خطب وأم المصلين في المسجد النبوي فضيلة الشيخ الدكتور علي بن عبدالرحمن الحذيفي إمام وخطيب المسجد النبوي الشريف.
وبعد أن حمد الله تعالى بدأ خطبته بقوله: عباد الله ما أعظم البشرى للمؤمنين من الرب الرحيم ذي الكلمات التامات الذي لا يخلف الميعاد، وتتحقق البشرى إذا تحققت شروطها فاستبشروا بوعد العظيم الجليل القائل: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ ۝ نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ ۖ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ ۝ نُزُلًا مِّنْ غَفُورٍ رَّحِيمٍ ﴾.، إن الذي قالوا ربنا الله ثم استقاموا، تمام الكلام: تتنزل عليهم الملائكة، وقول المؤمنين: ربنا الله، إقرار باللسان واعتقاد بالقلب وهو الجنان، كما قال تعالى: ﴿رَّبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا﴾، ومع القول والاعتقاد؛ استقامة عمل صالح؛ ثم استقاموا، فالإيمان قول واعتقاد وعمل، والاستقامة أمر عظيم وأعلاها هي القيام بالفرائض والواجبات والمستحبات ومجانبة المحرمات والمكروهات والثبات على ذلك، كما أمر الله بذلك رسوله ﷺ بقوله: ﴿ فَٱسْتَقِمْ كَمَآ أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْاْ ۚ إِنَّهُۥ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ﴾؛ والمؤمنون في الاستقامة درجات كما قال سبحانه: ﴿ فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ۚ ذَٰلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ ۝ جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا ۖ وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ ﴾.
وقول الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وقت قولهم ذلك عند انقطاع الدنيا والدخول في الآخرة، تقول للمؤمنين جزاءً لهم على الاستقامة لا تخافوا، والخوف لا يكون إلا من مستقبل، أي: لا تخافوا على من خلفتم وراءكم من الذرية فالله يتولاهم وهو يتولى الصالحين؛ ولا تحزنوا؛ والحزن لا يكون إلا على الماضي، أي: لا تحزنوا على ما مضى فقد انتهى الحزن ولن يعود، وهذه بشرى على الاستقامة بالأمن من المستقبل وأن الحزن لن يعود؛ وتقول لهم الملائكة وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون، قال تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ ﴾ والجنة فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر. [رواه البخاري]؛ نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة؛ فالملائكة أولياء المؤمنين في الدنيا بالنصرة والتأييد، قال تعالى: ﴿ إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا ﴾؛ والملائكة تطمئن المؤمن ليصدق بوعد الله وتطرد وساوس الشيطان عن المسلم، عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - عن النبي ﷺ قال: «إن للشَّيطانِ للمَّةً بابنِ آدمَ، ولِلمَلك لَمَّةٌ، فأمَّا لمَّةُ الشَّيطانِ فإيعادٌ بالشَّرِّ وتَكْذيبٌ بالحقِّ، وأمَّا لمَّةُ الملَكِ فإيعادٌ بالخيرِ وتصديقٌ بالحقِّ».

وأكمل: والملائكة أولياء المؤمنين بالحفظ في الدنيا من الشياطين، قال تعالى: ﴿لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ﴾. والملائكة أولياء المؤمنين في الدنيا بالصحبة الدائمة بكل خير وبر، والملائكة أولياء المؤمنين في الآخرة، قال تعالى:﴿ وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِم مِّن كُلِّ بَابٍ ۝ سَلَامٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ ۚ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ ﴾. والبشائر من الملائكة للمؤمنين بأمر الله تتوالى، وكل بشارة أعظم من الأخرى وآخر بشارة لهم في هذه الآية قولهم: ﴿وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ﴾، لكم في الجنة كل ما تتمنون وفوق الأماني ولكم كل طلب تدعون به، نزلاً من غفور للذنوب، رحيم رحمة بالمؤمن، والنزل في لغة العرب ما يعد للضيف، وهذا كقول الله تعالى : ﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ۝ أُولَٰئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾.

وأضاف فضيلته: ومن أعظم وصايا النبي ﷺ التي تجمع الدين كله، قوله عليه الصلاة والسلام لسفيان بن عبد الله - رضي الله عنه - : «قل آمنت بالله ثم استقم» [رواه مسلم]؛ وما أحسن أن يتذكر المسلم هذه الآيات العظيمة بعد أن يقوم بصالحات الأعمال راغباً راجياً لله تعالى، راهباً خائفاً من ربه ليرحمه ويجيره من عذابه؛ والمسلمون بالعمل بالاستقامة درجات، فأعلاهم درجة وأحسنهم حالاً هم الذين يتبعون الحسنات بالحسنات ويتركون المحرمات فأولئك السابقون، قال تعالى: ﴿ وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ ۝ أُولَٰئِكَ الْمُقَرَّبُونَ ۝ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ ﴾، ودون هذه الدرجة درجة قوم عملوا الحسنات وقارفوا بعض السيئات، وأتبعوا السيئات الحسنات، قال تعالى: ﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ ۚ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ۚ ذَٰلِكَ ذِكْرَىٰ لِلذَّاكِرِينَ ﴾، وإذا نزل المسلم عن هذه الدرجة الثانية خلط عملاً صالحاً وآخر سيئاً وهو لما غلب عليه منهما، وهو تحت رحمة الله ومشيئته، قال تعالى: ﴿ وَأَنِيبُوا إِلَىٰ رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ ﴾.

واختتم فضيلته الخطبة بقوله: فاتقوا الله بالعمل بمرضاته، ومجانبة محرماته، تفوزوا برضوانه وجناته، قال تعالى: ﴿ مَن جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَن جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَىٰ إِلَّا مِثْلَهَا وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ﴾ وتفيد الآية أن من جاء بالحسنة محافظاً عليها من المبطلات فله عشر أمثالها، فاعمل الخيرات وجانب المحرمات، واعمل بوصية الرسول ﷺ اتق الله حيثما كنت وأتبع السيئة الحسنة تمحها وخالق الناس بخلق حسن.


أمّ وخطب المصلين بالمسجد الحرام فضيلة الشيخ االاستاذ الدكتور ياسر الدوسري واستهل فضيلته خطبته قائلًا: الحمدُ للهِ الذي جعلَ ذكرَهُ ميسوراً، وأجزلَ الثوابَ للذاكرينَ وجعلَ جزاءَهُم مَوفوراً، {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا}.

وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحدَهُ لا شريكَ لهُ، وأشهدُ أنَّ محمداً عبدُهُ ورسولُهُ، أرسلَهُ الله للناسِ بشيراً ونذيراً، وداعياً إلى اللهِ بإذنِهِ وسِراجاً مُنيراً، صلَّى اللهُ وسلَّمَ وباركَ عليه، وعلى آلِهِ وصحبِهِ ومَنْ تبعهُمْ بإحسانٍ، وأعدَّ لهمْ يومَ القيامةِ أجراً كبيراً ،، أما بعد :
فأوصيكُم - أيها الناسُ – ونفسـي بتقوى اللهِ، فإنَّها هي العُدَّةُ الوافيةُ، والجُنَّةُ الكافيةُ، فاتقوا ربَّكُمْ في السِّرِّ والعلانيةِ، واستعينوا على ذلكَ بذكرِ الملكِ العظيمِ، فإنَّ ذكرَهُ يُورثُ النعيمَ المقيمَ، ويُنجي مِنَ العذابِ الأليمِ.

وقال فضيلته يامعاشر المؤمنين :إِنّ ذِكرَ اللهِ تعالى هو أزكى الأَعمَالِ، وخيرُ الخصالِ، وأحبُّها إلى اللهِ ذي الجلالِ؛ ولقد تضافرتْ نصوصُ الوحيين واستفاضتْ في بيانِ فضلِ الذكرِ، وما يترتبُ عليهِ مِنْ عظيمِ الثوابِ والأجرِ، وما أعِدَّ لأهلِهِ مِنَ العواقبِ الحميدةِ، والدرجاتِ الرفيعةِ، في الدنيا وفي الآخرةِ، قالَ تعالى: {وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا } [الأحزاب: 35]. وقد روى الترمذيُّ وغيرُهُ عنْ أبي الدَّرداءِ رضيَ اللهُ عنهُ قالَ: قالَ رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلَّمَ: «أَلاَ أُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرِ أَعْمَالِكُمْ، وَأَزْكَاهَا عِنْدَ مَلِيكِكُمْ، وَأَرْفَعِهَا فِي دَرَجَاتِكُمْ، وَخَيْرٍ لَكُمْ مِنْ إِنْفَاقِ الذَّهَبِ وَالوَرِقِ، وَخَيْرٍ لَكُمْ مِنْ أَنْ تَلْقَوْا عَدُوَّكُمْ فَتَضْرِبُوا أَعْنَاقَهُمْ وَيَضْرِبُوا أَعْنَاقَكُمْ؟» قَالُوا: بَلَى. قَالَ: «ذِكْرُ اللهِ تَعَالَى».

وأضاف فضيلته عباد الله :إِنّ ذِكرَ اللهِ تعالى يُرضِي الرّحمَنَ، وَيَزِيدُ الإِيمَانَ، ويَطرُدُ الشَّيطَانَ، وَيجتثُّ الهمومَ والأحزانَ، وَيَملَأُ النفسَ بِالسُّرُورِ وَالرّضوَانِ، فَيَحيَى القَلبُ مِنْ مَوَاتِهِ، ويحولُ بينَ الإنسانِ وبينِ فواتِهِ، وَيُفِيقُ مِنْ سُبَاتِهِ، فيكونُ سَبَباً لِنَشَاطِ البدن وَقُوَّتِهِ، وَنضارة الوَجهِ وَهَيبَتِهِ، والذكرُ يُوصلُ الذاكرَ إلى المذكورِ، حتى يصبحَ الذاكرُ مذكورًا، قالَ جلَّ ذكرُهُ: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلاَ تَكْفُرُونَ} [البقرة: 152]، ولو لم يكنْ في فضلِ الذكرِ إلا هذهِ وحدهَا لكفَى بهِ فضلاً وشرفاً. قالَ ابنُ القيمِ - رحمه الله - : "والذكرُ مَنْ أُعطيهُ اتصلَ، ومَنْ مُنِعَهُ عُزِلَ".

و أضاف أيها المؤمنون :للذكرِ فوائدُ كثيرةٌ عظيمةٌ، ومنافعُ جليلةٌ جسيمةٌ، يعجزُ العقلُ عنْ إدراكِ نعمائِهَا، وينقطعُ النظرُ دونَ أفقِ سمائِهَا، ويضيقُ المقامُ عنْ إحصائِهَا، والإحاطةِ بهَا أو استقصائِهَا، فالذكرٌ جالبٌ للنِّعمِ المفقودةِ، وحافظٌ للنِّعمِ الموجودةِ.فمنْ منافعِ الذكرِ وفوائدِه: أنَّهُ يُورثُ القلبَ حياةً، فهو لهُ كالقُوتِ، ومَنْ هجرَهُ فهو المخذولُ الممقوتُ، فإذا فقدَهُ العبدُ صارَ بمنـزلةِ الجسمِ الهامِدِ، أو الرمادِ الخامدِ، وصارَ بناؤُهُ كالخرابِ، وإقبالُهُ على مَرامِهِ كالسـرابِ، فقد روى الشيخان عَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَثَلُ الَّذِي يَذْكُرُ رَبَّهُ وَالَّذِي لاَ يَذْكُرُ رَبَّهُ، مَثَلُ الحَيِّ وَالمَيِّتِ».
ومنها: أنَّهُ يُورثُ الذاكرَ الاقترابَ، وبدونِهِ يَشعرُ بالوحشةِ والاغترابِ، فعلى قدرِ ذكرِهِ للهِ عزَّ وجلَّ يكونُ قُربُ العبدِ منهُ، كما أنَّ الذكرَ يُورثُ العبدَ المراقبةَ للهِ حتى يبلغَ بذلكَ درجةَ الإحسانِ، فيعبدَ اللهَ كأنَّه يراهُ.
ومنها: أنَّ الذكرَ طمأنينةٌ للقلوبِ، وصلةٌ وثيقةٌ بعلَّامِ الغيوبِ، قال تعالى: {أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد: 28].
ومنها: أنَّهُ سببٌ لتنزّلِ السكينةِ، وغِشيانِ الرحمةِ، وحضورِ الملائكةِ، فمجالسُ الذكرِ مجالسُ الملائكةِ الكرامِ، وميادينُ بلوغِ المرامِ، فقد روى مسلمٌ في صحيحهِ عنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا يَقْعُدُ قَوْمٌ يَذْكُرُونَ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ إِلَّا حَفَّتْهُمُ المَلَائِكَةُ، وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ، وَنَزَلَتْ عَلَيْهِمِ السَّكِينَةُ، وَذَكَرَهُمُ اللهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ».
ومنها: أنَّ اللهَ يُباهي بالذاكرينَ ملائكتَهُ، فقدْ أخرجَ مسلمٌ في صحيحهِ عَنْ مُعَاوِيَةَ رضي اللهُ عنهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ عَلَى حَلْقَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَقَالَ: «مَا أَجْلَسَكُمْ؟» قَالُوا: جَلَسْنَا نَذْكُرُ اللهَ وَنَحْمَدُهُ عَلَى مَا هَدَانَا لِلْإِسْلَامِ، وَمَنَّ بِهِ عَلَيْنَا، قَالَ: «آللهِ مَا أَجْلَسَكُمْ إِلَّا ذَاكَ؟» قَالُوا: وَاللهِ مَا أَجْلَسَنَا إِلَّا ذَاكَ، قَالَ: «أَمَا إِنِّي لَمْ أَسْتَحْلِفْكُمْ تُهْمَةً لَكُمْ، وَلَكِنَّهُ أَتَانِي جِبْرِيلُ فَأَخْبَرَنِي، أَنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يُبَاهِي بِكُمُ المَلَائِكَةَ».
ومنها: أنَّهُ سببٌ لاشتغالِ اللسانِ عنِ الغيبةِ والنميمةِ، والفحشِ وسَيّءِ الكلامِ، فمَنْ عوَّدَ لسانَهُ ذكرَ اللهِ صانَ لسانَهُ عنِ اللغو والآثامِ.
ومنها: أنَّ الذكرَ مكفِّرٌ للذنوبِ والسيئاتِ، فقدْ ثبتَ في الصحيحينِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ قَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ، فِي يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ، حُطَّتْ خَطَايَاهُ، وَإِنْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ البَحْرِ».والأحاديثُ في هذا المعنى كثيرةٌ مستفيضةٌ.
ومنها: أنَّ دوامَ ذكرِ اللهِ يُوجبُ السعادةَ للعبدِ في أوانِهِ ومآلِهِ، فلا يشقى في معاشهِ ولا في معادِهِ، قالَ اللهُ تعالى: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى} [طه: 124، 126].
ومنها: أنَّ ذكرَ اللهِ في الخلوةِ مع انحدارِ الدمعةِ، سببٌ ليكونَ العبدُ يومَ القيامةِ في منازلِ الرفعةِ، فيكونُ في ظلِ اللهِ يومَ القيامةِ مِنَ السبعةِ، ففي الصحيحينِ منْ حديثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رضيَ اللهُ عنهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّهُ قَالَ: «سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللهُ فِي ظِلِّهِ، يَوْمَ لاَ ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ»، وذكر منهم: «وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللهَ خَالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ».فالكيّسُ - يا عباد الله- مَنْ دانَ نفسَهُ وعمِلَ لما بعدَ الموتِ، والعاجزُ مَنْ أتبعَ نفسَهُ هواهَا، وتمنَّى على اللهِ الأماني.

وقال فضيلته عباد الله : هذا وصلوا وسلموا على إمامِ الذاكرينَ، وقدوةِ الموحدينَ؛ كما أمركُم اللهُ بذلكَ في كتابِهِ المبين، فقالَ: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً}.

IMG 4370IMG 4371IMG 4372IMG 4373IMG 4375IMG 4376IMG 4377IMG 4378IMG 4379IMG 4380IMG 4381IMG 4382

وقعت الهيئة العامة للعناية بشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي، والهيئة العامة للأوقاف، ومؤسسة الأمير متعب بن عبدالعزيز آل سعود الأهلية، اتفاقية تأسيس محفظة مشاريع بمبلغ (100) مليون ريال؛ لدعم وتطوير مجال السقيا في الحرمين الشريفين، بحضور سمو أمير منطقة المدينة المنورة صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن سلطان بن عبدالعزيز آل سعود، ومعالي وزير الحج والعمرة رئيس مجلس الهيئة العامة للعناية بشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي الدكتور توفيق بن فوزان الربيعة، وذلك في حفل افتتاح منتدى العمرة والزيارة المقام بمركز الملك سلمان للمؤتمرات والمعارض في المدينة المنورة.

وقد وقع الاتفاقية سعادة الرئيس التنفيذي للهيئة العامة للعناية بشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي المهندس غازي بن ظافر الشهراني، وسعادة محافظ الهيئة العامة للأوقاف الأستاذ عماد بن صالح الخراشي، وسعادة الأمين العام لمؤسسة الأمير متعب بن عبدالعزيز آل سعود الأهلية الدكتور سالم بن علي آل خازم.

وتأتي الاتفاقية في إطار جهود تطوير البنى التحتية وتحسين الخدمات المقدمة للحجاج والزوار، وتعكس التزام الجهات المعنية بتعزيز تجربة الحجاج والمعتمرين من قبل المملكة العربية السعودية.

d1e12715 aca6 49d4 a1d4 4136087e0323
وبعد أن حمد الله تعالى بدأ خطبته بقوله: إن الله تعالى قد كرم الإنسان حين خلقه في أحسن تقويم، وصوره فأحسن صورته، فهو أعدل المخلوقات قامة، وأجملهم صورة، وأحسنهم هيئة، مزينًا بالعقل، مهديًا بالتمييز، وذلك لما أراد سبحانه له من التكليف والاستخلاف في الأرض، ولحكم عظيمة لا يعلمها إلا هو، والبشر متفاضلون فيما بينهم بحسب ذلك، ولكنهم عند ربهم لا يتفاضلون بتلك الظواهر، فإنها لا تنفع عنده سبحانه، ولا يعبأ بها جل شانه، وإنما التفاضل لديه جل جلاله بحسب صلاح بضعة باطنة لا يراها العباد بأبصارهم، لكنها محل نظر الله تعالى إلى عبده، قال عليه الصلاة والسلام: (إن الله لا ينظر إلى صوركم ولا إلى أجسامكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم).


وأكمل: القلب ملك الأعضاء، والأعضاء جنوده، تأتمر بأمره، وتصدر عن صلاحه أو فساده، فإن كان صالحًا تحركت الجند إلى كل معروف وخير، وإن فسد تحركت إلى كل منكر وشر، ودليل ذلك قول الصادق المصدوق: «ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب».


وبيّن فضيلته: العبد إنما يقطع منازل السير إلى الله بقلبه لا ببدنه، وذلك أن أصول العبادات الموصلة إلى الله تعالى محلها القلب، وهو مبعثها، كمحبة الله ورسوله، ورجاء الله وخوفه، وتعظيمه والتوكل عليه، والإخلاص له والإنابة إليه، وقد دلت براهين الشريعة على أن فضل العمل الصالح في ذاته، والتفاضل بين الأعمال الصالحة والثواب عليها ليس على مجرد صورتها الظاهرة، ولا بكثرتها والاجتهاد فيها، ولكن بقدر حقائقها في القلب حالة مباشرة العمل من الإيمان والإخلاص والاحتساب، قال شيخ الإسلام أبو العباس أحمد بن تيمية الحراني: «الأعمال لا تتفاضل بالكثرة، وإنما تتفاضل بما يحصل في القلب حال العمل» ولذلك كان السلف الصالح من هذه الأمة يرون الفضل والسبق لمن سبق بقلبه صلاحًا وطهارةً وصدقًا وبرًا، ويرون المجاهدة لبلوغ تلكم المنزلة أقرب نفعًا وأعظم غناء وأكبر عناء من مجاهدة الجوارح الظاهرة على فعل نوافل الطاعات، فمن صلح قلبه صلحت جوارحه وصحت أفعاله، قال الإمام الحافظ ابن رجب: «ولم يكن أكثر تطوع النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه بكثرة الصلاة والصوم بل ببر القلوب وطهارتها وسلامتها وقوة تعلقها بالله»، فإذا كان هذا العضو من الإنسان بهذه المنزلة فحري بالعبد أن يكون محل تعاهده وتفقده واستصلاحه، لا يغفل عن ذلك طرفة عين، فالنور نور القلب، والبصيرة بصيرته، والصلاح صلاحه، قال تعالى: (فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى ٱلْأَبْصَٰرُ وَلَٰكِن تَعْمَى ٱلْقُلُوبُ ٱلَّتِى فِى ٱلصُّدُورِ).


وأضاف: صحة القلب وسلامته ألزم على العبد من صحة بدنه وجوارحه، فإن غاية ما يوجبه ينتهي بصاحبه إلى الموت، الذي هو مصير كل مخلوق، وأما غاية سقم القلب وفساده فالكفر أو النفاق الموجبان الخزي في الدنيا والآخرة أعاذنا الله؛ ولا نجاة من الخزي يوم البعث إلا لمن أتى الله بقلب سليم.


وأوضح فضيلته: القلب السليم هو الصحيح السالم من الشرك والشك والبدعة، السالم من الآفات والمكروهات كلها، وهو قلب المؤمن الموحد، فإن قلب الكافر والمنافق مريض، وأصل سلامة القلب وصلاحه وبره يكون من امتلائه بتوحيد الله حبًا وتعظيمًا ورجاءً وخوفًا، وبقدر ما يعمر القلب بهذه الأركان يكون صلاحه، وبقدر ضعفها ووجود أضدادها يضعف صلاحه وسلامته، قال الإمام ابن القيم رحمه الله: ولا تتم سلامة القلب مطلقًا حتى يسلم من خمسة أشياء: شرك يناقض التوحيد، وبدعة تخالف السنة، وشهوة تخالف الأمر، وغفلة تناقض الذكر، وهوى يناقض التجرد والإخلاص.


وأضاف: للقلب علامات يعرف بها العبد إن كان له قلب صحيح أم مضغة لحم، منها أنه لا يزال يضرب على صاحبه حتى ينيب إلى ربه ويخبت إليه، ويتعلق به تعلق المضطر إلى محبوبه الذي لا حياة له ولا فلاح ولا نعيم ولا سرور إلا برضاه وقربه والأنس به، ومن علامات صحة القلب أنه إذا عرضت عليه القبائح نفر منها بطبعه وأبغضها ولم يلتفت إليها، ومن علامات صحته ثباته على الحق وبصره به حين تتلاطم أمواج الفتن والشبهات.


وأوضح فضيلته: حذار من أن تنقض ميثاق العبودية مع ربك فيقسو قلبك، وكن على هذا الميثاق أشد تعاهدًا من تعاهدك لمالك ولنفسك، فإن قلبك مفطور على قبول الحق والتأثر بالهدى، وهو مع ذلك سريع التقلب، لا تزال ترد عليه الذنوب حتى يقسو أو يفسد، وقد يتعاظم حتى يختم عليه، فلا يعرف معروفًا ولا ينكر منكرًا، ولا توالمه جراحات القبائح، ولا يتوجع لجهله بالحق.


وبيّن: ألا وإن من أعظم أسباب قسوة القلب، أن يكون فيه غل لخيار المؤمنين، ولذلك لم يجعل الله تعالى جنته ودار كرامته لقلب فيه غل لأحد من المؤمنين، بل هي دار صالحي القلوب، فبرحمته سبحانه ينزع الغل من صدور المؤمنين قبل أن يدخلوا الجنة، لينعموا فيها ظاهرًا وباطنًا.


وأكمل فضيلته: الكبر أعاذنا الله منه من أعظم أسباب قسوة القلب، فإنه حجاب على القلوب يمنع عنها دواعي صلاحه ورقته، ومن أعظم أسباب قسوة القلب وفساده، تعلقه بغير الله تعالى حبًا وتعظيمًا وتوكلاً، فإن العبد لا يزال يحشو فؤاده من محبة مخلوق حتى يخلو من محبة خالقه والشوق إليه، ولا يزال يعظم المخلوق حتى لا يكاد يجد لله عظمة ووقارًا في قلبه، ولا يزال ينزل بالمخلوق حاجاته حتى لا يعلق بقلبه من التوكل على ربه أدنى علقة.


وأضاف: إن القلب إذا مرض اشتهى ما يضره وكره ما ينفعه، فلا شيء أنفع له من وقايته قبل تمكنه، وسبيل ذلك التباعد من الذنوب والغفلة الذين هما ألد أعداء صلاحه، وأعظم أسباب مرضه وقسوته وفساده، وأن يلح العبد على ربه مقلب القلوب ومالكها بأن يصلح قلبه ويسلّمه، وأن يثبته على الدين ويهديه.


واختتم فضيلته الخطبة بقوله: أفضل أدوية القلوب القاسية كثرة ذكر الله تعالى، ففيه الشفاء التام الذي لا يغادر فيها سقمًا إلا أبرأه، وأعلى الذكر جاهًا وأسرعه إصلاحا للقلوب، ذكر الله بكلامه المنزل، ووحيه المرتل، فاتل أياته يا عبد الله بالتدبر، واستمع له بالخشوع والتفكر، واتعظ بآيات الوعيد الأليم، وتشوق عند آيات الوعد الكريم، واعتبر بقصص الأمم الغابرة، وما جرى عليهم بقدرة الله الباهرة، فحري بأن يوافق الداء الدواء، وأن تجد عند ذاك لقلبك الشفاء؛ ومن أراد أن يلين قلبه فليمسح رأس اليتيم، وليطعم المسكين، وليتفقد حوائج ضعفاء المسلمين؛ وغض البصر عما حرم الله من أعظم أسباب صلاح القلب، فإن الله قد جعل العين مرآة القلب، فإذا غض العبد بصره غض القلب شهوته وإرادته، وإذا أطلق العبد بصره أطلق القلب شهوته.
GLhTgGsWQAAi54iGLhTgGuWYAAzcMQGLhTgGtXcAA0xid
أمّ وخطب المصلين بالمسجد الحرام فضيلة الشيخ الدكتور ماهر بن حمد المعيقلي واستهل فضيلته خطبته قائلًا: معاشر المؤمنين، فأوصي نفسي وإياكم بتقوى الله وعبادته، فإن العبادة حياة القلوب وربيعها، وأنس النفوس وبهجتها، ﴿وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ﴾. أمة الإسلام: إن الله تبارك وتعالى، لم يخلق الخلقَ ليتعزز بهم من ذلة، ولا ليستكثر بهم من قلة، فهو الكبير المتعال، وهو المنعم المتفضل،﴿ وَهُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ﴾، وفي صحيح مسلم: يقول الله تعالى في الحديث القدسي: ((يَا عِبَادِي إِنَّكُمْ لَنْ تَبْلُغُوا ضَرِّي فَتَضُرُّونِي وَلَنْ تَبْلُغُوا نَفْعِي، فَتَنْفَعُونِي، يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْكُمْ، مَا زَادَ ذَلِكَ فِي مُلْكِي شَيْئًا، يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ، مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِنْ مُلْكِي شَيْئًا))، فالله تعالى خلق الخلق لعبادته، وحده لا شريك له، وهذه هي الغاية، التي خلق الله الجن والإنس لها، قال جل وعلا: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾، وأرسل رسله عليهم السلام، وأنزل عليهم كتبه العظام، فقال جل شأنه: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ﴾، فعبادة الله، حق واجب له على عباده، فمن أجلها نصبت الموازين، ونشرت الدواوين، وقام سوق الجنة والنار، وانقسم الناس فيها الى مؤمنين وكفار، ومتقين وفجار، وأصل العبادة، توحيد الرب جل جلاله، ولقد أفاض الله في كتابه، بذكر الأدلة، وضرب الأمثلة، وبيان دلائل الوحدانية، وبراهين التفرد باستحقاق العبادة، فقال جل وعلا: ﴿ قُلْ مَنْ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ لا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ نَفْعاً وَلا ضَرًّا قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُماتُ وَالنُّورُ أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللَّهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْواحِدُ الْقَهَّارُ﴾.


وأضاف فضيلته: إن العبد إذا أخلص في عبادة ربه، صَلُح أمره، وانشرح صدره، واطمأن قلبه، وأنار وجهه، ﴿ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾، وسُئل الحسن البصري: ما بال المتهجدين أحسن الناس وجوهًا؟! فقال: "لأنهم خلوا بالرحمن فألبسهم نورًا من نوره"، ويقول سعيد بن المسيب -رحمه الله-: "إن الرجل ليصلي بالليل، فيجعل الله في وجه نورًا يحبه عليه كل مسلم، فيراه من لم يره قط فيقول: إني لأحب هذا الرجل"، فمن آثار العبادة، حلاوة الإيمان والطاعة، فلا يزال العبد في أداء العبادات، والإكثارِ من الأعمال الصالحات، حتى يصير الذكر أنيسه، والقرآن جليسه، والصلاة قرة عينه، والصيام متعته، فيحييه الله حياة طيبة، فيكون من أطيب الناس عيشا ، وأشرحهم صدراً، وأقواهم قلبا، وأسَرهِّم نفسا، فتراه في أشد الكروب والخطوب، وعند حلول الهموم والغموم، يفزع إلى الصلاة، فيناجي فيها ربه، ويبثُّ إليه شكواه وهمه، يتذكر قول الرب جل في علاه: ﴿أَمْ مَنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ﴾، فهذا رسولنا الكريم، صلى الله عليه وسلم، بشر يعتريه ما يعتري البشر، من حزن وهم وكدر، فيُعلِّمنا بفعله ومقاله كيف يزال الهم، ويدفع القلق والغم، فكان إذا حزبه أمر، فزع إلى الصلاة، وفي سنن أبي داود: قال صلى الله عليه وسلم: ((يا بلالُ، أقم الصلاةَ، أَرِحْنَا بها))، وقال علي رضي الله عنه: " لَقَدْ رَأَيْتُنَا لَيْلَةَ بَدْرٍ، وَمَا مِنَّا إِنْسَانٌ إِلا نَائِمٌ، إِلا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِنَّهُ كَانَ يُصَلِّي إِلَى شَجَرَةٍ، وَيَدْعُو حَتَّى أَصْبَحَ"، رواه الإمام أحمد في مسنده، قال ابن القيم رحمه الله في شأن الصلاة: "فلها تأثيرٌ عجيب في حفظ صحَّة البدن والقلب، وقُواهما، ودفع الموادِّ الرديئة عنهما، وما ابتُلي رجلان بعاهةٍ أو داءٍ أو محنة أو بليَّة، إلا كان حظُّ المصلِّي منهما أقلَّ، وعاقبته أسلَمَ، وللصلاة تأثيرٌ عجيب في دفع شرور الدنيا، ولا سيما إذا أُعطِيَت حقَّها من التكميل ظاهرًا وباطنًا، فما استُدفعت شرورُ الدنيا والآخرة، ولا استُجلِبت مصالحُهما بمثلِ الصلاة". انتهى كلامه رحمه الله.


وتابع فضيلته: ومن آثار العبادة: تكفير الذنوب والخطايا؛ والعفو عن الزلات والرزايا؛ ففي صحيح مسلم: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنِّي عَالَجْتُ امْرَأَةً فِي أَقْصَى الْمَدِينَةِ، وَإِنِّي أَصَبْتُ مِنْهَا مَا دُونَ أَنْ أَمَسَّهَا، - أي: استمتع بها دون الجماع -، قال: فَأَنَا هَذَا، فَاقْضِ فِيَّ مَا شِئْتَ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: لَقَدْ سَتَرَكَ اللهُ، لَوْ سَتَرْتَ نَفْسَكَ، قَالَ: فَلَمْ يَرُدَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا، فَقَامَ الرَّجُلُ فَانْطَلَقَ، فَأَتْبَعَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا دَعَاهُ، وَتَلَا عَلَيْهِ هَذِهِ الْآيَةَ: ﴿أَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ، إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ﴾، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: يَا نَبِيَّ اللهِ هَذَا لَهُ خَاصَّةً؟ قَالَ: «بَلْ لِلنَّاسِ كَافَّةً»، وفي مستدرك الحاكم: قَالَ صلى الله عليه وسلم للرجل: ((أَصَلَّيْتَ مَعَنَا الصَّلَاةَ؟))، قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: ((قَدْ غُفِرَ لَكَ)).


وأستكمل فضيلته: وبالعبادة تتهذب الأخلاق، وتزكو النفوس، فالعبادة لا تؤتى ثمرتها المرجُوّة، إلا إذا ظهر أثرها في سلوك المرء وأخلاقه، فالدين كله خُلُق، فمن زاد عليك في الخُلُق؛ زاد عليك في الدين، وأصول العبادات، كالصلاة والزكاة، والحج والصيام، هي متباينة في جوهرها ومظهرها، ولكنها تلتقي عند الغاية التي بينها رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: ((إِنَّمَا بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ صَالِحَ الْأَخْلَاقِ))، رواه الإمام أحمد في مسنده، فالغاية من بعثة النبي صلى الله عليه وسلم، لإكمال الأخلاق بعد نقصانها، وجمعها بعد تفرقها، وإن حسن الخلق يبلغ بالعبد درجة الصائم القائم، وفي مسند الإمام أحمد: قَالَ رَجُلٌ: "يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ فُلَانَةَ يُذْكَرُ مِنْ كَثْرَةِ صَلَاتِهَا وَصِيَامِهَا وَصَدَقَتِهَا غَيْرَ أَنَّهَا تُؤْذِي جِيرَانَهَا بِلِسَانِهَا. قَالَ: ((هِيَ فِي النَّارِ))، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَإِنَّ فُلَانَةَ يُذْكَرُ مِنْ قِلَّةِ صِيَامِهَا وَصَدَقَتِهَا وَصَلَاتِهَا وَإِنَّهَا تَصَدَّقُ بِالْأَثْوَارِ مِنْ الْأَقِطِ وَلَا تُؤْذِي جِيرَانَهَا بِلِسَانِهَا، قَالَ: ((هِيَ فِي الْجَنَّةِ)).


وبيّن المعيقلي: ليست العبادةُ منحصرة في أركان الإسلام، بل العبادة أشمل من ذلك وأعم، فهي اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه، من الأقوال والأعمال، الباطنة والظاهرة، فيدخل فيها عبادة القلب واللسان، والجوارح والأركان، كمحبة الله وخشيته، والصبر لحكمه، والتوكل عليه، والرضا عنه وبه، وخوفه ورجائه، والإنابة إليه، والحياء منه، ونحو ذلك من العبادات القلبية، وكذلك عبادات الجوارح والأركان، من الصلاة والزكاة، والحج والصيام، وبر الوالدين وصلة الأرحام، وصدق الحديث وأداء الأمانة، ويندرِج تحت العبادات، أبواب كثيرة من الخيرات؛ ففي سنن الترمذي: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((تَبَسُّمُكَ فِي وَجْهِ أَخِيكَ لَكَ صَدَقَةٌ، وَأَمْرُكَ بِالمَعْرُوفِ وَنَهْيُكَ عَنِ المُنْكَرِ صَدَقَةٌ، وَإِرْشَادُكَ الرَّجُلَ فِي أَرْضِ الضَّلَالِ لَكَ صَدَقَةٌ، وَبَصَرُكَ لِلرَّجُلِ الرَّدِيءِ البَصَرِ لَكَ صَدَقَةٌ، وَإِمَاطَتُكَ الحَجَرَ وَالشَّوْكَةَ وَالعَظْمَ عَنِ الطَّرِيقِ لَكَ صَدَقَةٌ، وَإِفْرَاغُكَ مِنْ دَلْوِكَ فِي دَلْوِ أَخِيكَ لَكَ صَدَقَةٌ))، بل إن طلَبَ الرِّزقِ والكَسبِ عبادة، وسعيَ المرء على مصلحة من يعول عبادة، والأعمال المباحة، تُصبِحُ بالنيَّة الصالحة عبادة، ففي صحيح مسلم: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم : ((وَفِي بُضْعِ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ))، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، أَيَأتِي أَحَدُنَا شَهْوَتَهُ وَيَكُونُ لَهُ فِيهَا أَجْرٌ؟ قَالَ: ((أَرَأَيْتُمْ لَوْ وَضَعَهَا فِي حَرَامٍ أَكَانَ عَلَيْهِ فِيهَا وِزْرٌ؟ فَكَذَلِكَ إِذَا وَضَعَهَا فِي الْحَلَالِ كَانَ لَهُ أَجْرٌ))، ولما سئل مُعاذ رضي الله عنه عن صلاته في الليل، قال: "أما أنا فأنامُ وأقومُ فأحتَسِبُ نومَتي كما أحتَسِبُ قَومَتي"، رواه البخاري، فكان رضي الله عنه يحتَسِبُ الأجرَ في النوم، كما يحتَسِبُه في قيامِ الليل؛ لأنه أراد بالنوم التقَوِّي على العبادة والطاعة، وإن من فضل الله وكرمه، وجوده ومنته، أن من ترك الحرام، وابتعد عن الآثام، خوفاً من الله، ورجاءً ثوابِ الله، عُدَّ ذلك من طاعاته، وكُتِبَت له في ميزان حسناته، فتصبح حياة المسلم كلها عبادة، كما قال الله جل في علاه: ﴿ قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ﴾.


وأهاب فضيلته: إن الواجب على المسلم، أن يهتم بأمر عبادته، ويحسنها ويعظمها، ﴿ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى القُلُوبِ﴾، فمن كان يرجو لقاء ربه، ويطمع في جنته، ويستجير به من ناره، حري به أن يسعى لإحسان عبادته، فالعبادة لا يقبلها الله من العامل، إلا بشرطين عظيمين، وأصلين متينين: الإخلاص للمعبود ، والمتابعة للرسول صلى الله عليه وسلم ، وقد جمع الله بينهما في قوله: ﴿فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا ﴾، وذلكم هو مقتضى الشهادتين، شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، فتكون العبادة، خالصة لله وحده، سالمة من الرياء، ففي صحيح مسلم: قال الله تعالى في الحديث القدسي: ((أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنِ الشِّرْكِ، مَنْ عَمِلَ عَمَلًا أَشْرَكَ فِيهِ مَعِي غَيْرِي، تَرَكْتُهُ وَشِرْكَهُ))، فالشرك من أعظم الظلم، ولا ينفع معه عمل، فمن صرف شيئا من العبادات لغير الله، فقد حبط عمله، وهو في الآخرة من الخاسرين، الخالدين المخلدين في نار جهنم والعياذ بالله، لا يقبل منه فرض ولا نفل، ولا ينفعه شفاعة الشافعين، ولا دعاء الصالحين، فقد قال الله لرسوله الكريم: ﴿وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الخَاسِرِينَ * بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُن مِّنَ الشَّاكِرِينَ﴾.


واختتم فضيلته خطبته قائلًا: وأما الشرط الثاني من شروط قبول العبادة، فهو متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم، والمراد بها، تأدية العبادة، على الصفة التي جاءت عن النبي صلى الله عليه وسلم، من غير زيادة ولا نقصان، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾، فلا يجوز لأحد، أن يعبد الله الواحد الأحد، إلا بما شرعه رسوله صلى الله عليه وسلم، فهو المبلغ عن ربه، فيكون التعبد بما شرعه، ففي الصحيحين: قال صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ، فَهُوَ رَدٌّ))، - أي: فهو باطل مردود غير معتد به -، فالعبادة بكل متعلقاتها، من جنس العبادة وسببها، وصفتها  ومقدارها، وزمانها ومكانها ، متوقف على الدليل، فلا يجوز لأحد أن يحدث عبادة في دين الله، إلا بدليل من كتاب الله، أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، كما قال سبحانه: ﴿أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ﴾.

photo1713522178 4photo1713522178 3photo1713522179
أمّ وخطب المصلين بالمسجد الحرام فضيلة الشيخ الدكتور عبدالله بن عوّاد الجهني واستهل فضيلته خطبته قائلًا: اتقوا الله تعالى عباد الله وأطيعوه فيما أمر، واجتنبوا ما نهى عنه وزجر، واشكروا نعمة الله عليكم، وما ساقه من فيض جوده اليكم، حيث وفقكم لصيام رمضان وقيامه، وبلغكم المنى بكمال عدته وختامه، وهنيئا لمن صام وقام رمضان إيماناً واحتسابا، وهنيئا لمن أتحفهم المولى بكرامة الأنس وحلاوة مناجاته، وهنيئا لمن تخلى عن الأوزار وتطهر من السيئات واجتنب القيل والقال والإثم المبين، وهنيئا للذين أطاعوا ربهم وعظموا شهرهم، وأخلصوا العمل لخالقهم.

وتابع فضيلته: فاستقيموا رحمكم الله على طاعته في كل زمان ومكان، ولا تكدروا بعد رمضان ما صفي لكم من أعمال صالحة في رمضان من الخير والإحسان، وتعودوا من بعد إلى الإساءة وطاعة الشيطان، وملابسة الفسوق والعصيان، فإفساد الأعمال بعد إصلاحها دليل على مفسدها بالطرد والحرمان والرد والخذلان، فإن رب رمضان هو رب شوال وسائر الشهور وهو يكره أن يعصى في أي زمان كان فاستحيوا من الله وراقبوه، فإنه يراكم ويعلم سركم وجهركم (ألا حين يستغشون ثيابهم يعلم ما يسرون وما يعلنون إنه عليم بذات الصدور).

وقال فضيلته: ألا وإن من هدي النبي صلى الله عليه وسلم المداومة على الأعمال الصالحة فعن أمّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا عمل عملا أثبته، وكان إذا نام من الليل أو مرض صلى من النهار اثنتي عشرة ركعة. رواه مسلم، وعن مسروق قال: سألت عائشة رضي الله عنها، أي العمل كان أحب إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلم، قالت: الدائم. متفق عليه، وكانت أمّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها تصلي الضحى ثماني ركعات ثم تقول (لو نشرني أبواي ما تركتهما) أخرجه مالك. بذلك ينال العبد محبة الله تعالى وولايته قال الله تبارك وتعالى: (إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين) قال العلامة السعدي رحمه الله: إن الله يحب التوابين من ذنوبهم على الدوام ويحب المتطهرين أي المتنزهين عن الآثام.

وبيّن الجهني: فاتقوا الله عباد الله واعلموا أن هذه الليالي والأيام وهذه الشهور والأعوام كلها مقادير للآجال، ومواقيت للأعمال، تسير بكم إلى الآجال سيرًا حثيثا، وتستودع من أعمالكم ما كان طيبًا وخبيثًا فهي خزائن أعمالكم، فأودعوها ما يشهد لكم. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم (واعبد ربك حتى يأتيك اليقين).

واختتم فضيلته خطبته بقوله: فاتقوا الله تعالى حق التقوى واستمسكوا من الإسلام بالعروة الوثقى، واعلموا أن من عظيم فضل الله على هذه الأمة ورفع درجاتهم وتعظيم شأنهم بين الأمم أن من عليهم بتتابع الخيرات والحسنات ومن ذلك عباد الله أن شرع لهم صيام ست من شوال قال صلى الله عليه وسلم: من صام رمضان ثم اتبعه ستًا من شوال كان كصيام الدهر، والمبادرة بصيامها من المسارعة إلى الخير والمسابقة إلى الطاعة.
photo 5823223184151920675 wphoto 5823223184151920680 wphoto 5823223184151920679 wphoto 5823223184151920677 wphoto 5823223184151920676 wphoto 5823223184151920678 w

خطب وأم المصلين في المسجد النبوي فضيلة الشيخ أحمد بن طالب بن حميد إمام وخطيب المسجد النبوي الشريف.
وبعد أن حمد الله تعالى بدأ خطبته بقوله: أيها المسلمون: إذا كمل الصائمون صيام رمضان وقيامه، فقد وفوا ما عليهم من العمل، فبقي ما لهم من الأجر وهو المغفرة، فإذا خرجوا يوم عيد الفطر إلى الصلاة، قُسمت عليهم أجورهم، فرجعوا إلى منازلهم وقد استوفوا الأجر واستكملوه، فمن وفى وفيَ له، ومن سلم ما عليه موفرًا تسلم ما له نقدًا لا مؤخرًا، ومن نقص نُقص منه، ومن طفف فقد علمتم ما قيل في المطففين، أما يستحي من يستوفي مكيال شهوته، ويطفف مكيال صيامه وصلاته، ذلك أسوأ الناس سرقة، (فَوَيۡلٞ لِّلۡمُصَلِّينَ (4) ٱلَّذِينَ هُمۡ عَن صَلَاتِهِمۡ سَاهُونَ).

وأكمل: كان السلف الصالح يجتهدون في إتمام العمل، وإكماله وإتقانه، ثم يتهمون بعد ذلك بقبوله ويخافون من رده، قال الله عز وجل: (إِنَّ ٱلَّذِينَ هُم مِّنۡ خَشۡيَةِ رَبِّهِم مُّشۡفِقُونَ (57) وَٱلَّذِينَ هُم بِـَٔايَٰتِ رَبِّهِمۡ يُؤۡمِنُونَ (58) وَٱلَّذِينَ هُم بِرَبِّهِمۡ لَا يُشۡرِكُونَ (59) وَٱلَّذِينَ يُؤۡتُونَ مَآ ءَاتَواْ وَّقُلُوبُهُمۡ وَجِلَةٌ أَنَّهُمۡ إِلَىٰ رَبِّهِمۡ رَٰجِعُونَ (60) أُوْلَٰٓئِكَ يُسَٰرِعُونَ فِي ٱلۡخَيۡرَٰتِ وَهُمۡ لَهَا سَٰبِقُونَ)؛ وكانوا لقبول العمل أشد اهتمامًا منهم بالعمل، قال الله تبارك وتعالى: (إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ)؛ فلقبول مثقال حبة من خردل، أحب إليهم من الدنيا وما فيها؛ فالحذر في العمل ألا يكون لله، والخوف على العمل ألا يتقبل، وكان السلف يدعون الله ستة أشهر أن يبلغهم رمضان، ثم يدعون ستة أشهر أن يتقبل منهم، فالله جعل شهر رمضان لخلقه مضمارًا يتسابقون فيه بطاعته إلى مرضاته، فسبق قوم ففازوا، وتخلف آخرون فخابوا، فالعجب من اللاعب الضاحك في اليوم الذي يفوز فيه المحسنون ويخسر فيه المبطلون، فمن هذا المقبول منا فنهنيه ومن هذا المحروم منا فنعزيه، ويا أيها المقبول هنيئاً لك، ويا أيها المردود جبر الله مصابك، فكم بين من حظه فيه القبول والغفران ومن كان حظه فيه الخيبة والخسران، ومن أعتقه مولاه من النار إياك أن تعود بعد أن صرت حرًا إلى رق الأوزار، أيبعدك مولاك عن النار وأنت تقترب منها، وينقذك منها وأنت توقع نفسك فيها ولا تحيد عنها.

وبيّن فضيلته: إن كانت الرحمة للمحسنين، فالمسيء لا ييأس منها، وإن تكن المغفرة مكتوبة للمتقين، فالظالم لنفسه غير محجوب عنها، فأحسن الظن بمولاك وتم إليه، فإنه لا يهلك على الله إلا هالك , والاستغفار ختام الأعمال الصالحة كلها، فتختم به الصلاة، والحج، وقيام الليل، والمجالس، فإن كانت ذكرًا كان كالطابع عليها، وإن كانت لغواً كان كفارة لها، وكما أن صدقة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث، فالاستغفار يرقع ما تخرق من الصيام باللغو والرفث، وصدقة الفطر للصائم كسجدتي السهو للصلاة، وصيامنا يحتاج إلى استغفار نافع، وعمل صالح له شافع، وقد اتسع الخرق على الراقع، فكم نرقع الخروق بمخيط الحسنات ثم نقطعها بحسام السيئات، كان بعض السلف إذا صلى صلاة استغفر من تقصيره فيها، كما يستغفر المذنب من ذنبه، فرحم اللهم من حسناته سيئات، ومن طاعته كلها غفلات , وأوضح: أنفع الاستغفار ما قارنته التوبة وهي حل عقدة الإسرار، فمن استغفر بلسانه، وقلبه على المعصية معقود، وعزمه أن يرجع إلى المعاصي بعد الشهر ويعود، حري أن يكون صومه عليه مردود، وباب القبول عنه مسدود، وروي النهي عن قول المرء صمت رمضان كله، أو قمت رمضان كله، قال أبو بكرة رضي الله عنه: فلا أدري أكره التزكية؟ أم لا بد من غفلة.

واختتم فضيلته الخطبة بقوله: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من صام رمضان، ثم أتبعه ستًامن شوال؛ كان كصيام الدهر). رواه مسلم، الأولى أن يكون ذلك بعد قضاء صيام الفرض، ولا فرق في ذلك بين متابعتها وتفريقها من الشهر كله، والمتابعة أولى مسارعة في الخيرات، ومبادرة للعائقات، ولو آنس أهله وقرابته بالفطر أول الشهر، ثم استأنف الصيام فهو حسن، وروي عن بعض السلف صيام شهر شوال أو أكثره فهو وشعبان حريم لشهر رمضان، وإنما كان صيام ست من شوال مع صيام رمضان يعدل صيام الدهر لأن الحسنة بعشر أمثالها فرمضان بعشرة أشهر والأيام الستة بشهرين فذلك صيام سنة كما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا الفضل حاصل ولو كان الشهر تسعًا وعشرين لقوله صلى الله عليه وسلم: (شَهرا عيدٍ لا ينقصانِ رمضانُ وذو الحِجَّةِ)، والمراد كمال الأجر، وكره إسحاق أن يقال لشهر رمضان أنه ناقص وإن كان تسعا وعشرين يومًا لهذا المعنى، واختصاص الست من شوال بأن يكون له أجر صيام الدهر فرضًا بخلاف ما لو صام ستة من غير شوال، وهي كالراتبة البعدية يكمل بها ما حصل في الفرض من خلل ونقص، ومعاودة الصيام والطاعات بعد رمضان علامة على القبول، فثواب الحسنة الحسنة بعدها، وعلامة رد الحسنة السيئة بعدها، وهو من شكر الله على نعمة الغفران أفلا أكون عبدًا شكورا قال الله تعالى: (وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)؛ وحقيقة الشكر الاعتراف بالعجز عن الشكر؛ والأعمال الصالحة لا تنقطع بانقضاء رمضان، بل هي باقية ما دام العبد حي، فهو عمره كالحال المرتحل، وبئس القوم قوم لا يعرفون لله حقًا إلا في شهر رمضان، فكن عبدًا ربانيًا لا رمضانيًا.


أم المصلين فضيلة الشيخ الدكتور أحمد بن علي الحذيفي إمام وخطيب المسجد النبوي الشريف، وبدأ خطبته بقوله: هنيئاً لكم - معشر المؤمنين والمؤمنات- عيدكم الذي تختالون في حدائقه ورياضه، وتنهلون من عذب معينه وحياضه، وافيتم من إبان الزمان ربيعه وشبابه، وقطفتم من جنى العام ثمرته ولبابه، فلا زالت أيامكم أعيادًا، ولا انبت سروركم آمادًا، عرفكم الله يمن هذا العيد وبركته، وضاعف لكم سروره وسعادته، وأحياكم لأمثاله في أسبغ النعم وأكملها، وأفسح المدد وأطولها.

وأكمل: هذه مواكب العيد المجيد تتدفق في هذه البطاح الزاهرة والبقاع الطاهرة تدفق الغيث من السماء، يغمر الناس في هذا اليوم الأغر من مشاعر البهجة والأنس والسرور ما يغمر الروض الجديب حين يتندى بماء السماء، وما يغمر المشتاق حين يستقبل الغائب المحبوب، إنه يوم ينضح في النفوس رواء السرور، وينفح في القلوب عبق الصفاء والحبور، بعد موسم عظيم من مواسم العبادة، تجلت فيه منة الله وبركاته، وانهمرت فيه آلاؤه ورحماته، بعد أن ارتوت الأرواح من معين العبادة في شهر الصيام.

وأضاف فضيلته: إن يوم العيد في الإسلام مع قصر ساعاته يشبه لحظات السرور في الزمن الممتد، سريعة ساعات انقضائها، طويلة آثار بقائها، يعلق في القلوب من مشاعر حبورها ومظاهر سرورها علوق الطيب بصاحبه حينًا، حتى يعاودها الشوق للعيد الذي يعقبه حنينًا، فتتشوق إليه تشوق الضاحي إلى الظل الفينان وقت الهجير، وتتحرق إليه تحرق الظامئ إلى العذب النمير.

وبيّن: إن هذا الدين العظيم دين التوحيد والشريعة والعبودية الخالصة لله وحده، كما أنه دين الحياة ودين الدنيا، ودين العمران والبناء، ودين الأخلاق والقيم، فهو دين متوازن متكامل البناء، يتجلى ذلك الكمال في معالم الجمال المنطبع في مناحي الحياة جميعها، لأن شارعه -تعالى وتقدس- جميل يحب الجمال: جمال الظاهر وجمال الباطن، فهو سبحانه جميل في ذاته وجميل في صفاته وجميل في أفعاله، حتى فاض ذلك الجمال الرباني في كونه وخلقه، وفي تشريعه وأحكامه.

وأوضح فضيلته: ليست ديانة الإسلام بالرهبانية الخرساء التي تنطوي خلف أستار الطقوس العبادية وحدها، ولا بالمادية الجوفاء التي تهرع خلف سراب المظاهر البائدة فحسب، ولكنه دين الحياة المتدفقة التي تضج بصمت في عروق الوجود، وتهدر هدير السيل في التهائم والنجود، ويتزين به الكون جمالاً وجلالاً، وبناء وعطاء، وأخلاقاً وقيماً، إنه دين جامع بين جمال الظاهر والباطن، وبهاء التعامل وصفاء القلوب، وغضارة المحيا البسام، وتدفق البشر في جنبات الحياة، فهو كالنهر العذب يرتوي منه المسلم لينطلق في هذا الكون الفسيح محققًا مراد الله في خلق هذا الإنسان حيث يقول سبحانه: (هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ ٱلْأَرْضِ وَٱسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا)؛ وعن أنس رضي الله عنه قال: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ولهم يومان يلعبون فيهما في الجاهلية، فقال: (إن الله قد أبدلكم بهما خيرًا منهما: يوم الفطر، ويوم النحر)، يشرع العيد في الإسلام بعد أداء عبادتين عظيمتين وانقضاء موسمين جليلين من مواسم العبادات الكبرى، ليجمع الشارع الحكيم سبحانه بين ثنائية التهذيب الروحي والإرواء الإيماني، وبين الاستمتاع بمباهج الحياة الضاحكة للنفس الإنسانية، في ازدواجية بديعة تجلي كمال ذلك التشريع الرباني الذي يريد منه الشارع السمو بالنفس الإنسانية والارتقاء بها من مجرد المظاهر المادية أو العبادية إلى يفاع من التكامل الإنساني، تساوقًا مع متطلبات هذا المخلوق الإنساني البديع في تكوينه الظاهر والباطن.

وأكمل: لا تنزعوا ما تحليتم به من لباس التقوى وتزينتم به من حلل الطاعات في شهر الصيام، فإن لباس التقوى وحلل المكارم وأردية الشمائل إذا اكتسى صاحبها زينة الظاهر، وتزين بمحاسن المظاهر، فقد أشرقت شمس كمالاته واستنارت، واستتمت بدور محاسنه واستدارت.

وأضاف فضيلته: إن بعثة سيد الأنام وهجرته إلى هذا المقام كان على الحقيقة هو يوم الدنيا وإشراقة شمس التاريخ، حين أطلت شمس هذه الملة الخاتمة على حين فترة من الرسل وظلام من الدنيا، فانبعثت شمسها من هذه البلاد الطيبة المباركة هداية للعالمين وحضارة للدنيا وإنسانية للإنسان في كل مكان؛ كان ما قبل ذلك التاريخ المجيد ظلامًا حالكًا لا يعرف منه التاريخ إلا مزقًا من الأخبار المتناثرة، حتى اطرد التاريخ وتتابعت أحداثه بتلكم الإشراقة الربانية في تلكم الرسالة المحمدية، فتتابعت سلاسل التاريخ المجيد للحضارة الإنسانية من حلقة البعثة النبوية والهجرية المدنية المحمدية لذلك النبي الأكرم صلى الله عليه وسلم نورًا وهداية وحضارة وإشراقًا ورحمة في الأخلاق والتشريع والسلوك والبناء والحياة، انطلقت تلك السلسلة من هذه البطاح الزاهرة والبقاع الطاهرة؛ فهو صلى الله عليه وسلم دعوة أبيه إبراهيم عليه السلام، وذلك أنه لما أخذ في بناء البيت العتيق دعا الله كما حكى الله في تنزيله حيث قال سبحانه: ؟وَإِذۡ يَرۡفَعُ إِبۡرَٰهِـۧمُ ٱلۡقَوَاعِدَ مِنَ ٱلۡبَيۡتِ وَإِسۡمَٰعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلۡ مِنَّآۖ إِنَّكَ أَنتَ ٱلسَّمِيعُ ٱلۡعَلِيمُ (127) رَبَّنَا وَٱجۡعَلۡنَا مُسۡلِمَيۡنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَآ أُمَّةٗ مُّسۡلِمَةٗ لَّكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبۡ عَلَيۡنَآۖ إِنَّكَ أَنتَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِيمُ (128) رَبَّنَا وَٱبۡعَثۡ فِيهِمۡ رَسُولٗا مِّنۡهُمۡ يَتۡلُواْ عَلَيۡهِمۡ ءَايَٰتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ ٱلۡكِتَٰبَ وَٱلۡحِكۡمَةَ وَيُزَكِّيهِمۡۖ إِنَّكَ أَنتَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ)؛ ثم ما أرق دعاء إبراهيم عليه السلام وأدقه حين عبر بالأفئدة في قوله: (رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ)؛ فهذه مواكب الزائرين والقاصدين تتدفق عليها وكأنها تقدم عليها وتأوي إليها بقلوبها لا بأقدامها، كالمحب المشوق إذا طار قلبه إلى المعشوق.

واختتم فضيلته الخطبة بقوله: إن خدمة قاصدي الحرمين الشريفين ورعاية المسجدين المقدسين والقيام على خدمتهما والعناية بقاصديهما من أسمى المفاخر وأسنى المآثر، وهي من منن الله الجليلة على ولاة أمر هذه البلاد المباركة، أولتهما قيادة هذه البلاد عنايتها، وجعلتها موضع رعايتها، ولقد جمع الله بفضله ومنته لولاة أمر هذه البلاد هذا الشرف المديد، وهيأ لهم هذا المجد الفريد، فهي من أعظم المنن المستوجبة منا شكر الله المزيد، والدعاء لهم بعظيم الأجر وكمال التسديد.

احتفاءً بعيد الفطر المبارك تتقدم الهيئة العامة للعناية بشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي بالتهنئة والمعايدة لقاصدي المسجد الحرام بمناسبة عيد الفطر المبارك، معبرةً عن تمنياتها لهم بأيام سعيدة ومباركة، سائلين الله -عز وجل- أن يتقبل منهم صالح الأعمال والطاعات.

وفي ذات الشأن قدمت الهيئة صبيحة أول أيام عيد الفطر المبارك معايدة لقاصدي المسجد الحرام، انطلاقًا من مشاركة المسلمين فرحتهم في هذه المناسبة المباركة، وتعزيز روح الأخوة والتآلف بينهم وبين العاملين على خدمتهم، امتثالاً لتعاليم الشريعة الإسلامية التي تحث على تعظيم شعائر الله، وإظهار الفرح والسرور في مثل هذه المناسبات السعيدة.
IMG 20240410 072720 213IMG 20240410 072719 707IMG 20240410 072719 800IMG 20240410 072720 361IMG 20240410 074421 379IMG 20240410 074428 696

أمّ وخطب المصلين في صلاة عيد الفطر المبارك بالمسجد الحرام معالي الشيخ الدكتور صالح بن حميد المستشار بالديوان الملكي عضو هيئة كبار العلماء واستهل خطبته الأولى قائلاً: أما بعد فأوصيكم أيها الناس ونفسي بتقوى الله ، فاتقوا الله رحمكم الله ، واعلموا أن الودَّ بين الأخوة نعمة ، والتواصلَ بينهم رحمة ، والنعمة يزيدها الشكر ، والبلاء يخففه الصبر ، والذنب يمحوه الاستغفار.

الله أكبر الله أكبر ، لا إله إلا الله ، الله أكبر الله أكبر ، ولله الحمد.

عيدكم مبارك ، كتب الله لكم سعادة إهلاله، ورزقكم بركة كماله ، وزادكم من فضله ونواله ، ووفقكم لفرضه ونفله ، وصالح أعماله ، وقرن عيدكم بالقبولِ ، وإدراكِ المسؤول ، والفوز بالمأمول ، وقبل الله بالقبول صيامكم ، وبعظيم المثوبة قيامكم .

الله أكبر على ما حبى ، والله أكبر على ما أنعم وأولى .

عيد مبارك لولاة أمرنا لمقام خادم الحرمين الشريفين ، وسموه ولي العهد الأمين ، وعيد مبارك لأهلنا وبلادنا وللمسلمين أجمعين ، وعيد مبارك للطائفين والقائمين ، والعاكفين ، والزائرين ، وجميع قاصدي الحرمين الشريفين.

فها هي - ولله الحمد - صورُ المكرمات من هذه البلاد تتوالى ، وأنواعُ الفضائل تتسابق وتتعالى ، في كل حين ، وفي كل مرفق ، رعايةً ، وخدمةً ، واهتمامًا ، وجدًا واجتهادًا ، وتفانيًا وإتقاناً ، فالمستهدف هو قاصدو الحرمين الشريفين ، وخدمتُهم ، وتيسيرُ أمورهم ، في حلهم وترحالهم ، تسابقٌ كريم في ميادين الخير تحوزه هذه البلاد المباركة ، وقيادتهُا الصالحة.

بلاد كريمة مباركة ، قد من الله عليها بالأمن والإيمان ، والعيش الكريم ، فهي تطعم الجائع ، وتغيث الملهوف ، وتؤي اللاجئ ، وتمسح رأس اليتيم.

أما ضيوف الرحمن فخدمتهم شرف ، وتيسير مناسكهم هدف ، والبذل من أجلهم قربة .

الله أكبر الله أكبر ، ، اطَّلعَ فستر ، وعَلِم فغفر ، وقَصَم من تجبر وكفر .

العيد – حفظكم الله – مناسبة كريمة لتصافي القلوب ، ومصالحة النفوس ، والتحببِّ إلى الأخوة ، وزيادةِ الصلة في القربى.

وبين أيديكم خلق عظيم ، وفن من فنون التعامل لا يتقنه إلا الحليم ، وأدبٌ رفيع لا يحسنه إلا الأفاضلُ من القوم ، والكرامُ من الناس ، خلق من أرقى شيم ذوي الهمم ، يحفظ الكرامة ، ويكسو المهابة ، ويرفع المكانة ، خلق به تعلو المنازل، إنه خلق التغافل والتسامح.

معاشر الإخوة : التغافل أقوم الطرق وأحسنها للتعامل مع الناس إذا صدر منهم ما يغيظ ، أو بدر منهم ما يسوء.

معاشر الإخوة : التغافل – حفظكم الله – هو ترك ما لا يعنى ، والحرص على ما ينفع ، وتحمل الأذى الصغير من أجل دفع الأذى الكبير.

التغافل إعراض عما لا يستحسن من القول والفعل ، والتصرف ، وغض الطرف عن الهفوات ، والترفعُ عن الصغائر.

معاشر المسلمين : المتغافل النبيل يتعمد الغفلة عن الأخطاء والعيوب التي يراها ، وهو مدرك لها عالم بها ، ولكنه يغض عنها تكرما وترفعاً ، وفضلا ونبلاً.

و المتسامح ذو إرادة قوية ، ونفسٍ راقية ، يقدر الشعور الإنساني ، يجبر الخاطر ، ويحافظ على الحياء ، تقوده الحكمة ، ويحكمه العقل ، ولا يجره هوى ، ولا تغلبه شهوة.

معاشر الأحبة : من صلة الرحم نشر التغافل ، ومن دعائم الاستقرار في البيوت التغافل ، ومن المعاشرة بالمعروف التغافل ، وذو الرحم لا يستقصي من رحمه ، فإن الاستقصاء فُرقة.

بلغ الإمامَ أحمد رحمه الله أن عثمان بن زائدة قال: العافية عشر أجزاء تسعة منها في التغافل ، فقال الإمام أحمد : العافية عشرة أجزاء كلها في التغافل.

ومن جميل ما قيل: من سوء خلقك وقوع بصرك على سوء خلق غيرك، ومن تمسك بزمام التغافل ملك زمام المروءة ، وما الفاضل إلا الفطن المتغافل.

واستهل معاليه خطبته الثانية قائلاً: أيها المسلمون : العيد مناسبة جليلة لمزيد من الترابط والتآلف : أفشوا السلام ، وتبادلوا التهاني ، وتصالحوا ، وتسامحوا ، وتغافلوا .

أيها المسلمون : التمسوا بهجة العيد في رضا ربكم ، والإقلاع عن ذنبكم ، والازدياد من صالح أعمالكم.

واعلموا إن من مظاهر الإحسان بعد رمضان استدامةَ العبد على الطاعة ، وإتباعَ الحسنة الحسنة ، وقد ندبكم نبيكم محمد صلى الله عليه وسلم ، بأن تُتْبِعوا رمضان بست من شوال ، فمن فعل ذلك فكأنما صام الدهر كله، تقبل الله منا ومنكم وأعاننا على ذكره ، وشكره ، وحسن عبادته.
IMG 20240410 071919 443
الصفحة 1 من 2