وتحدث فضيلته في خطبته الثانية عن العجلة المحمودة فقال: هناك أمور لا تدخل في العجلة المذمومة، بل مطلوب أن يبادر المرء بفعلها ويسارع إلى اغتنامها، فمما لا يحتمل التأخيرَ أو التأجيل: الإقلاع عن الذنوب والمعاصي وسرعة التوبة والإنابة إلى الله، والمبادرة إلى فعل الطاعات، وانتهاز الفرص إذا حانت، وكل ما كان تقديره وعواقبه حسنة بعد إعداد وترتيب، قال تعالى حاكِيًا عَنْ كَلِيمِهِ مُوسى ﷺ: ﴿وَعَجِلْتُ إلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضى﴾. قال ابن القيم رحمه الله: "وَظاهِرُ الآيَةِ أنَّ الحامِلَ لِمُوسى عَلى العَجَلَةِ: هو طَلَبُ رِضا رَبِّهِ، وأنَّ رِضاهُ في المُبادَرَةِ إلى أوامِرِهِ، والعَجَلَةِ إلَيْها.
والمسارعة في الخيرات ـ أيها الإخوة ـ منقبة محمودة وسمة جميع الأنبياء عليهم السلام، قال تعالى ﴿إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَات﴾. والأصل في عمل الآخرة المسارعة إليه والمسابقة فيه، وعدم التباطؤ عن العبادة، وعدم التأخر عن الخير قال سبحانه: ﴿سابقوا إلى مغفرة من ربكم﴾ وقال عز وجل: ﴿وسارعوا إلى مغفرة من ربكم﴾ وقال جل ثناؤه: ﴿فاستبقوا الخيرات﴾ وقال جل شأنه: ﴿وفي ذلك فليتنافس المتنافسون﴾ وقال صلى الله عليه وسلم (التؤدة في كل شيء خير إلا في عمل الآخرة).
وعن علي رضي الله عنه قال: "ثلاثة لا تؤخرْها: الصلاة إذا أتت، والجنازةُ إذا حضرت، والأيمُ إذا وجدت كفؤا" وعن حَاتِم الأصم رحمه الله قال: "کَانَ یُقَالُ الْعَجَلَةُ مِنَ الشَّیْطَانِ إِلَّا فِی خَمْسٍ، إِطْعَامُ الطَّعَامِ إِذَا حَضَرَ الضَّیْفُ، وَتَجْهِیزُ الْمَیِّتِ إِذَا مَاتَ، وَتَزْوِیجُ الْبِکْرِ إِذَا أَدْرَکَتْ، وَقَضَاءُ الدَّیْنِ إِذَا وَجَبَ، وَالتَّوْبَةُ مِنَ الذَّنْبِ إِذَا أَذْنَبَ".
وإن مجاهدة النفس على الصبر والتمهل والتأني، تقي بإذن الله الوقوع في طريق الانحراف، قال ابن القيّم رحمه الله: (إذا انحرفت عن خلق الأناة والرفق انحرفت إما إلى عجلة وطيش وعنف، وإما إلى تفريط وإضاعة، والرفق والأناة بينهما).
وتحدث فضيلته في خطبته الثانية عن العجلة المحمودة فقال: هناك أمور لا تدخل في العجلة المذمومة، بل مطلوب أن يبادر المرء بفعلها ويسارع إلى اغتنامها، فمما لا يحتمل التأخيرَ أو التأجيل: الإقلاع عن الذنوب والمعاصي وسرعة التوبة والإنابة إلى الله، والمبادرة إلى فعل الطاعات، وانتهاز الفرص إذا حانت، وكل ما كان تقديره وعواقبه حسنة بعد إعداد وترتيب، قال تعالى حاكِيًا عَنْ كَلِيمِهِ مُوسى ﷺ: ﴿وَعَجِلْتُ إلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضى﴾. قال ابن القيم رحمه الله: "وَظاهِرُ الآيَةِ أنَّ الحامِلَ لِمُوسى عَلى العَجَلَةِ: هو طَلَبُ رِضا رَبِّهِ، وأنَّ رِضاهُ في المُبادَرَةِ إلى أوامِرِهِ، والعَجَلَةِ إلَيْها.
والمسارعة في الخيرات ـ أيها الإخوة ـ منقبة محمودة وسمة جميع الأنبياء عليهم السلام، قال تعالى ﴿إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَات﴾. والأصل في عمل الآخرة المسارعة إليه والمسابقة فيه، وعدم التباطؤ عن العبادة، وعدم التأخر عن الخير قال سبحانه: ﴿سابقوا إلى مغفرة من ربكم﴾ وقال عز وجل: ﴿وسارعوا إلى مغفرة من ربكم﴾ وقال جل ثناؤه: ﴿فاستبقوا الخيرات﴾ وقال جل شأنه: ﴿وفي ذلك فليتنافس المتنافسون﴾ وقال صلى الله عليه وسلم (التؤدة في كل شيء خير إلا في عمل الآخرة).
وعن علي رضي الله عنه قال: "ثلاثة لا تؤخرْها: الصلاة إذا أتت، والجنازةُ إذا حضرت، والأيمُ إذا وجدت كفؤا" وعن حَاتِم الأصم رحمه الله قال: "کَانَ یُقَالُ الْعَجَلَةُ مِنَ الشَّیْطَانِ إِلَّا فِی خَمْسٍ، إِطْعَامُ الطَّعَامِ إِذَا حَضَرَ الضَّیْفُ، وَتَجْهِیزُ الْمَیِّتِ إِذَا مَاتَ، وَتَزْوِیجُ الْبِکْرِ إِذَا أَدْرَکَتْ، وَقَضَاءُ الدَّیْنِ إِذَا وَجَبَ، وَالتَّوْبَةُ مِنَ الذَّنْبِ إِذَا أَذْنَبَ"خطب وأمّ المصلين لصلاة الجمعة فضيلة إمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ الدكتور فيصل غزاوي.
وتحدث فضيلته في خطبته عن عجلت الإنسان في حياته فقال: أما شأنُ الإنسانِ فكما بيّن القرآنُ قال تعالى: ﴿خُلِقَ الْإِنسَانُ مِنْ عَجَلٍ﴾ أي رُكِّب على العجلةِ وجُبل عليها؛ فالعجلةُ في طبعِه وتكوينِه، وقال سبحانه: ﴿خُلِقَ الْإِنسَانُ مِنْ عَجَلٍ﴾ أيْ: مُبالِغًا في العَجَلَةِ؛ يَتَسَرَّعُ إلى طَلَبِ كُلِّ ما يَقَعُ في قَلْبِهِ ويَخْطُرُ بِبالِهِ؛ ولا يتأنى، بل يُبادرُ الأشياءَ ويستعجلُ بوقُوعِها.
والعَجِل أيها الإخوة له صفاتٌ يُعرفُ بها، قال أبو حاتم البُستي رحمه الله: "إنّ العَجِلَ يقولُ قَبل أن يَعلمَ، ويُجِيبُ قبلَ أنْ يفهمَ، ويَحمدُ قبل أنْ يُجَرِّبَ، ويَذُمُّ بعد ما يَحْمَدُ، والعَجِلُ تصحبُهُ النّدَامةَ، وتَعتزِلُهُ السّلامةَ، وكانتْ العربُ تسميها أمَّ النَّدَامَاتِ".
وتحدث فضيلته عن العجلة المذمومة وبين أنواعها فقال: للعجلة المذمومةِ صُورٌ كثيرة، وأمثلة متعددة؛ فمن ذلك أن يستعجل الإنسان بسؤال الله ما يَضرُّه كما يستعجل في سؤال الخير، قال تعالى: ﴿وَيَدْعُ الْإِنسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الْإِنسَانُ عَجُولًا﴾، قال ابن كثير رحمه الله: يُخْبِرُ تَعَالَى عَنْ عَجَلَةِ الْإِنْسَانِ، وَدُعَائِهِ فِي بَعْضِ الْأَحْيَانِ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ وَلَدِهِ أَوْ مَالِهِ ﴿بِالشَّرِّ﴾ أَيْ: بِالْمَوْتِ أَوِ الْهَلَاكِ وَالدَّمَارِ وَاللَّعْنَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَلَوِ اسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ لَهَلَكَ بِدُعَائِهِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُمْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ﴾.
ومنها: أن يتعجل المرء في الحكم بين المتنازعين قبل التبين، وقد جاء في وصيته صلى الله عليه وسلم لعلي رضي الله عنه لمابعثه إلى اليمن قاضيا: (فإذا جلَسَ بينَ يديكَ الخصمانِ، فلا تَقضينَّ حتَّى تسمَعَ منَ الآخَرِ، كما سمِعتَ منَ الأوَّلِ، فإنَّهُ أحرى أن يتبيَّنَ لَكَ القضاءُ)، ومنها: الاستعجال في نتائج الدعوة إلى الله ورؤية ثمار الجُهد والبذل، فإن رأى عدم استجابة من الناس، تذمر وتضجر وتوقف عن دعوتهم، وقد يبادر بالدعاء عليهم ويتعجل هلاكهم، عَنْ قَتادَة رحمه الله في قوله تعالى: ﴿ولا تَكُنْ كَصاحِبِ الحُوتِ﴾ قالَ: "لا تَعْجَلْ كَما عَجِلَ، ولا تُغاضِبْ كَما غاضَب".
ومن العجلة أن يستبطئ المؤمن النصرَ قال عز وجل:﴿أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُم ۖ مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّىٰ يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَىٰ نَصْرُ اللَّهِ ۗ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ﴾ قال القرطبي رحمه الله: "أَيْ بَلَغَ الْجَهْدُ بِهِمْ حَتَّى اسْتَبْطَؤوا النَّصْرَ، فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: "أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ" وَيَكُونُ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِ الرَّسُولِ عَلَى طَلَبِ استعجال النصر لا على شك وارتياب."
ومنها أن يستبطئ المؤمن نزولَ العذابِ بالأعداء وحلولَ العقوبةِ بهم قال تعالى: ﴿فَٱصۡبِرۡ كَمَا صَبَرَ أُو۟لُوا۟ ٱلۡعَزۡمِ مِنَ ٱلرُّسُلِ وَلَا تَسۡتَعۡجِل لَّهُمۡ﴾ قال البقاعي رحمه الله: "ولَمّا أمَرَهُ بِالصَّبْرِ الَّذِي هو مِن أعْلى الفَضائِلِ، نَهاهُ عَنِ العَجَلَةِ الَّتِي هي مِن أُمَّهاتِ الرَّذائِلِ، لِيَصِحَّ التَّحَلِّي بِفَضِيلَةِ الصَّبْرِ الضّامِنَةِ لِلْفَوْزِ والنَّصْرِ..".
والأعظم من هذا الأمر أن يستعجل الكفار بوقوع العذاب بهم تكذيباً وجحوداً وعناداً واستبعاداً قال تعالى: ﴿وَیَسۡتَعۡجِلُونَكَ بِٱلۡعَذَابِ وَلَنیُخۡلِفَ ٱللَّهُ وَعۡدَهُ﴾. ومنها نقل الأخبار قبل التثبت من صحتها وإذاعة الشائعات والأباطيل قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ﴾ وقال تعالى: ﴿وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَىٰ أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ﴾. ومما يدخل في هذا الباب التعجل في نسبة الأقوال لغير قائليها وعزو الكلام لغير أصحابه، وأظهر أمثلة ذلك نشر الأحاديث المكذوبة على الرسول ﷺ ونسبة مالم يقله إليه. ومن العجلة المذمومة إسراع الخطى عند الذهاب إلى المسجد لإدراك الصلاة، ولا سيما إذا كان الإمام قبيل الركوع أو أثناء ركوعه.
ومنها الاستعجال في أداء الصلاة، فلا يتمُّ ركوعها ولا سجودها، ولا يطمئنُّ فيها، والإسراع في الصلاة إذا كان يخل بركن الطمأنينة فإنها تبطل، وقد قال صلى الله عليه وسلم للمسيء في صلاته: "ارجع فصل فإنك لم تصلِ "كما أنه نُهي عن التشبه بفعل المنافقين في نقر الصلاة نقرًا. ومما يدخل في باب العجلة المُحرمة في الصلاة: مُسابقة الإمام، فإن المطلوب من المأموم أن يكون مُتابعًا لإمامه، لا يُسابقه، ولا يتأخر عنه؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "إنما جُعل الإمام ليُؤْتَمَّ به، فلا تختلفوا عليه، فإذا كبَّر فكبروا، وإذا ركع فاركعوا، وإذا سجد فاسجدوا".
ومنها استعجال العبد إجابةَ دعوته وتفريجَ كربته قال صلى الله عليه وسلم: "يُسْتَجابُ لأحَدِكُمْ ما لَمْ يَعْجَلْ، يقولُ: دَعَوْتُ فَلَمْ يُسْتَجَبْ لِي"، ومنها أن يطلب من الله حاجاته ويتَركَ ما كان يَنبَغي له أنْ يَبدَأَ به مِنْ آدابِ الدُّعاء، فقد سمعَ رسول اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ رجلًا يَدعو في صلاتِهِ لم يُمجِّدِ اللَّهَ تعالى ولم يُصلِّ علَى النَّبيِّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ، فقالَ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ: (عجِلَ هذا، ثمَّ دعاهُ فقالَ لَهُ أو لغيرِهِ: إذا صلَّى أحدُكُم فليَبدَأ بتَمجيدِ ربِّهِ جلَّ وعزَّ والثَّناءِ علَيه، ثمَّ يصلِّي علَى النَّبيِّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّم، ثمَّ يَدعو بَعدُ بما شاءَ)، ومن الفوائد المستنبطة من قوله تعالى: ﴿وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلى اللَّهِ فَهو حَسْبُهُ إنَّ اللَّهَ بالِغُ أمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا﴾ ما ذكره ابن القيم رحمه الله بقوله: "لَمّا ذَكَرَ كِفايَتَهُ لِلْمُتَوَكِّلِ عَلَيْهِ فَرُبَّما أوْهَمَ ذَلِكَ تَعْجِيلَ الكِفايَةِ وقْتَ التَّوَكُّلِ، فَعَقَّبَهُ بِقَوْلِه: ﴿قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا﴾ أيْ وقْتًا لا يَتَعَدّاهُ، فَهو يَسُوقُهُ إلى وقْتِهِ الَّذِي قَدَّرَهُ لَهُ. فَلا يَسْتَعْجِلُ المُتَوَكِّلُ ويَقُولُ: قَدْ تَوَكَّلْت، ودَعَوْت فَلَمْ أرَ شَيْئًا، ولَمْ تَحْصُلْ لِي الكِفايَةُ، فاللَّهُ بالِغُ أمْرِهِ في وقْتِهِ الَّذِي قَدَّرَهُ لَه".
ومنها استبطاء الرزق، فيستعجل فيطلبه من طرق محرمة، ووجوه غير مشروعة، قال صلى الله عليه وسلم: (ولا يحملنكم استبطاء الرزق على أن تطلبوه بمعصية الله فإن ما عند الله لا يُنال إلا بطاعته). ومن العجلة المذمومة القول على الله بغير علم والاستعجال في الفتيا للمؤهل أو لمن هو ناقل لها، وقد كان سلف هذه الأمة من الصحابة والتابعين يهابون الفتوى ويتريثون فيها، بل ويتدافعونها فيما بينهم، ومنها عدم الصبر على حالة واحدة، وإن كانت حالةَ نعمة ورخاء حتى يمل عنها ويسأمَ ويريدَ التحول إلى حالة هي دون تلك الحالة ويرضى بشيء دُون.
ومنها العجلة في الحكم على الأشخاص والأقوال والأفعال والنيات والمقاصد قبل البحث والتَّحري، وفي سوء الظنِّ بإخوانه المسلمين قبل التَّثبت واليقين، ومنها التعجل في الاعتماد على نتائج التقنيات الحديثة ومحركات البحث الآلية وأنظمة الذكاء الاصطناعي من دون النظر إلى ما قد ينتج عنها من المعلومات الخاطئة والمضللة، وعدم الرجوع إلى المصادر الموثوقة في ذلك.
ومنها الاستعجال في الجزم بتنزيل علامات الساعة وأحداث آخر الزمان والملاحم على الواقع، ومنها العجلة والتسرع في اتخاذ بعض القرارات التي تحتاج إلى تأن ودراسة وتأمل، ولا يغيب عن الأذهان أن الاستخارة والاستشارة ركنان أساسيان لكل قرار حكيم وموفَّق، ومنها العجلة في طلاق الرجل زوجته ومخالعة المرأة زوجها لأتفه سبب وأدنى موقف، والمبادرة إلى اتخاذ قرار التفرق مِن غير تأمل ولا تَرَوٍ ولا نظر في العواقب، وكم كان لذلك من نتائج وخيمة من تدمير البيوت وتشتيت الأسر وضياع الأولاد وقطيعة الأرحام.
ومنها الاستعجال والسرعة في قيادة السيارات وما يترتب على ذلك من الحوادث المروعة التي كانت سبباً في إزهاق نفوس كثيرة، وأمراض خطيرة، وعاهات مزمنة وتلف للأموال.
وأخطر صور العجلة المذمومة على الإنسان إيثار العاجل على الآجل والاستغراق في متع الحياة الدنيا والغفلة عن الآخرة، فمما يقال للذين كفروا يوم القيامة تقريعا وتوبيخا ﴿أَذۡهَبۡتُمۡ طَیِّبَـٰتِكُمۡ فِی حَیَاتِكُمُ ٱلدُّنۡیَا وَٱسۡتَمۡتَعۡتُم بِهَا﴾ فمن استوفى طيباته وانغمس في شهواته المحرمة واستعجلها في هذه الدار حُرمها في الآخرة.
واختتم فضيلته خطبته الأولى عن افساد العجلة للأمور فقال: إن الاستعجال في الأمور قبل أوانها ووقتها مُفسدٌ لها في الغالب؛ وإن الأناة والحلم والتُّؤدة والرفق من الصفات العظيمة التي يُحبها الله سبحانه، فقد قال صلى الله عليه وسلم لأشج عبد القيس: (إن فيك خَصلتينِ يُحِبُّهما الله: الحِلمُ، والأناة).وإن مجاهدة النفس على الصبر والتمهل والتأني، تقي بإذن الله الوقوع في طريق الانحراف، قال ابن القيّم رحمه الله: (إذا انحرفت عن خلق الأناة والرفق انحرفت إما إلى عجلة وطيش وعنف، وإما إلى تفريط وإضاعة، والرفق والأناة بينهما).
وتحدث فضيلته في خطبته الثانية عن العجلة المحمودة فقال: هناك أمور لا تدخل في العجلة المذمومة، بل مطلوب أن يبادر المرء بفعلها ويسارع إلى اغتنامها، فمما لا يحتمل التأخيرَ أو التأجيل: الإقلاع عن الذنوب والمعاصي وسرعة التوبة والإنابة إلى الله، والمبادرة إلى فعل الطاعات، وانتهاز الفرص إذا حانت، وكل ما كان تقديره وعواقبه حسنة بعد إعداد وترتيب، قال تعالى حاكِيًا عَنْ كَلِيمِهِ مُوسى ﷺ: ﴿وَعَجِلْتُ إلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضى﴾. قال ابن القيم رحمه الله: "وَظاهِرُ الآيَةِ أنَّ الحامِلَ لِمُوسى عَلى العَجَلَةِ: هو طَلَبُ رِضا رَبِّهِ، وأنَّ رِضاهُ في المُبادَرَةِ إلى أوامِرِهِ، والعَجَلَةِ إلَيْها.
والمسارعة في الخيرات ـ أيها الإخوة ـ منقبة محمودة وسمة جميع الأنبياء عليهم السلام، قال تعالى ﴿إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَات﴾. والأصل في عمل الآخرة المسارعة إليه والمسابقة فيه، وعدم التباطؤ عن العبادة، وعدم التأخر عن الخير قال سبحانه: ﴿سابقوا إلى مغفرة من ربكم﴾ وقال عز وجل: ﴿وسارعوا إلى مغفرة من ربكم﴾ وقال جل ثناؤه: ﴿فاستبقوا الخيرات﴾ وقال جل شأنه: ﴿وفي ذلك فليتنافس المتنافسون﴾ وقال صلى الله عليه وسلم (التؤدة في كل شيء خير إلا في عمل الآخرة).
وعن علي رضي الله عنه قال: "ثلاثة لا تؤخرْها: الصلاة إذا أتت، والجنازةُ إذا حضرت، والأيمُ إذا وجدت كفؤا" وعن حَاتِم الأصم رحمه الله قال: "کَانَ یُقَالُ الْعَجَلَةُ مِنَ الشَّیْطَانِ إِلَّا فِی خَمْسٍ، إِطْعَامُ الطَّعَامِ إِذَا حَضَرَ الضَّیْفُ، وَتَجْهِیزُ الْمَیِّتِ إِذَا مَاتَ، وَتَزْوِیجُ الْبِکْرِ إِذَا أَدْرَکَتْ، وَقَضَاءُ الدَّیْنِ إِذَا وَجَبَ، وَالتَّوْبَةُ مِنَ الذَّنْبِ إِذَا أَذْنَبَ".
وتحدث فضيلته في خطبته الثانية عن العجلة المحمودة فقال: هناك أمور لا تدخل في العجلة المذمومة، بل مطلوب أن يبادر المرء بفعلها ويسارع إلى اغتنامها، فمما لا يحتمل التأخيرَ أو التأجيل: الإقلاع عن الذنوب والمعاصي وسرعة التوبة والإنابة إلى الله، والمبادرة إلى فعل الطاعات، وانتهاز الفرص إذا حانت، وكل ما كان تقديره وعواقبه حسنة بعد إعداد وترتيب، قال تعالى حاكِيًا عَنْ كَلِيمِهِ مُوسى ﷺ: ﴿وَعَجِلْتُ إلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضى﴾. قال ابن القيم رحمه الله: "وَظاهِرُ الآيَةِ أنَّ الحامِلَ لِمُوسى عَلى العَجَلَةِ: هو طَلَبُ رِضا رَبِّهِ، وأنَّ رِضاهُ في المُبادَرَةِ إلى أوامِرِهِ، والعَجَلَةِ إلَيْها.
والمسارعة في الخيرات ـ أيها الإخوة ـ منقبة محمودة وسمة جميع الأنبياء عليهم السلام، قال تعالى ﴿إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَات﴾. والأصل في عمل الآخرة المسارعة إليه والمسابقة فيه، وعدم التباطؤ عن العبادة، وعدم التأخر عن الخير قال سبحانه: ﴿سابقوا إلى مغفرة من ربكم﴾ وقال عز وجل: ﴿وسارعوا إلى مغفرة من ربكم﴾ وقال جل ثناؤه: ﴿فاستبقوا الخيرات﴾ وقال جل شأنه: ﴿وفي ذلك فليتنافس المتنافسون﴾ وقال صلى الله عليه وسلم (التؤدة في كل شيء خير إلا في عمل الآخرة).
وعن علي رضي الله عنه قال: "ثلاثة لا تؤخرْها: الصلاة إذا أتت، والجنازةُ إذا حضرت، والأيمُ إذا وجدت كفؤا" وعن حَاتِم الأصم رحمه الله قال: "کَانَ یُقَالُ الْعَجَلَةُ مِنَ الشَّیْطَانِ إِلَّا فِی خَمْسٍ، إِطْعَامُ الطَّعَامِ إِذَا حَضَرَ الضَّیْفُ، وَتَجْهِیزُ الْمَیِّتِ إِذَا مَاتَ، وَتَزْوِیجُ الْبِکْرِ إِذَا أَدْرَکَتْ، وَقَضَاءُ الدَّیْنِ إِذَا وَجَبَ، وَالتَّوْبَةُ مِنَ الذَّنْبِ إِذَا أَذْنَبَ"خطب وأمّ المصلين لصلاة الجمعة فضيلة إمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ الدكتور فيصل غزاوي.
وتحدث فضيلته في خطبته عن عجلت الإنسان في حياته فقال: أما شأنُ الإنسانِ فكما بيّن القرآنُ قال تعالى: ﴿خُلِقَ الْإِنسَانُ مِنْ عَجَلٍ﴾ أي رُكِّب على العجلةِ وجُبل عليها؛ فالعجلةُ في طبعِه وتكوينِه، وقال سبحانه: ﴿خُلِقَ الْإِنسَانُ مِنْ عَجَلٍ﴾ أيْ: مُبالِغًا في العَجَلَةِ؛ يَتَسَرَّعُ إلى طَلَبِ كُلِّ ما يَقَعُ في قَلْبِهِ ويَخْطُرُ بِبالِهِ؛ ولا يتأنى، بل يُبادرُ الأشياءَ ويستعجلُ بوقُوعِها.
والعَجِل أيها الإخوة له صفاتٌ يُعرفُ بها، قال أبو حاتم البُستي رحمه الله: "إنّ العَجِلَ يقولُ قَبل أن يَعلمَ، ويُجِيبُ قبلَ أنْ يفهمَ، ويَحمدُ قبل أنْ يُجَرِّبَ، ويَذُمُّ بعد ما يَحْمَدُ، والعَجِلُ تصحبُهُ النّدَامةَ، وتَعتزِلُهُ السّلامةَ، وكانتْ العربُ تسميها أمَّ النَّدَامَاتِ".
وتحدث فضيلته عن العجلة المذمومة وبين أنواعها فقال: للعجلة المذمومةِ صُورٌ كثيرة، وأمثلة متعددة؛ فمن ذلك أن يستعجل الإنسان بسؤال الله ما يَضرُّه كما يستعجل في سؤال الخير، قال تعالى: ﴿وَيَدْعُ الْإِنسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الْإِنسَانُ عَجُولًا﴾، قال ابن كثير رحمه الله: يُخْبِرُ تَعَالَى عَنْ عَجَلَةِ الْإِنْسَانِ، وَدُعَائِهِ فِي بَعْضِ الْأَحْيَانِ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ وَلَدِهِ أَوْ مَالِهِ ﴿بِالشَّرِّ﴾ أَيْ: بِالْمَوْتِ أَوِ الْهَلَاكِ وَالدَّمَارِ وَاللَّعْنَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَلَوِ اسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ لَهَلَكَ بِدُعَائِهِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُمْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ﴾.
ومنها: أن يتعجل المرء في الحكم بين المتنازعين قبل التبين، وقد جاء في وصيته صلى الله عليه وسلم لعلي رضي الله عنه لمابعثه إلى اليمن قاضيا: (فإذا جلَسَ بينَ يديكَ الخصمانِ، فلا تَقضينَّ حتَّى تسمَعَ منَ الآخَرِ، كما سمِعتَ منَ الأوَّلِ، فإنَّهُ أحرى أن يتبيَّنَ لَكَ القضاءُ)، ومنها: الاستعجال في نتائج الدعوة إلى الله ورؤية ثمار الجُهد والبذل، فإن رأى عدم استجابة من الناس، تذمر وتضجر وتوقف عن دعوتهم، وقد يبادر بالدعاء عليهم ويتعجل هلاكهم، عَنْ قَتادَة رحمه الله في قوله تعالى: ﴿ولا تَكُنْ كَصاحِبِ الحُوتِ﴾ قالَ: "لا تَعْجَلْ كَما عَجِلَ، ولا تُغاضِبْ كَما غاضَب".
ومن العجلة أن يستبطئ المؤمن النصرَ قال عز وجل:﴿أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُم ۖ مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّىٰ يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَىٰ نَصْرُ اللَّهِ ۗ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ﴾ قال القرطبي رحمه الله: "أَيْ بَلَغَ الْجَهْدُ بِهِمْ حَتَّى اسْتَبْطَؤوا النَّصْرَ، فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: "أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ" وَيَكُونُ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِ الرَّسُولِ عَلَى طَلَبِ استعجال النصر لا على شك وارتياب."
ومنها أن يستبطئ المؤمن نزولَ العذابِ بالأعداء وحلولَ العقوبةِ بهم قال تعالى: ﴿فَٱصۡبِرۡ كَمَا صَبَرَ أُو۟لُوا۟ ٱلۡعَزۡمِ مِنَ ٱلرُّسُلِ وَلَا تَسۡتَعۡجِل لَّهُمۡ﴾ قال البقاعي رحمه الله: "ولَمّا أمَرَهُ بِالصَّبْرِ الَّذِي هو مِن أعْلى الفَضائِلِ، نَهاهُ عَنِ العَجَلَةِ الَّتِي هي مِن أُمَّهاتِ الرَّذائِلِ، لِيَصِحَّ التَّحَلِّي بِفَضِيلَةِ الصَّبْرِ الضّامِنَةِ لِلْفَوْزِ والنَّصْرِ..".
والأعظم من هذا الأمر أن يستعجل الكفار بوقوع العذاب بهم تكذيباً وجحوداً وعناداً واستبعاداً قال تعالى: ﴿وَیَسۡتَعۡجِلُونَكَ بِٱلۡعَذَابِ وَلَنیُخۡلِفَ ٱللَّهُ وَعۡدَهُ﴾. ومنها نقل الأخبار قبل التثبت من صحتها وإذاعة الشائعات والأباطيل قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ﴾ وقال تعالى: ﴿وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَىٰ أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ﴾. ومما يدخل في هذا الباب التعجل في نسبة الأقوال لغير قائليها وعزو الكلام لغير أصحابه، وأظهر أمثلة ذلك نشر الأحاديث المكذوبة على الرسول ﷺ ونسبة مالم يقله إليه. ومن العجلة المذمومة إسراع الخطى عند الذهاب إلى المسجد لإدراك الصلاة، ولا سيما إذا كان الإمام قبيل الركوع أو أثناء ركوعه.
ومنها الاستعجال في أداء الصلاة، فلا يتمُّ ركوعها ولا سجودها، ولا يطمئنُّ فيها، والإسراع في الصلاة إذا كان يخل بركن الطمأنينة فإنها تبطل، وقد قال صلى الله عليه وسلم للمسيء في صلاته: "ارجع فصل فإنك لم تصلِ "كما أنه نُهي عن التشبه بفعل المنافقين في نقر الصلاة نقرًا. ومما يدخل في باب العجلة المُحرمة في الصلاة: مُسابقة الإمام، فإن المطلوب من المأموم أن يكون مُتابعًا لإمامه، لا يُسابقه، ولا يتأخر عنه؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "إنما جُعل الإمام ليُؤْتَمَّ به، فلا تختلفوا عليه، فإذا كبَّر فكبروا، وإذا ركع فاركعوا، وإذا سجد فاسجدوا".
ومنها استعجال العبد إجابةَ دعوته وتفريجَ كربته قال صلى الله عليه وسلم: "يُسْتَجابُ لأحَدِكُمْ ما لَمْ يَعْجَلْ، يقولُ: دَعَوْتُ فَلَمْ يُسْتَجَبْ لِي"، ومنها أن يطلب من الله حاجاته ويتَركَ ما كان يَنبَغي له أنْ يَبدَأَ به مِنْ آدابِ الدُّعاء، فقد سمعَ رسول اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ رجلًا يَدعو في صلاتِهِ لم يُمجِّدِ اللَّهَ تعالى ولم يُصلِّ علَى النَّبيِّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ، فقالَ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ: (عجِلَ هذا، ثمَّ دعاهُ فقالَ لَهُ أو لغيرِهِ: إذا صلَّى أحدُكُم فليَبدَأ بتَمجيدِ ربِّهِ جلَّ وعزَّ والثَّناءِ علَيه، ثمَّ يصلِّي علَى النَّبيِّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّم، ثمَّ يَدعو بَعدُ بما شاءَ)، ومن الفوائد المستنبطة من قوله تعالى: ﴿وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلى اللَّهِ فَهو حَسْبُهُ إنَّ اللَّهَ بالِغُ أمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا﴾ ما ذكره ابن القيم رحمه الله بقوله: "لَمّا ذَكَرَ كِفايَتَهُ لِلْمُتَوَكِّلِ عَلَيْهِ فَرُبَّما أوْهَمَ ذَلِكَ تَعْجِيلَ الكِفايَةِ وقْتَ التَّوَكُّلِ، فَعَقَّبَهُ بِقَوْلِه: ﴿قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا﴾ أيْ وقْتًا لا يَتَعَدّاهُ، فَهو يَسُوقُهُ إلى وقْتِهِ الَّذِي قَدَّرَهُ لَهُ. فَلا يَسْتَعْجِلُ المُتَوَكِّلُ ويَقُولُ: قَدْ تَوَكَّلْت، ودَعَوْت فَلَمْ أرَ شَيْئًا، ولَمْ تَحْصُلْ لِي الكِفايَةُ، فاللَّهُ بالِغُ أمْرِهِ في وقْتِهِ الَّذِي قَدَّرَهُ لَه".
ومنها استبطاء الرزق، فيستعجل فيطلبه من طرق محرمة، ووجوه غير مشروعة، قال صلى الله عليه وسلم: (ولا يحملنكم استبطاء الرزق على أن تطلبوه بمعصية الله فإن ما عند الله لا يُنال إلا بطاعته). ومن العجلة المذمومة القول على الله بغير علم والاستعجال في الفتيا للمؤهل أو لمن هو ناقل لها، وقد كان سلف هذه الأمة من الصحابة والتابعين يهابون الفتوى ويتريثون فيها، بل ويتدافعونها فيما بينهم، ومنها عدم الصبر على حالة واحدة، وإن كانت حالةَ نعمة ورخاء حتى يمل عنها ويسأمَ ويريدَ التحول إلى حالة هي دون تلك الحالة ويرضى بشيء دُون.
ومنها العجلة في الحكم على الأشخاص والأقوال والأفعال والنيات والمقاصد قبل البحث والتَّحري، وفي سوء الظنِّ بإخوانه المسلمين قبل التَّثبت واليقين، ومنها التعجل في الاعتماد على نتائج التقنيات الحديثة ومحركات البحث الآلية وأنظمة الذكاء الاصطناعي من دون النظر إلى ما قد ينتج عنها من المعلومات الخاطئة والمضللة، وعدم الرجوع إلى المصادر الموثوقة في ذلك.
ومنها الاستعجال في الجزم بتنزيل علامات الساعة وأحداث آخر الزمان والملاحم على الواقع، ومنها العجلة والتسرع في اتخاذ بعض القرارات التي تحتاج إلى تأن ودراسة وتأمل، ولا يغيب عن الأذهان أن الاستخارة والاستشارة ركنان أساسيان لكل قرار حكيم وموفَّق، ومنها العجلة في طلاق الرجل زوجته ومخالعة المرأة زوجها لأتفه سبب وأدنى موقف، والمبادرة إلى اتخاذ قرار التفرق مِن غير تأمل ولا تَرَوٍ ولا نظر في العواقب، وكم كان لذلك من نتائج وخيمة من تدمير البيوت وتشتيت الأسر وضياع الأولاد وقطيعة الأرحام.
ومنها الاستعجال والسرعة في قيادة السيارات وما يترتب على ذلك من الحوادث المروعة التي كانت سبباً في إزهاق نفوس كثيرة، وأمراض خطيرة، وعاهات مزمنة وتلف للأموال.
وأخطر صور العجلة المذمومة على الإنسان إيثار العاجل على الآجل والاستغراق في متع الحياة الدنيا والغفلة عن الآخرة، فمما يقال للذين كفروا يوم القيامة تقريعا وتوبيخا ﴿أَذۡهَبۡتُمۡ طَیِّبَـٰتِكُمۡ فِی حَیَاتِكُمُ ٱلدُّنۡیَا وَٱسۡتَمۡتَعۡتُم بِهَا﴾ فمن استوفى طيباته وانغمس في شهواته المحرمة واستعجلها في هذه الدار حُرمها في الآخرة.
واختتم فضيلته خطبته الأولى عن افساد العجلة للأمور فقال: إن الاستعجال في الأمور قبل أوانها ووقتها مُفسدٌ لها في الغالب؛ وإن الأناة والحلم والتُّؤدة والرفق من الصفات العظيمة التي يُحبها الله سبحانه، فقد قال صلى الله عليه وسلم لأشج عبد القيس: (إن فيك خَصلتينِ يُحِبُّهما الله: الحِلمُ، والأناة).وإن مجاهدة النفس على الصبر والتمهل والتأني، تقي بإذن الله الوقوع في طريق الانحراف، قال ابن القيّم رحمه الله: (إذا انحرفت عن خلق الأناة والرفق انحرفت إما إلى عجلة وطيش وعنف، وإما إلى تفريط وإضاعة، والرفق والأناة بينهما).
وتحدث فضيلته في خطبته الثانية عن العجلة المحمودة فقال: هناك أمور لا تدخل في العجلة المذمومة، بل مطلوب أن يبادر المرء بفعلها ويسارع إلى اغتنامها، فمما لا يحتمل التأخيرَ أو التأجيل: الإقلاع عن الذنوب والمعاصي وسرعة التوبة والإنابة إلى الله، والمبادرة إلى فعل الطاعات، وانتهاز الفرص إذا حانت، وكل ما كان تقديره وعواقبه حسنة بعد إعداد وترتيب، قال تعالى حاكِيًا عَنْ كَلِيمِهِ مُوسى ﷺ: ﴿وَعَجِلْتُ إلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضى﴾. قال ابن القيم رحمه الله: "وَظاهِرُ الآيَةِ أنَّ الحامِلَ لِمُوسى عَلى العَجَلَةِ: هو طَلَبُ رِضا رَبِّهِ، وأنَّ رِضاهُ في المُبادَرَةِ إلى أوامِرِهِ، والعَجَلَةِ إلَيْها.
والمسارعة في الخيرات ـ أيها الإخوة ـ منقبة محمودة وسمة جميع الأنبياء عليهم السلام، قال تعالى ﴿إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَات﴾. والأصل في عمل الآخرة المسارعة إليه والمسابقة فيه، وعدم التباطؤ عن العبادة، وعدم التأخر عن الخير قال سبحانه: ﴿سابقوا إلى مغفرة من ربكم﴾ وقال عز وجل: ﴿وسارعوا إلى مغفرة من ربكم﴾ وقال جل ثناؤه: ﴿فاستبقوا الخيرات﴾ وقال جل شأنه: ﴿وفي ذلك فليتنافس المتنافسون﴾ وقال صلى الله عليه وسلم (التؤدة في كل شيء خير إلا في عمل الآخرة).
وعن علي رضي الله عنه قال: "ثلاثة لا تؤخرْها: الصلاة إذا أتت، والجنازةُ إذا حضرت، والأيمُ إذا وجدت كفؤا" وعن حَاتِم الأصم رحمه الله قال: "کَانَ یُقَالُ الْعَجَلَةُ مِنَ الشَّیْطَانِ إِلَّا فِی خَمْسٍ، إِطْعَامُ الطَّعَامِ إِذَا حَضَرَ الضَّیْفُ، وَتَجْهِیزُ الْمَیِّتِ إِذَا مَاتَ، وَتَزْوِیجُ الْبِکْرِ إِذَا أَدْرَکَتْ، وَقَضَاءُ الدَّیْنِ إِذَا وَجَبَ، وَالتَّوْبَةُ مِنَ الذَّنْبِ إِذَا أَذْنَبَ".