَّما المُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إذا ذُكِرَ اللهُ وجِلَتْ قُلُوبُهم وإذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زادَتْهم إيمانًا...).
ثم بيّن معاليه أنه كما أن الإيمان يزيد وينقص فإن الكفر على درجات؛ كما قال الله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلًا)
وكذلك فإن اليقين والجزم والعلم والقطع يتفاوت الناسُ فيه؛ فقد قال الله تعالى (وإذ قال إبراهيم رب أرني كيف تحيي الموتى قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي...)، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: [ليس الخَبَرُ كالمُعايَنةِ قال اللهُ لموسى : إنَّ قومَكَ صنَعوا كذا وكذا فلمَّا يُبالِ فلمَّا عايَن ألقى الألواح]، ولذا فإن الإيمان كما أنه مشتمل على الأعمال فهو المنطلق لها.
وينبغي لمن يدعو إلى الله تعالى وإلى دينه أن يبدأ بذكر أركان الإيمان فإنها متى رسخت في قلب العبد وثبتت فيه عصم اللهُ صاحبها من أنواع السوء.

ثم نوّه معاليه بأن الله جل وعلا أخبر أن من فضائل الإيمان ثبات أهله على الحق وعدم تحولهم عنه بفتنة أو دعوة من أهل الباطل، قال الله تعالى: (يُثَبِّت اللهُ الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة..).

وذكر الشثري أركان الإيمان وأنه كما جاء في حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما سأل جبريلُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم عن الإيمان فقال: [أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره).

ثم بين أن الناظر في مسمى (الذين آمنوا) في الكتاب والسنة يجد أنه يطلق على ثلاث معان صحيحة:
  • أهل الإيمان الكامل.
  • من كان عنده أصل الإيمان لا كمالُه.
  • من يظهر أنه من أهل هذا الدين سواء كان صادقا في دعواه أو لم يكن صادقًا.
والإيمان بالله عز وجل أول واجب على العباد، ولذا كانت دعوة أنبيائه ورسله إلى إفراده سبحانه وتعالى بالعبادة، وذلك داخل في مسمى الإيمان.
ثم شرع في ذكر بعض فوائد الإيمان بالله جل وعلا وأن المؤمن يعصمه اللهُ من عدوه (الشيطان) فلا يتمكن من إغوائه باستمرار؛ قال الله تعالى: (إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون)، وقال الله تعالى: (إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون).
ثم بين أن الإيمان بالله يشمل أنواع التوحيد الثلاثة، توحيد الربوبية، وتوحيد الألوهية، وتوحيد الأسماء والصفات، وقد جاءت النصوص الشرعية بإثباتها قال الله تعالى: (الحمد لله رب العالمين)، وفيها إثبات توحيد الربوبية؛ وقال الله تعالى: (الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ۝ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ)، وفي هذه الآية إثبات لتوحيد الأسماء والصفات، قال تعالى (إياك نعبد وإياك نستعين) وفيها إثبات توحيد الألوهية. والعبادة: اسم يشمل أفعالًا وأقوالًا واعتقادات يُتَقرَّبُ ويُذَلُّ بها إلى من تُقصد به، ولذا جاءت النصوص بوجوب إفراد الله جل وعلا بالعبادة في جميع تلك الأمور المشتملة على العبادة.

ثم شرع الشثري في الركن الثاني من أركان الإيمان وهو: ألا يعبدَ اللهُ إلا بما شرع. قال الله تعالى: (.. وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا...)، وقال الله تعالى: (قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم...)، وقال الله تعالى (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا)، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: [من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد]، وقال صلى الله عليه وسلم: [من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد].
ثم ذكر أن أهل الإيمان يقرون بأن القرآن حق من عند الله تعالى، وهو كلامه على الحقيقة، ويؤمنون بما جاء فيه دون تحريف أو تأويل يخالف ظاهر نصوصه، ويؤمنون بما جاء فيه من صفات الله عز وجل دون تشبيه أو تكييف.
وما ينسب إلى الله عز وجل في القرآن من أسمائه وصفاته على أربعة أنواع:
  • الأخبار: فإنه قد يخبر سبحانه عن نفسه بأنه موجود وأنه شيء، فلا نأخذ منها صفة ولا اسما.
  • الأفعال: فنثبتها له سبحانه دون إثبات صفة أو اسم، كما في قوله تعالى (والذين لا يجدون إلا جهدهم فيسخرون منهم سخر الله منهم).
  • الصفات التي وصف الله سبحانه وتعالى بها نفسَه، فهذه نأخذ منها أفعالًا وأخبارًا لكننا لا نثبت الأسماء بناء عليها، ومن ذلك صفة (المكر) كما في قوله تعالى (وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين).
  • الأسماء كما في قوله تعالى (الرحمن الرحيم) فيجوز أن ندعو بها وأن نُسميَ باسم معبّد لها، وليُعلم أن ما ينسب إلى الله عز وجل على وجه الإضافة لا يؤخذ منه أسماء، وإنما يؤخذ منه صفات وأفعال.
وفي ختام الدرس دعا معاليه للمسلمين بصلاح حالهم وأن يوحدهم الله على الحق، ودعا لولاة أمور المسلمين بالتوفيق والسداد، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

يذكر أن الدروس والمحاضرات العلمية بالمسجد الحرام تنظمها وتشرف عليها رئاسة الشؤون الدينية بالمسجد الحرام والمسجد النبوي، تحقيقاً لتطلعات ولاة الأمر -حفظهم الله-، في جعل الحرمين الشريفين منارةً للهدى والعلم والدين.


زار معالي رئيس الشؤون الدينية بالمسجد الحرام والمسجد النبوي الشيخ الدكتور عبدالرحمن بن عبدالعزيز السديس، معالي رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للعناية بالمسجد الحرام والمسجد النبوي الدكتور توفيق بن فوزان الربيعة، لبحث أوجه التعاون والتنسيق والتكامل.

وأكد معالي رئيس الشؤون الدينية بالمسجد الحرام والمسجد النبوي خلال اللقاء أن الجميع سيقدم العديد من الجهود الجليلة والمباركة والتي تأتي بدعم ولاة أمر هذه البلاد المباركة -حفظهم الله- لتهيئة جميع الخدمات لضيوف الرحمن.

كما نوه معالي رئيس الشؤون الدينية بالمسجد الحرام والمسجد النبوي إلى ضرورة توطيد التعاون والتآزر بين رئاسة الشؤون الدينية بالمسجد الحرام والمسجد النبوي والهيئة العامة للعناية بالمسجد الحرام والمسجد النبوي لتطوير الخدمات المقدمة إلى ضيوف الرحمن، سائلاً الله -العلي القدير- أن يبارك في جهود الجميع وأن يجعل ما يبذل من خدمات لضيوف الرحمن في موازين أعمالهم الصالحة، وأن يحفظ قيادتنا الرشيدة ووطنا الغالي.
IMG 20230813 160601 764IMG 20230813 160601 781IMG 20230813 160602 305IMG 20230813 160602 114IMG 20230813 160602 470IMG 20230813 160602 500

رفع معالي رئيس الشؤون الدينية بالمسجد الحرام والمسجد النبوي الشيخ الدكتور عبدالرحمن بن عبدالعزيز السديس، شكره وتقديره لمقام خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود -حفظه الله-، على رعايته ودعمه للمؤتمر الدولي "التواصل مع إدارات الشؤون الدينية والإفتاء والمشيخات في العالم وما في حكمها"،(تواصل وتكامل)، والذي يقام في مكة المكرمة، وتنظمه وزارة الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد.

وأكد معالي رئيس الشؤون الدينية بالمسجد الحرام والمسجد النبوي خلال حضوره المؤتمر بأن الرعاية الكريمة من لدن خادم الحرمين الشريفين، تؤكد أن المملكة العربية السعودية تؤدي دوراً مهماً ومحورياً في دعم السلام والتسامح، انطلاقاً من حرصها على تحقيق آمال وتطلعات الشعوب المسلمة.
وأشار معالي رئيس الشؤون الدينية بالمسجد الحرام والمسجد النبوي إلى أن انعقاد هذا المؤتمر يجسد الدور الريادي للقيادة الرشيدة -حفظهم الله-، في نشر رسالة ديننا الحنيف، والتي مصدرها القرآن الكريم والسنة النبوية، الداعية إلى التسامح ونشر الوسطية والاعتدال بين الناس.
وفي الختام دعا معالي رئيس الشؤون الدينية بالمسجد الحرام والمسجد النبوي بأن يحفظ خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وسمو ولي عهده الأمين رئيس مجلس الوزراء صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان -حفظهم الله- وأن يحفظ بلاد المسلمين من كل مكروه وأن يديم على هذه البلاد المباركة أمنها وأمانها ورخاءها واستقرارها وازدهارها.
 
رفع معالي رئيس الشؤون الدينية بالمسجد الحرام والمسجد النبوي الشيخ الدكتور عبدالرحمن بن عبدالعزيز السديس، شكره وتقديره لسمو ولي العهد الأمين رئيس مجلس الوزراء صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله-، على دعمه لإقامة المؤتمر الدولي "التواصل مع إدارات الشؤون الدينية والإفتاء والمشيخات في العالم وما في حكمها"،(تواصل وتكامل)، والذي يقام في مكة المكرمة، وتنظمه وزارة الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد.
وأضاف معالي رئيس الشؤون الدينية أن هذا الدعم ما هو إلّا امتدادٌ لعناية ولاة الأمر -حفظهم الله- منذ عهد المؤسس الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن -طيب الله ثراه-، إلى العهد الزاهر عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، وسمو ولي عهده الأمين رئيس مجلس الوزراء صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز- حفظهما الله- لكل ما يخدم الإسلام والمسلمين وينشر المحبة والتسامح بين الشعوب كافة.
وقدّم معاليه، الشكر والتقدير والامتنان للقيادة الرشيدة -أيدها الله- على ما تبذله من رعاية واهتمام لإقامة مثل هذه المؤتمرات التي تجمع علماء الأمة الإسلامية.
وختم معالي رئيس الشؤون الدينية بالمسجد الحرام والمسجد النبوي حديثه داعياً المولى -عز وجل- أن يجزي خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده الأمين -حفظهم الله- خير الجزاء على رعايتهم واهتمامهم وخدمتهم للإسلام والمسلمين، وأن يديم على بلادنا الغالية نعمة الأمن والأمان والرخاء.
الصفحة 1 من 13